حين تحدث زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري في رسالة صوتية وجهها لأنصاره الشهر الجاري كانت لديه بعض العبارات القاسية لإيران. فقد قال إن «وجهها الحقيقي انكشف من خلال دعمها للرئيس السوري بشار الأسد ضد المقاتلين الموالين للقاعدة». لكن في نفس الشهر اتهمت الشرطة الكندية «عناصر من القاعدة في إيران» بدعم مخطط لإخراج قطار ركاب عن قضبانه الأمر الذي يعبر عن الطبيعة الغريبة للعلاقة بين طهران والقاعدة. ويرى مراقبون أن إيران الشيعية وتنظيم القاعدة السني المتشدد خصمان بطبيعة الحال، لكن مخضرمين في مجال الاستخبارات يقولون إن إيران التي تسعى وراء تحقيق أغراضها استغلت فيما مضى حاجة مقاتلي القاعدة للمأوى أو المرور عبر أراضيها. إنها علاقة ضبابية ومائعة ويقول بعض العاملين في الاستخبارات إنها تدهورت في السنوات القليلة الماضية. وقال الرئيس السابق لإدارة مكافحة الإرهاب في المخابرات البريطانية «إم آي 6» ريتشارد باريت والذي تولى فيما بعد رئاسة فريق المراقبة التابع لمجلس الأمن الدولي وهو فريق مكلف بوضع القوائم السوداء الخاصة بالعقوبات على القاعدة وطالبان «لن أذهب حتى إلى وصفه بزواج مصالح، إنه ارتباط مصالح». وأضاف «ليس تحالفاً استراتيجياً. وجود القاعدة قد يلائم الإيرانيين لأنه يسمح لهم بأن يكون لهم عين عليها». ومضى يقول «كانت هناك تحركات كثيرة بين العراق وباكستان ولا أستطيع أن أتصور أن الإيرانيين لا يعلمون بها». لكنه استبعد أن تجازف إيران بالتواطؤ مع القاعدة ضد أمريكا الشمالية وأضاف «لا أظن أن الإيرانيين سيتقبلون الأمر بسهولة إذا تبين أن القاعدة كانت ترسم مخططات من على أرضهم». وقالت الشرطة الكندية إنه «لا توجد مؤشرات على أن الحكومة الإيرانية رعت المخطط». وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية رامين مهمان باراست إن «معتقدات تنظيم القاعدة لا تتفق بأي حال من الأحوال مع معتقدات طهران». ومازالت تفاصيل كثيرة عن المخطط المزعوم غير واضحة. لكن مصدراً حكومياً أمريكياً تحدث عن شبكة من العملاء المرتبطين بتنظيم القاعدة يتخذون من مدينة زاهدان الإيرانية مقراً لهم بالقرب من حدود باكستان وأفغانستان. وقال المصدر إنهم يلعبون دور الوسطاء ووكلاء السفر والوسطاء الماليين لعناصر وخلايا القاعدة في باكستان ويتحركون في المنطقة. وأشار مصدر غربي آخر إلى أنه في ظل تدهور العلاقات بين إيران والقاعدة بسبب الحرب الأهلية في سوريا تحركت طهران في الآونة الأخيرة لمنع المقاتلين من العبور إليها عبر المناطق القبلية التي تخضع لإدارة اتحادية في باكستان للانضمام إلى المسلحين الإسلاميين الذين يقاتلون للإطاحة بالأسد. وقال الباحث في المعهد الملكي لدراسات الدفاع والأمن بلندن شاشانك جوشي «على الرغم من أن العلاقة بين إيران والقاعدة كانت دائماً متوترة فإنها تدهورت بعد عام 2011 حين وقف الجانبان على طرفي نقيض في الحرب الأهلية السورية». وأضاف «هناك تحالف بين أقوى جماعة سورية معارضة والقاعدة وانتقدت الاثنتان الدعم الإيراني لنظام الأسد بشدة». ولم يتضح ما إذا كان التخطيط للمؤامرة المزعومة والذي تقول الشرطة الكندية إنه استغرق بعض الوقت قد تم قبل أن تتسبب الحرب في سوريا في زيادة التوتر بين طهران والقاعدة. وقال باريت «العلاقات تغيرت» مشيراً إلى وثائق نشرت بعد أن قتلت قوات أمريكية إسامة بن لادن في باكستان عام 2011 وأظهرت قول زعيم القاعدة إنه لا يستطيع أن يثق في الإيرانيين على الإطلاق. وأضاف «بعد تلك الفترة رأينا الظواهري ينتقد إيران في الآونة الأخيرة. ومن الواضح أن خللاً ما قد حدث». وإذا كان تنظيم القاعدة يتمركز فعلاً داخل وحول زاهدان التي تقع على الطريق الرئيس المؤدي إلى باكستان وهي عاصمة إقليم سيستان وبلوخستان فإن مدى سهولة سيطرة إيران عليه مسألة أبعد ما تكون عن الوضوح. وتشيع بالمنطقة تجارة المخدرات وأنواع أخرى من التجارة غير المشروعة وتهريب السلاح. وقد اكتظت أحياء على مشارف زاهدان منذ فترة باللاجئين الأفغان على الرغم من محاولة إيران من حين لآخر -مثلها مثل باكستان- إخراجهم معللة ذلك بالتهديد الأمني الذي يشكلونه. والسلطات الإيرانية تواجه أيضاً منذ سنوات مقاومة سنية من جانب البلوخ الذين يشكون من التمييز. وأعلنت جماعة جند الله المسؤولية عن عدة هجمات منها تفجير أسفر عن مقتل 42 شخصاً عام 2009 ولكن لا توجد مؤشرات على ارتباطها بتنظيم القاعدة وإن كان يجري الخلط كثيراً بينها وبين جماعة تحمل نفس الاسم في باكستان. وعلى الجانب الباكستاني من الحدود تكافح قوات الأمن الباكستانية تمرداً يقوده انفصاليون بلوخ علمانيون بينما شن متشددو جماعة عسكر جنجوي المرتبطون بتنظيم القاعدة سلسلة هجمات هناك. ويقول محللون ودبلوماسيون إنه على الرغم من انتشار مفهوم غربي خاطئ عن أن إيران -بوصفها قوة شيعية بارزة- تتحرك بدافع الدين فإنها دائماً أكثر براجماتية كثيراً في السعي لتحقيق مصالحها الوطنية الأمر الذي يسمح لها بأن تغض الطرف عن استخدام مقاتلي القاعدة السنة لأراضيها. وقال نيك برات وهو كولونيل متقاعد بمشاة البحرية وضابط بوكالة المخابرات المركزية الأمريكية «سي آي إيه» يعمل حالياً في مركز جورج سي مارشال الأوروبي للدراسات الأمنية «الأمر الذي يحير الناس هو أن القاعدة سنية وبقية من نتحدث عنهم هنا شيعة، والاثنان لا يمتزجان ويختلطان، لكن هذا بات يحدث، بات يحدث حينما يريدان هذا. يغضان الطرف وحسب». ويقول محللون إن إيران سمحت لأعضاء بتنظيم القاعدة منهم زعيم القاعدة في العراق أبو مصعب الزرقاوي بالمرور عبر أراضيها.«رويترز»