كتب - عبدالرحمن محمد أمين: يذكرني اللقاء بالأخ صالح إبراهيم الفضالة بالعديد من الرجال الذين سطر التاريخ أسماءهم بأحرف من نور، وعلى صعيد البحرين نفخر بالكثير من أبناء المملكة برجال بدؤوا من الصفر حتى نالوا بجدهم واجتهادهم وإصرارهم على مواجهة الصعاب أعلى المناصب وفازوا بأسمى الألقاب.وللحقيقة فإن صالح الفضالة نموذج لهذا النوع من الرجال، بدأ حياته العملية موظفاً بسيطاً في بلدية الحد حتى تبوأ منصب مدير عام بلدية المحرق.النشأة الأولىولد صالح الفضالة يوم 25 أكتوبر 1959 في فريج «الحويلة» بمدينة الحد، والكثيرون الآن لا يعرفون هذا الفريج، حيث إنه جزء يكمل الحد إلا أنه مفصول عن الفرجان الأخرى، وسكنت فيه عائلة الفضالة والبنعلي منذ قديم الزمان.في صغره كان يلعب مع أبناء الفريج لعبة «الدوامة» و»البلبول» و»الدحروي» قرب عين هيا -وهي ملك لعائلة البنعلي- «كانت والدتي عندما تبحث عني تأتيني إلى موقع العين لتأخذني إلى المنزل، ما يشعرني بالخجل أمام أصدقائي».انخرط صالح بالمرحلة الابتدائية عام 1966 بمدرسة الحد الابتدائية الجنوبية «كان مدير المدرسة أحمد المالود، ومن المعلمين أذكر علي بن غانم وعيسى حاجي ومحمد سلطان وجاسم المالود.. أما زملاء الدراسة فهم محمد أحمد السادة (يشغل حالياً منصب سفير قطر لدى الصين)، والراحل خالد علي سيف، وإبراهيم محمد المدفعي ويوسف أحمد البنعلي، ود.أنور السادة (يشغل حالياً منصب نائب الرئيس التنفيذي في مصرف السلام) وعادل الشروقي والراحل عيسى علي البنعلي».ألعاب الزمن الجميل في ذاك الزمان الجميل اعتاد الأطفال لعبة «توب توب يا بحر»، حيث يشعلون النار لإعداد وجبة «الحويت» عند ساحل البحر «نفاجأ في اليوم التالي بالعقوبة تنتظرنا في الطابور الصباحي».نشأ صالح وترعرع في بيئة بحرية «كان لعائلتي حظرة خاصة بصيد السمك اسمها (أبزور) ورثها جدي عن والده، ولها وثيقة صادرة عام 1273هـ».عشق البحر وأحب مغامراته وتعلم مهارات الصيد وفنون التعامل مع مختلف أنواع الأسماك من مرافقته لجده «أكسبني العمل العديد من الصفات الشخصية كالصبر وتحمل مشاق الحياة».كانت الرحلات المدرسية إبان تلك الفترة في معظمها إلى منطقة الصخير «كنا نستمتع بالأجواء البرية، وفي كثير من الأحيان يكون هدف الرحلة الصعود إلى أعلى قمة جبل دخان، فيتسابق الطلبة لتحقيق أفضل نتيجة والوصول أولاً».حاز صالح في أحد المرات أعلى درجة في مادة الحساب بالصف الثاني الابتدائي وكافأه المدرس بإهدائه كرة قدم «فرحت بها كثيراً، وما إن خرجت في نهاية الدوام الدراسي إلا وأنظار جميع الطلبة متركزة على الكرة دون سواها».التحق بالمرحلة الإعدادية عام 1972 بمدرسة الحد الإعدادية الشمالية «مديرها الأستاذ أحمد بوقحوص والأساتذة أحمد زمان وأحمد البديد وعبدالله السادة، والأصدقاء خالد حمد البنعلي وحسن إبراهيم الكواري وإبراهيم محمد الماجد وعادل مهنا المسلم».في هذه المرحلة أحب صالح صيد الطيور «كنت أمارس هذه الهواية بالجهة الواقعة شمال الحد، وكان يعترضني بصفة دائمة وحيد السيد ليأخذ مني طعم الطيور وهي (العتل) دودة من الأرض، وكأنه يقول لي في كل مرة لابد من دفع ضريبة المرور بالفريج».في المرحلة الثانوية التحق بمدرسة الهداية الخليفية عام 1975 «كان مديرها محمد العيد ثم محمد عبدالملك، بعدها انتقلت إلى مدرسة القضيبية الثانوية التجارية وكان مديرها أمين حليوة، أما زملاء الدراسة فهم عبدالله الشايجي وصلاح جاسم مراد وعادل التتان وحسن بهزاد».علاقة صالح الفضالة بالدراسة الجامعية بدأت عندما درس بنظام الانتساب سنة 1978 بجامعة بيروت العربية «اخترت تخصص إدارة الأعمال استكمالاً لدراستي الثانوية في الفرع التجاري لحبي للحسابات والأعمال ذات العلاقة بالمحاسبة، وانقطعت عن الدراسة بسبب حرب لبنان وبعدها عاودت الدراسة الجامعية في الأكاديمية العربية للعلوم في الإسكندرية، وتخرجت عام 1996».في سوق العمل التحق صالح الفضالة للعمل في بلدية الحد بشكل مؤقت في أغسطس 1977 «زملائي في العمل أحمد حسين وعبدالله موسى وعبدالعزيز سلطان، أما المسؤولون فهم محمد بن علي الذوادي، وعبدالله حاجي، وكان مراقب البلدية عبداللطيف بوعلي الذي عارض بشدة مسألة خروجي من البلدية وقال لي آنذاك «المستقبل سيكون لك لتحل مكاني في البلدية».في مارس 1978 التحق للعمل في البنك الفرنسي «سوسيتي جنرال»، ويذكر من الزملاء «عبدالباقي السيد وعبدالله الريس ويعقوب السيد وجاسم محمد إبراهيم وإبراهيم الباكر».انتقل صالح بعدها للعمل في بنك «أفرسيس تارست بنك» عام 1982 «عملت مع الزميلات زبيدة مراد وعائشة محمود برئاسة إبراهيم الباكر وكان المدير العام عبدالله أبوالفتح».وبعد إغلاق البنك وشرائه من قبل البنك البريطاني انتقل للعمل فيه في نوفمبر 1985 حتى نوفمبر 1987 «أذكر من الزملاء محمد بوجيري وأحلام بوجيري، ومنى السيد، وحسن الوزان، ومحمد جندول، وعبدالجليل آل شبيب وحسن ناصر».في 6 مارس 1987 التحق بالمؤسسة العامة لجسر الملك فهد في إدارة التشغيل والصيانة «كان مديرها آنذاك د.عبدالرحمن الربيعة، والمدير العام اللواء المتقاعد إبراهيم السجا، والزملاء محمد الشرهان والمهندسون طارق الجعفري وعماد المحسين ومحمد الجاسم ومحمد الجودر وآخرون».وكان العصر الذهبي للمؤسسة حينها بقيادة د.حمد العرينان الأستاذ الأكاديمي بجامعة الملك عبدالعزيز «ساهم في تطوير الجسر وهو أول من غير الحصى والرمل وزرع محله مسطحات خضراء، أما على صعيد التسهيلات للعابرين من خلال الجسر، كان يلح بشدة على تيسير إجراءات السفر حتى تمكن من إلغاء الكثير من النقاط في الجانبين السعودي والبحريني». العرينان أعتز بعمل صالح الفضالة «اعتبره من الأشخاص القلائل ممن ساهموا في بلورة شخصيتي، كان شخصاً متعاوناً مع كافة الموظفين وفتح لي مجالات عدة للإنجاز وهو مثال للصديق الجيد، وكان آخر منصب عملت فيه مدير مكتب الجانب البحريني بالجسر».انتقل صالح إلى الهيئة العامة للبيئة والثروة البحرية والحياة الفطرية بمنصب مدير عام للموارد والخدمات بمرسوم ملكي بدرجة وكيل وزارة في 2008 وكان رئيسها سمو الشيخ عبدالله بن حمد آل خليفة «زملاء العمل هم د.عادل الزياني والبروفسور إسماعيل المدني وزياد الرويعي وأنور الحريري وأحمد جعفر وعدنان البدر وزهوة الكواري وإيمان الأنصاري».علاقة الرئيس بمرؤوسيهيتحدث الفضالة عن علاقة المسؤول الناجح مع موظفيه «هو من يحكم ضميره ويشعر بالمسؤولية أمام الله أولاً ثم أمام المسؤولين الذين أوكلوه هذه المهمة ثانياً، ويضع خدمة المواطنين أولوية حتى أمام راحته الشخصية، ويحرص على تطبيق السياسات الإدارية الفعالة في التواصل والاستماع إلى مشاكل المواطنين عن طريق قنوات الاتصال المتاحة في المؤسسة بما يحقق أهداف العمل وخدمة الوطن».وينصح «على المدير الناجح أن يلتفت إلى الصورة الشاملة الاستراتيجية التي يعمل بها استناداً إلى أنه جزء من منظومة العمل النشطة التي تتماشى مع السياسة الاقتصادية 2030، والهادفة إلى تكوين بيئة مناسبة لتطلعات المواطنين والمقيمين، تسهم في تمكين المواطن من الإنتاج على مستوى عالمي». مستقبل العمل البلديويرى الفضالة في استراتيجية وزارة البلديات «ذات رؤية مستقبلية طموحة لتعزيز العمل البلدي وفصل اختصاصاته بشكل منهجي وقانوني، ومن ذلك العمل البلدي الإداري وشؤون التخطيط العمراني والزراعة» ويضيف «تطورت التجربة البلدية بشكل تصاعدي زادت معها مسؤوليات الوزارة بكافة أقسامها، وزاد معها وعي المواطن ومعرفته بحقوقه وواجباته». وينظر للمستقبل بعين تلك القفزة «تركز على التفاصيل ذات العلاقة بالبيئة والمجتمع والأسرة والشباب والرياضة، وفي هذا الإطار نشيد بتوجيهات سمو رئيس الوزراء في تنفيذ توجيهات الدولة نحو تنمية مستدامة».ويعتبر الفضالة مكة والمدينة أفضل بقاع الأرض التي زارها في حياته «الدولة المفضلة لدي هي تركيا، لما تختزنه من أمجاد المسلمين، ورأيت فيها شعباً أسس حضارة، ولم تبخل عليها الطبيعة بالسحر والجاذبية».فرجان المحرق تعشش الفرجان في ذاكرة صالح الفضالة وتأبى أن تغادرها «الفريج حيت كنت أعيش وألعب وأمضي سني طفولتي هو فريج البنعلي بمنطقة الحد، بالكاد نسمع صوت سيارة عابرة، حيث تتميز الفرجان في الماضي بالهدوء إلى درجة أن أصحاب المنزل يسمعون أحاديث المارة بجانب بيوتهم».اليوم ومع اتساع الرقعة العمرانية والكثافة السكانية وازدياد وتيرة الحياة «أخذت الفرجان والأحياء أغلب صفات المدن من حيث الازدحام المروري والكثافة السكانية، وفقدت أهم سماتها المتمثلة في تلاحم أهالي الحي الواحد وبساطتهم الغالب عليها الطيبة المفرطة في التعامل».ويأمل الفضالة أن يتم تجديد المحرق القديمة مع الحفاظ على طابعها التراثي القديم، وتوفير خدمات البنية التحتية المتطورة والتخلص من مشاكل العمالة العازبة والبيوت المهجورة وتوفير الخدمات البلدية والاجتماعية وفي مقدمتها إيجاد مواقف للسيارات في الأحياء القديمة وإنشاء حديقة متكاملة الخدمات في كل حي وفريج. كما ينبغي جعل المحرق مدينة للسياحة النظيفة فهي تحمل مقومات ذلك، وتسعى بلدية المحرق إلى تأهيل سوق المحرق القديم ونتمنى أن يكون على مستوى الأسواق الشعبية في بعض الدول الشقيقة بل تفوقها نظراً لوجود المعايير التاريخية والاجتماعية في مدينة المحرق.وأتمنى في هذا الجانب المزيد من الإنتاج بالتعاون مع الأخوة في المجلس البلدي والوزارة والحكومة الموقرة.الحياة كانت أكثر بساطة ويضيف «كانت الحياة بسيطة في السابق وتبادل المنفعة مبني على المحبة والثقة والترابط بين الأهالي، وكانت الزيارات عفوية في الفرجان لا تعرف مصطلحات الاستئذان وأخذ المواعيد كما تجري العادة حالياً، بل يسودها الحب والاحترام المتبادل الطاغي بين المناطق رغم محدودية مصادر الرزق آنذاك».على عكس عصرنا فتحت فيه الدنيا نوافذها أمام تنوع مصادر الدخل وازدياد الدخل المعيشي والتطور التكنولوجي الهائل في وسائل الاتصال «ما تبعه وجود المواعيد قبل الزيارات واللقاءات بين الأشخاص والمحاسبة عند عدم الالتزام بالموعد والاحتياط عند أي حديث تجنباً لتأويله في غير سياقه».ويرى الفضالة أن الأجواء القديمة تختلف عن الحديثة «ظهرت اليوم الوسائل الحديثة في الاتصال ممثلة في أجهزة التواصل الاجتماعي حيث أساء البعض استخدامها عن طريق نشر الأفكار المغلوطة واستغلالها لتشويه السمعة والتهجم على الآخرين دون التحري عن مصداقية الكلام المرسل، إلا أنها في الجانب الآخر تحمل العديد من الإيجابيات في سرعة التواصل بين الأشخاص ومتابعة أخبارهم بشكل فوري والتعرف على آخر المستجدات والأحداث على الصعد المحلية والعالمية».بناء الأسرةمازال الفضالة يذكر يوم زواجه عام 1985 «وجه الوالد الدعوة لوليمة عشاء بهذه المناسبة وأقيمت العرضة أمام منزلنا الكائن في الحد واستقطبت الأهالي من داخل البحرين ودول الخليج».للفضالة من الأبناء خمسة ولدين وثلاثة بنات «بين الماضي وما نعيشه اليوم الكثير من الفوارق، اليوم برزت أساليب جديدة لحفلات الزواج بعضها مبالغ فيه، إلا أن العديد لم ينجر إلى تلك النماذج البعيدة عن الطابع العربي، وأنا زوجت ابنتي بزيجات قليلة التكاليف راقية المضمون».عاشق الرحلاتيعشق الفضالة السفر والترحال براً وبحراً «كنت أتمنى أن أهوى القراءة إلا أني أميل إلى النوع السمعي أكثر من البصري». وبالنسبة لأوقات الفراغ يقضيها في العمل الخيري «بدأت الارتباط بالعمل الخيري منذ انخراطي في اللجنة الاجتماعية بنادي الحد الخيري بين عامي 1981-1985 بترشيح من الأخ محمد علي الماجد، حيث كنت من مشجعي نادي الحد عندما كنت بالثانوية، بعدها رشحت لتولي مهام مساعد السر في الجمعية ما بين 1985-1989، وكان رؤساء النادي حينها عبدالله حسين السادة ثم صلاح الأنصاري وبعده علي دعيج البنعلي، بعد ذلك رشحت لاتحاد كرة السلة كعضو مجلس إدارة، وفزت في الانتخابات ونلت شرف العضوية برئاسة سمو الشيخ علي بن خليفة آل خليفة نائب رئيس الوزراء».عين بعدها مدير المنتخبات في اتحاد كرة السلة ومثل البحرين في دورة كأس الخليج لدول مجلس التعاون «تمكنا من إحراز المركز الثالث بالبطولة التي أقيمت في أكتوبر عام 1992 بعد العودة من معسكر خاص للتدريب بالنمسا، ومن الطرائف التي مازلت أذكرها عندما استلمت الكأس من سمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم بمناسبة فوز منتخب الاتحاد، تركت ميدالية الفوز من فرط الفرحة وانشغلت بسلامي على الجمهور المشجع لمنتخبنا البحريني».وفي 1992 ترشح لعضوية جمعية التربية «أصبحت عضواً وعملت في جمعية التربية الإسلامية مع الإخوة الشيخ دعيج بن عبدالله والشيخ عادل المعاودة والشيخ عصام إسحاق والشيخ أحمد الزايد والأخ عادل بوصيبع وناصر لوري، ثم انضممت للعمل في مجلس أمناء صندوق الحد الخيري في 1993 مع الأخ غانم البوعينين وزير الدولة للشؤون الخارجية حالياً ود.مبارك الجنيد».مواقف وطرائف من أطرف ما واجهه الفضالة من طرائف يقول «زلزال تركيا عام 1999، كنت في سفرة سياحية عائلية مع الصديق الشيخ عادل المعاودة، وبعد صلاة العشاء في جامع بايزيد، حيث كنا عائدين للتو من منطقة بورصة وبعدها خلدنا إلى نوم عميق بعد تعب الرحلة، أيقظتني هزة عنيفة عند الساعة الثالثة فجراً في الفندق، ما دفعني للاستيقاظ لمعرفة ما يجري، وبعد الجهد الذي بذلته في التوازن بغرفتي المتحركة تمكنت من الوصول إلى الهاتف والاستفسار عن الموضوع».الإجابة على الجانب الآخر كانت مرعبة «قال الموظف إنه زلزال وعلى الجميع إخلاء الفندق فوراً، غادرت الفندق ونجحت في الخروج وتم استقبالي بالتصفيق من رواد الفندق المتجمهرين بالخارج كنت باختصار آخر المغادرين، أما زميلي الشيخ عادل فضحك بشدة وأنا أخرج بكامل أناقتي مرتدياً الغترة والعقال في تلك اللحظات المخيفة».الزلزال المدمر أودى بحياة الآلاف ودمر مئات المباني والمنشآت «الليلة التالية كانت الأصعب في حياتي كلها، أغلق المطار واضطررنا إلى المبيت في إحدى الحدائق».
صالح الفضالة.. ابن البحر وعاشق الفريج
10 مايو 2013