أواخر فبراير ومطلع مارس من عام 2003 نشأ صراع ضيق النطاق بإقليم دارفور السوداني، الصراع الذي كان يأخذ طابعاً عرقياً لم يتم احتواؤه في وقته ربما لاستصغاره ولاستبعاد السلطات أن تبلغ المسألة الدارفورية مبلغاً دولياً كالذي عليه الآن.ذلك الصراع لم يستغرق وقتاً طويلاً ليتحول إلى صراع مسلح، فالجماعات الدارفورية التي ثارت بحجة تهميش المركز لها، زادها على التهميش احتقانات عرقية، اتهُمت فيها حكومة الخرطوم بتسليح القبائل العربية للاحتراب مع القبائل ذات الأصول الإفريقية بالإقليم وهي المجموعات التي باتت تُعرف بـ"الجنجويد" وهي مجموعات عربية تُحسب أنها موالية لحكومة الخرطوم.وهو ما جعل المجموعات ذات الأصول الإفريقية تحتمي بالجارة تشاد التي تربطها مع شعبها صلات تداخل قبلي تاريخية، ما زاد توتر العلاقات بين الخرطوم وإنجمينا، توالدت المجموعات الدارفورية المسلحة وحملت أسماء عديدة ورغم أن هناك اختلافات بين هذه المجموعات لكن ما يجمعها أكثر مما يفرقها وهو أصل الأزمة.بداية النفقحاولت حكومة الخرطوم جاهدة أن تخمد الصراع عسكرياً، لكن سرعان ما أصبح بعد سنوات قليلة خارج سيطرتها العسكرية والأمنية وكذلك السياسية بحسب كثيرين، فعلى مستوى منابر السلام التي أُقيمت لحل النزاع في الإقليم كانت اتفاقية أبوجا الشهيرة الموقعة في العاصمة النيجرية عام 2005، حيث وُقع اتفاق سلام بين حكومة المؤتمر الوطني وحركة جيش تحرير السودان بقيادة مني أركو مناوي، دخل مناوي القصر بموجب "أبوجا" في منصب كبير مساعدي الرئيس السوداني، في خطوة لتقاسم السلطة، لم تغير أبوجا من الواقع في شيء وربما ازداد سوءاً.في مارس 2009 أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحقّ الرئيس السوداني ليصبح البشير أول رئيس دولة ملاحق جنائياً وهو على رأس حكمه، وكان ذلك عقب صدور مذكرات اعتقال بحق قياديين ثبت للمحكمة تورطهما في الصراع.من القصر إلى الميدانفي عام 2011 قرر كبير مساعدي الرئيس السوداني مني أركو مناوي الخروج من القصر متمرداً لينعى إلى العالمين اتفاقية أبوجا وتشييعها، رجع مناوي إلى الميدان ليلحق ببقية الحركات المسلحة وفي مقدمتها حركة العدل والمساواة بقيادة خليل إبراهيم الذي قتل في ديسمبر من عام 2011، وخلّف مقتله استفهامات مفتوحة لم تُحلّ بعد، وفي مايو من ذات العام كان إعلان وثيقة الدوحة لسلام دارفور كمنبر تفاوضي جديد لحل أزمة الإقليم بمبادرة قطرية، فقد وقّعت الحكومة السودانية مع حركة التحرير والعدالة بقيادة التجاني السيسي مع امتناع الحركات الكبيرة والمؤثرة عن التوقيع ولازالت الوثيقة مفتوحة أمام الحركات المسلحة.توالي مذكرات الاعتقالفي مارس 2012 أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحق وزير الدفاع السوداني عبدالرحيم حسين بسبب تورّطه في صراع دارفور بجرائم ضد الإنسانية بحسب المحكمة الدولية، ليلحق بباقي المطلوبين للمحكمة وعلى رأسهم رئيس الدولة وأحمد هارون والي جنوب كردفان حالياً، وعلي كوشيب قائد مليشيا "الجنجويد".لم تفلح قوات حفظ السلام في فرض الأمن والاستقرار بالإقليم خاصة بعد تسلم بعثة "اليوناميد" التي مازالت منتشرة بالإقليم، وتواجه البعثة الآن عدة اتهامات تارة من قبل الحركات المسلحة بأنها تخدم أجندة حكومة الخرطوم، وتارة من قبل حكومة الخرطوم بأنها متواطئة مع الحركات المسلحة.غير أن الواقع يدلل على أن الأزمة ما بارحت مكانها إن لم تكن قد ازدادت سوءاً، كما يرى مختصون في الشأن الدارفوري، خاصة في ظل الاقتتال الدائر الآن تحت بصر وسمع قوات "اليوناميد" التي تسلمت مهامها منذ 2007.الجبهة الثورية تعلن الحربيعيش إقليم دارفور منذ سنوات اضطراباً قبلياً وسياسياً وأمنياً، فبينما تقتتل القبائل العربية والإفريقية، والإفريقية والإفريقية، والعربية والعربية، في بعضها تنشط الحركات المسلّحة الموحدة فيما يُعرف بالجبهة الثورية لإسقاط النظام على طول الشريط الحدودي، بل إن معارك عدة دارت بينها والقوات الحكومية بالقرب من مدن الإقليم كان آخرها الأسبوع المنصرم، حيث نشرت الجبهة الثورية تفاصيل المعركة وأسماء وعدد الأسرى، وبذلك تكون كذّبت ما نفته حكومة الخرطوم.وهذا يعني أن القتال أخذ منعطفاً مختلفاً في الإقليم، ومن جهة أخرى يرى مهتمون أن حكومة الخرطوم تواجه حرجاً كبيراً أمام السلطة الإقليمية لدارفور برئاسة التجاني السيسي الذي وقع على وثيقة الدوحة، حيث إن السلطة تنتظر أن تفي الحكومة بالتزاماتها تجاه الإقليم.لكن الحكومة دخلت في مأزق اقتصادي منذ انفصال جنوب السودان، حيث إن اقتصاد البلاد الذي كان يعتمد النفط مورداً في طريقه إلى الانهيار رغم الانفراج النسبي الذي سيحققه اتفاق الخرطوم وجوبا، غير أن الوضع في دارفور تخطى مرحلة الحلّ التنموي الذي ثارت لأجله الحركات المسلحة ليصل مرحلة المشاركة في القرار والحكم، بل أبعد من ذلك بلوغاً إلى إسقاط النظام لوضع رؤية جديدة كلياً لحكم السودان وليس لحكم الإقليم.عموماً.. الإقليم المضطرب منذ 10 سنوات يواجه الآن خطر حرب جديدة ولو أنها بدأت بالفعل، ويؤكد متابعون أن مرحلة جديدة دخلها الإقليم المهدد بالانفصال خاصة بعد استقلال جنوب السودان في ظل مطالب بعض الحركات بالحكم الذاتي لإقليم دارفور، لكن الواقع السوداني برمته قد يفرض سيناريوهات مختلفة كلياً خاصة في ظل تكتلات سياسية وعسكرية ذات توجهات مختلفة هدفها أصبح واحداً.