كتبت ـ شيخة العسم: يوسف عبدالله شاب أنهى العقد الثالث من عمره، تحمل مسؤولية أسرته باكراً بعد وفاة والده، وراتبه بالكاد يفي بالضروري الضروري 300 دينار لا تنقص ولا تزيد.غادر يوسف المدرسة ولما ينهِ تعليمه، الحياة بقوستها ومرارتها تنتصب أمام عينيه لا تروم، وهو وحده دون سواه عليه أن يحمل على كاهله أماً وثلاث أخوات.عندما تزوجت الأخوات الثلاث بضربة حظ جاءت دون سابق إخطار، بدأ يفكر جدياً في الارتباط بشريكة العمر، وانطلقت والدته في رحلة البحث عن الفتاة المطلوبة، مستورة بنت حلال تراعي الوضع وترضى بالمقسوم، ولكن طلبها كان أشق مما تصورت، تغير الحال واختلفت المطالب، مهر عال وعرس «مطنطن» يليق العروس وذهب «يشنشلها شنشلة» أقل شيء.لم تيأس أم يوسف ووجدت ضالتها في فتاة توفيت عنها والدتها، مستورة الحال وابنة عالم وناس، قالت في نفسها «ربما الفتاه تريد الستر لا غيره.. ما يستاهلها غيرك يا يوسف».عندما أخبرت ابنها طار من الفرح، لم تمضِ سوى أيام حتى ذهب برفقة وأمه وأخواته لخطبتها، الفتاة بدت خلوقة كما يتصورها وفقاً لوصف أمه، أعجبته وأعجبها من أول نظرة، كانت الزيارة الأولى مجرد تعارف وجس نبض دون خوض بالتفاصيل، رجع يوسف مغبوطاً مسروراً وقد قطع نصف طريق أحلامه، فتاة جميلة لا ينقصها الذكاء، ابنة أصول، أحببتها وأحبتني منذ اللقاء الأول.. ماذا أطلب أكثر من ذلك، اللهم يسرها يارب.في اليوم التالي اتصل والد الفتاة على أم يوسف ليخبرها أنهم موافقون على الخطبة وطلب 3500 دينار مهراً وشبكة لا يقل ثمنها عن 1500 دينار، المجموع 5 آلاف و»لساتنا بالبر»، وقال «نتفق على باقي التفاصيل في الزيارة القادمة».شحب وجه الأم وغارت الدماء من وجنتيها، الطلبات غير متوقعة وأقل ما يقال عنها «تعجيزية»، وليقينها أن ولدها «عين بصيرة ويد قصيرة»، ترددت في اطلاعه على الأمر، تقدمت خطوة وتراجعت خطوات، وأخيراً حزمت أمرها وقالت ما لا بد من قوله، ولكن ولدها تقبل الموضوع برحابة صدر وعزم على تكرار الزيارة.في الزيارة الثانية أخبر يوسف والد الفتاة أنه موافق على طلباته، وطالبه والدها بحفلة بسيطة لإشهار الزواج، بدأ يوسف إجراءات طلب القرض من البنك وتسلم 6 آلاف دينار تسدد على أقساط شهرية بمعدل 133 ديناراً ولسبع سنوات.فرح يوسف بحصوله على مبتغاه، كان المبلغ كافياً لإتمام مراسم الزفاف بمحبوبة القلب، 3500 مهر و1500 شبكة و1000 حفلة وخلصنا، أقيمت الحفلة الموعودة واقتصرت على ذوي العروسين اختصاراً للتكاليف، وبعدها بدأت استعدادات الزفاف المقررة بعد شهرين من الخطبة، كانت العروس تطلب ويوسف يستجيب بالتو واللحظة.كانت فترة الخطوبة من أسعد لحظات حياة يوسف، هي كثيرة الطلبات وخصوصاً فيما يتعلق بمستلزمات حفل الزفاف ولكن لا يهم، تأجير الصالة كلفه 900 دينار عدا قائمة الطعام والمجموع 1500 دينار لا تنقص مليماً، و»الكوشة» من خارج الصالة ما تطلب زيادة في التكاليف غير محسوبة.المصروفات الزائدة دفعت يوسف لإعادة حساباته، القرض صرف واستهلك والزفاف لم يتم بعد، فاستقرض من أحد المحسنين 1000 دينار دون فوائد «قرض حسن».الصاعقة ضربت يوسف بأم رأسه لاحقاً، قبل الزفاف بأسبوع طلبت العروس أن يكون حفل الزفاف بفندق «السوفتيل» حصراً! وهناك كانت الطامة الكبرى والطلب المستحيل والمفاجأة من العيار الثقيل.أفلس يوسف وأفرغ جيوبه عن آخرها، وسعر حجز الصالة تلقاه هدية من والدته وأخواته البنات، وتم الزفاف وانتهى العرس على خير ما يرام وظن يوسف أن بوابة السعد فتحت أمامه بعد الزواج، وسيتمكن وزوجته يداً بيد على سداد مبلغ القرض، وتكملة الحياة بالعشرة الطيبة والكلمة الحسنة وعـ»الحلوة والمرة» كما تقول العجائز.وبعد شهر وعشرة أيام بالتمام والكمال، أسفرت العروس عن وجه آخر غير مألوف، كانت قطة بمخالب بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، عصبية سليطة اللسان لا تحترم أم يوسف حتى.حاول يوسف أن يتجنبها درءاً للمشاكل، صبر عليها وجاءها بلطيف الكلام ومعسوله دون جدوى، طلب منها أن تصبر عل الله يقضي أمراً وتحل كل مشاكلهم بضربة حظ واحدة.اكتشف أنها تطلب الطلاق لا غيره، ولسبب يجهله تمام الجهل، ذهب يوسف وزوجته إلى المحكمة وانفصلا، ولكن القاضي أمر أن تسدد الزوجة نصف المهر لعريسها وعلى أقساط، وهي دفعت إلى اليوم 200 دينار فقط.«الجيزة» المشؤومة كلفت يوسف 7 آلاف دينار كلها بالدين، وما ترده العروس لا يتجاوز 2500 دينار، هو مضطر أن ينتظر 7 سنوات كاملة لحين سداد القرض، وعندها فقط ينظر بمشروع زواجه الثاني.
المهر.. عقدة العمر
15 مايو 2013