بنا-جاء الموقف البحريني الأخير من إيران ليمثل ذروة المواقف الرافضة لأي شكل من أشكال التدخل في شؤونها الداخلية، وليجسد حقيقة أن المملكة لن تقف مكتوفة الأيدي أمام أي محاولة للمساس باستقرارها تحت أي ظرف من الظروف وبأي ادعاء كان، وأن البحرين لن يمنعها شيء يكفل لها ولمواطنيها أعلى مستوى من مستويات الأمن، ويضمن لها عدم تكرار مثل هذه التدخلات في شأن داخلي خالص.وكانت وزارة الخارجية قد أرسلت عدة خطابات رسمية إلى الأمناء العامين لكل من: الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، فضلاً عن الممثلة العليا للأمن والسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، وذلك للتعبير عن الموقف البحريني الرافض لمثل هذه التدخلات الإيرانية المستمرة، والتي وصفتها المملكة باعتبارها «تهديداً مباشراً وتدخلاً مرفوضاً» في شؤونها، خصوصاً وأنها لم تكن المرة الأولى التي يطلق فيها مسؤولون إيرانيون مثل هذه التصريحات، وعكست تطوراً خطيراً في الموقف الإيراني من البحرين، الأمر الذي يستوجب من المجتمع الدولي بكافة منظماته الكبرى إيلاء اهتمام بالغ بهذه التهديدات وتداعياتها حتى لا تتكرر ثانية، وذلك ترسيخاً وتعزيزاً لمبادئ الأمم المتحدة والقانون الدولي مثلما أشارت إلى ذلك مضامين رسائل الخارجية البحرينية.رسالة جديدة لإيران ورغم أن البحرين عهدت تكرار مثل هذه التدخلات التي تمارسها طهران بغير وجه حق في شؤون المنطقة ككل، ولم تعد في الحقيقة تفاجئ بها كثيراً لأنها تعاملت معها بقوة وحزم من قبل، لكن تدخلات هذه المرة ومع زيادة كثافتها وخطورتها خلال الفترة الأخيرة، بدت وكأنها تعبر عن رسالة جديدة لإيران تعطي فيها لنفسها الحق بأنها الدولة الراعية للإقليم بأسره المسؤولة عن إدارة شؤون دوله والمتحدثة باسم شعوبه، الأمر الذي تطلب موقفاً بحرينياً أكثر قوة.ومع أن البحرين تعي جيداً أهداف التدخلات الإيرانية في شؤونها، والتي لم تعد تنطلي على أحد تلك الخدع المرفوعة من جانب طهران لفك طوق العزلة المفروض عليها والهروب بها من مأزق داخلي وإقليمي تعيشه، لكن العبرة الآن بالكيفية التي يمكن أن تتبعها المملكة لإيقاف مثل هذه الممارسات مستقبلاً، خصوصاً وأن إيران ما فتئت تواصل تدخلاتها مع أنها قوبلت بكل حزم من أجهزة الدولة المختلفة وبردود فعل شعبية حاسمة.وتبدو أهمية الموقف البحريني الأخير من التدخلات الإيرانية لكونه ينزع عن طهران أوراق التوت التي تستغلها وتلعب بها بين الفينة والأخرى، ويسحب منها قيمة الشعارات التي ترفعها تارة بدعوى حماية حقوق طوائف بعينها أو حماية مواطني دول أخرى ليسوا من مواطنيها، وتارة أخرى بدعوى قدرتها على التوسط لحل أزمات داخلية لدول مجاورة، أو غير ذلك من شعارات لا سند لها يؤيدها على أرض الواقع في الداخل الإيراني الذي يئن من وطأة الكثير من المشكلات.مرتكزات سياسة المملكة وتعكس قراءة مفردات الموقف البحريني الأخير عدة نقاط مهمة تمثل مرتكزات قوية لسياسة المملكة الخارجية، خاصة ناحية طهران، حيث يلاحظ:1ـ اللهجة القوية المحذرة والمنذرة في آن من مغبة التدخلات الإيرانية في الشؤون الداخلية للمملكة، والتي بلغت حداً لا يمكن السكوت عنه بعد ذلك، لأنها تمثل خرقاً للأعراف والمبادئ الدولية المعمول بها في العلاقات بين الدول، والتي تقوم على احترام سيادات الدول واستقلالها وتقرها البحرين وتعتمدها نهجاً لها في سلوكها مع دول العالم أجمع.2 ـ التأكيد على أن إيران أو غيرها ليس لديها الحق في التعريض بالمملكة أو النيل منها أو حتى التعليق على أي شأن من شؤونها الداخلية في وقت تمارس هي فيه الاضطهاد والتهميش للطوائف الأخرى وفرض الإقامة الجبرية على معارضيها من رجال الدين، إضافة إلى المشكلات السياسية المزمنة مع محيطيها في الداخل والخارج، فضلاً عن أوضاع اقتصادية واجتماعية متردية تستدعي الاهتمام بها والتركيز عليها بدلاً من الهروب إلى الأمام وتصدير أزماتها للخارج، وخاصة إلى البحرين.3- أن المملكة لن تكون لقمة سائغة أمام استمرار لغة التهديدات الإيرانية المتواصلة، والتي تعكس بوضوح نواياها الإقليمية وتطلعاتها التوسعية التي تستوجب التكاتف الإقليمي والعالمي للتصدي لها، وهو ما أكد عليه مسؤولون ونواب حين عبروا عن امتعاضهم لمثل هذه التدخلات السافرة، والتي يجب أن تقف عند هذا الحد، لأنها سيكون لها نتائجها الخطيرة على أمن واستقرار المنطقة والعالم.تضامن كامل مع البحرينوواقع الأمر أن ردود الفعل المنددة بالتدخل الإيراني في الشأن البحريني، والتي جاءت من كثير من الأطراف والقوى المحلية منها والإقليمية والعالمية، لتكشف عن عدة أمور جوهرية تؤكد التضامن الكامل مع الموقف البحريني، وأن إيران لا يمكن لها، ولا تملك حتى ما يؤهلها، أن تبعث برسائل أو مواقف لهذا الطرف أو ذاك، خصوصاً وأن لديها ما يشغلها ويستدعي منها الاهتمام به والتركيز عليه، حيث يشير معلقون في سياق تفسيرهم للموقف الإيراني إلى أمرين:الأول: هروب طهران من المأزق الذي بدأت تستشعره في ظل الحشد الدولي الرافض لتدخلاتها وممارساتها، حيث اعتبر موقفها من البحرين بمثابة محاولة للتغطية على المشكلات التي تعاني منها، ولم تستطع أن تجد لها حلاً منذ أمد ليس بالقصير سواء في علاقات مكونات المجتمع ببعضها بعضاً (عرب الأحواز والكرد وغيرهم) أو بالصراع بين أجنحة السلطة هناك (معتدلون ومحافظون وغيرهم)، خصوصاً مع قرب إجراء الانتخابات الرئاسية وحتى لا تتكرر موجة احتجاجات العام 2009، ناهيك بالطبع عن أزمات البرنامج النووي والعلاقات الإقليمية والدور الإيراني المشبوه في تسخين وتأجيج ملفات المنطقة ككل، لاسيما على الصعيدين السوري والعراقي.