كتب - عبدالرحمن محمد أمين:مدينة المحرق الخالدة.. يا من كنت يصعب على أبنائك هجرانك.. أين هم الآن؟! ماذا جرى؟! كانت أحياؤك تظهر دلائل المحبة ونكران الذات.. أين مجالس رمضان وتلاوة القرآن؟! أين ولائم الإفطار والأسحار؟! أين جلسات السهر والسمر في برايح عراد؟! أين وأين؟!ماذا فعل بك أبناؤك؟! وفلذات كبدك؟! لماذا أحضروا الأجانب وسلموا لهم كل شيء؟! لماذا أطلقوا لهم حرية العمل؟! أين بائع الآيسكريم واليانصيب ونامليت بوتيلة «الرشد»؟!! أين بائع المرطبات والحلوى «غلوم»؟! أين صاحب فرشة الفواكه والخضروات «سويد»؟!عمل أبناؤك على محو تلك الأسماء فانقلبت الأمور وجاؤوا بأسماء رام وستار! كانت هناك البساطة والقناعة، بساطة في العيش والحياة وقناعة بما قسمه الله جل جلاله.كانت بيوت المحرق مفتوحة على بعضها لا يجد أطفالها وصبيانها الحرج والخجل والخوف من دخول بيوت الأقارب والجيران، كان الصغار يجتمعون في أحد بيوت صاحب الجاه والنعمة لمشاهدة برامج تلفزيون شركة أرامكو السعودية، وكانوا يمارسون في ليال رمضان الألعاب الشعبية القديمة كالخشيشة والصعكير ويدخلون من باب أحد البيوت ويخرجون من الباب الآخر دون أن يعترضهم أحد! الآن للأسف لا يعرف أحدهم جاره! كنا في فريق المحميد بالمحرق ونحن صغار عندما كان يضم ذلك الفريج أهم وأشهر شخصيات المحرق في تلك الفترة خلال خمسينيات القرن الماضي، حيث نكن لهم كل تبجيل واحترام وكانوا نخبة الرجال الذين يحسب لهم ألف حساب.ذكريات المدينةيقول محمد أحمد عن ذكرياته بمجلس المرحوم الحاج محمد بن جاسم سيادي «كان بسعته لا يتسع لمرتاديه من رجالات المحرق السابقين ومنهم كما رأيتهم بحكم سكني القريب منهم المرحوم عبدالله بن أمين، وكان عضواً في ثلاث مجالس حكومية هي مجلس بلدية المحرق ومجلس الصحة والأوقاف السنية، والمرحوم محمد جاسم سيادي وكان عضواً في مجلس بلدية المحرق والزراعة، والمرحوم محمد يوسف بن ناصر وكان عضواً في مجلس بلدية المحرق، والمرحوم يوسف بن يعقوب المحميد وكان عضواً في مجلس بلدية المحرق».ويضيف «كان يسكن في الفريق المحسن الكبير الراحل الحاج محمد بن يوسف الغاوي والمحامي الشهير المرحوم راشد بن عيسى فليفل وأخيه المرحوم محمد بن عيسى فليفل وكان مساعد مدير إدارة أموال القاصرين والمرحوم صالح بن سلمان المحميد وكان نائب مدير إدارة الأوقاف السنية والشؤون القروية أيام إدارة المرحوم الشيخ عطية الله بن عبدالرحمن الخليفة لها، والمرحوم عبدالعزيز بن يوسف المحميد كاتب العدل في إدارة المحاكم والمرحوم أحمد بن جاسم سيادي من كبار تجار البحرين في تلك الفترة».وضم الفريج في تلك الفترة والكلام لمحمد أحمد «أفراد من العائلات الكريمة كعائلة العلص والقطان والحسن والحايكي وبن نايم والصاغة وبيت عامر وربيعة وأبناء الشيخ عيسى محمود وبن شده، ومن رواد مجلس سيادي الذين شاهدتهم المرحوم عيسى محمد الحادي والمرحوم مساعد الزياني وغيرهم الكثير ممن كانت لهم مناصب مهمة في الدولة».النشأة الأولىأحمد محمد أحمد جاسم من مواليد فريق استيشن القديم بالمحرق عام 1950 ولد بواسطة أم جان في البيت «أتذكر أني مرة واحدة أحضرتها على السيكل للإشراف على ولادة إحدى قريبات بيتنا، وكان والدي المرحوم محمد أحمد الحمدي إمام مسجد الصادق قرب مدرسة خديجة الكبرى بالمحرق لحوالي 70 عاماً، وكان يدرس القرآن ويعالج مرضى الصرع ويقرأ على المرضى الآيات القرآنية حتى يتماثلوا للشفاء، وإن كان أحدهم منفصلاً عن زوجته يرجعه بقراءة آيات من القرآن، وكان يصنع دواء للمرأة التي لا تحمل ويشفى على يديه عدد من النساء ورزقن ببنين وبنات، وكان يوقف الحزاز من الانتشار وهو مرض قديم يصيب الرجل والبطن، وفي إحدى المرات كان لدي حمام في سطح المنزل ولاحظت أن بيض الحمامات تتعرض للأكل ولا يبقى منها غير القشور فأخبرت والدي بذلك فقال لي ألا تعرف أنه كان بالبيت ثعبان يأكل بيض الحمام فقام بالقراءة في ورقة وطلب مني وضعها في ميدان الحمام ومن يومها لم نر للحية أثراً، وكان يغسل الموتى حتى أني أتذكر أنه قام بغسل والدته عند وفاتها، وكان غسيل الموتى حينها في البيوت».في رحاب مدرسة أبوعبيدةأول مدرسة درس فيها محمد أحمد هي مدرسة أبوعبيدة بن الجراح الوسطى سابقاً، قرب مسجد الشيخ حمد بالمحرق، ثم الخليل بن أحمد وخالد بن الوليد وعبدالرحمن الناصر «عام 1964 عملت في الكهرباء، المواصلات، وزارة الإسكان، قوة دفاع البحرين، بعدها عملت مقاولاً للكهرباء مع ابن أختي حسن علي العمر، بعدها أغلقنا المحل لضعف العمل».لدى محمد أحمد من الأبناء بنت وولد، شريفة وبدر و4 أحفاد بنت و3 أولاد، ويهوى جمع الصور القديمة.«استيشن» القديم كانت الأعراس مستمرة فيه كل شهر تقريباً في تلك الفترة «كنت أحضر حفلات الزواج وأشاهد فرق الفن القديمة تشارك في الأفراح، ومن البيوت المشهورة في الفريق كان يوجد بيت البصري ويضم داود والمال وعلي البصري، وكان علي يبيع الحمام في سطح منزله، وبيت مهره وكانت من أشهر النساء القابلات في تلك الفترة، وبيت عبدالله الأسود وبيت إبراهيم الحمر صاحب دكان وسلطان بلال مصلح السياكل وأحمد العلص صاحب برادة ومن رواد البرادة المرحوم أحمد جاسم سيادي والمرحوم الحكم إسماعيل الشتي، وكانت عيادة الدكتور بسم الله مقابل بيتنا وهو من أشهر أطباء المحرق سابقاً». العائلات وعمل المجسماتلازال محمد يذكر العائلات التي جاورته في الفيريج «عائلة سلمان الحسن صاحب باص خشبي قديم، أحمد سيادي، محمد جاسم سيادي، يوسف يعقوب المحميد، بيت الحسن، بيت راشد فليفل المحامي، بيت غيث، بيت عبدالله أمين وبيت بوردوه، بيت يوسف الشكر، محمد يوسف بن ناصر، بيت عائلة الحكم الدولي السابق المرحوم أحمد جاسم، عبدالعزيز المحميد كاتب العدل السابق، صالح بن سلمان المحميد، عيسى حمد المحميد».ويواصل أنه مذ كان عمره 12 سنة يعمل في صناعة الأشياء المستخدمة قديماً إلا أنه توقف عنها، ومنذ 4 سنوات عاد إلى عمله القديم وهي عمل المجسمات الخشبية حيث لديه خبرة ممتازة في النجارة وكل ما يطلبه الزبائن. ويتمنى محمد أحمد على وزارة الثقافة «إيجاد محل مناسب لعرض منتجاته وأن يكون في منطقة المحرق لنزاول عملنا فيه وأن يكون بإيجار مناسب قادرين عليه، كما كان سابقاً سوق الحراج قرب السوق المركزي بالمنامة».
أين محرق التاريخ والتراث والألفة والمحبة؟!
31 مايو 2013