كتب ـ حسين التتان:هدى شابة في الخامسة والعشرين من عمرها، تؤمن بالحب باعتباره حاجة إنسانية فطرية فقط، ولا تعتقد أن الحب يمكن أن يعيش دون سقف يظله، وبيت يأويه، ونقود تيسر سبله وتفتح ما غُلق دونه من أبواب. تمشي هدى على قاعدة لا تحيد عنها «يا مهر تحكي عنه الحارة يا بلاها هالجيزة»، ولا مشكلة لديها أن تظل عانساً طوال حياتها من أن ترضى بشاب فقير معدم تقاسي معه هموم الحياة ومتاعبها.تحلم هدى بأسرة وزوج وأطفال يظلهم رغد الحياة، ويعيشون بحبوحتها، ويتلذذون بما أنعم الله عليهم، يأكلون أطايب الطعام، ويستقرون في فلل فارهة، ويركبون أفخم السيارات، ويخالطون أعيان القوم وأكابرهم.رفضت الحسناء طوابير الشباب الذين تقدموا لخطبتها واحداً تلو آخر، هذا لا يملك من متاع الدنيا سوى شقة صغيرة، وذاك بالكاد يكفيه راتبه الهزيل حتى آخر الشهر، وثالث يتقي متاعب الزوجية ومسؤوليات تكوين الأسرة متسلحاً بالحب والإصرار والعزيمة، أما فتى الأحلام، صاحب سيارة الشبح، والقصر الشامخ عالي البنيان، فلم تطأ قدماه عتبات البيت طالباً يدها حتى الآن، وهي تمني النفس وتقول هو آت في يوم ما، وإن عز فأهلاً بالعنوسة.تردد هدى مع أبو فراس الحمداني بيته الشهير «تهون علينا في المعالي نفوسنا/ ومن طلب الحسناء لم يغلها المهر»، وهي لم تبن نظريتها فراغ ومن وحي الحيال فقط، بل دعمتها بوقائع سمعتها وعايشتها، من فتيات قبلن بالزواج من شبان معدمي الحال، وكيف عانين شظف العيش، وتمرمرن وتشنططن بحثاً عن لقمة تسد الرمق، ومأوى يقي لهيب الصيف وقر الشتاء.هدى حديثة العهد بالتخرج وتعمل في إحدى المؤسسات المالية، ولا تجد في طلبها ما يشين، وهي تبرهن بالدليل أنها ليست طماعة أو مادية أو سطحية حيال موضوع الزواج، وتعتبر نظرة المجتمع لأمثالها ظالمة وتنطوي على قصور بالنظر، فالمهر المرتفع بنظرها مصحوباً بحياة رغيدة مسؤولية الزوج، وهي حاجة وليست ترفاً يمكن الاستغناء عنه ورميه وراء الظهر كمتاع زائد.تحلم هدى كغيرها من الفتيات بالسعادة الزوجية، ولكن تختلف عن الباقيات في وسائل تحقيقها، هي لا تؤمن بنظرية «الحب صانع المعجزات»، أو بالرأي القائل «فراش من الريش يجلب لك الراحة، ولكن ليس بالضرورة أن يجلب النوم»، بل على العكس من ذلك ترى أن مفتاح السعادة هو المال، ومن يقول خلاف ذلك يكون واهماً، أو هو يسعى لتجميل حياة الفقير، أو التغزل بجبروته وقوة صبره وتحمله.في محيط هدى نساء كثيرات لم يصلن للسعادة المنشودة، تزوجن عن حب، قاسين قسوة الحياة ونكباتها، أملن أن يتغير الحال إن لم يكن اليوم فغداً، راهن على الحب وحده في تجاوز جبال العقبات الكأداء، وفي النهاية كان الفشل بانتظارهن، بعضهن أصررن على المقاومة، وأخريات رفعن الريات البيض واستسلمن وانتهى قصة الحب الأسطورية بالانفصال.حين تجابه هدى برأي الدين في هذا الموضوع، وحثه على طلب الستر واتقاء الفقر بالزواج، لا تجد حرجاً في الرد أن لكل زمن أحكامه وقواعده وشروطه، والأخذ بالأسباب ضرورة «زمان اليوم غير زمان لول.. المادة عنصر مهم بحياة الإنسان لا غنى عنها».صفات كثيرة يصعب حصرها ألصقت بها من محطيها، البعض قال إنها جريئة وآخرون نعتوها بالمجنونة والمتهورة والمادية والمغرورة، وهي تصر أن مواجهة المجتمع خير من الندم بعد وقوع الفأس بالرأس.الشيخ أحمد علي يقول «حتى ولو كان كلامها ينطوي على شيء من الموضوعية والواقعية حسب مقتضى الزمان والمكان، إلا أن رأيها يخالف روح الشريعة وسماحة الدين».ويورد الحديث النبوي الشريف «إذا جاءكم من ترضون دينه وخُلقه فزوجوه»، وهو يذهب مع الرأي القائل بعدم وجوب تقديم المادة على الأخلاق مهما كانت الأسباب قاهرة.