كتب ـ منصور سرحان:عرفت البحرين منذ دخولها الإسلام بحب العلم والمعرفة، ونبغ فيها علماء كان لعطائهم الزاخر أثره على منطقة الخليج خاصة، وتراوح ذلك العطاء بين اللغة والفقه والفلسفة والأدب. وبقيت مؤلفات العلماء على هيئة مخطوطات فترة طويلة من الزمن، تحول بعضها إلى أوراق صفراء بالية تأثرت بفعل الرطوبة، ولعبت القوارض فيها ما جعلها ناقصة ويصعب قراءتها. إلا أن هناك الكثير من المخطوطات بقيت سالمة وحفظت في خزائن خاصة بمنازل بعض البحرينيين والمنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية، كما حفظت بعض المخطوطات البحرينية في مكتبات العراق وإيران وصدرت بها قوائم وفهارس وببليوغرافيات.ومن بين أشهر الكتب التي تناولت عناوين المؤلفات والمخطوطات البحرينية «لؤلؤة البحرين» للشيخ يوسف البحراني، و»أنوار البدرين في معرفة علماء القطيف والإحساء والبحرين» للشيخ علي، و»منتظم الدريين» للتاجر و»أعلام الثقافة الإسلامية في البحرين» لسالم النويدري.وبدأت المحاولات الجادة لطباعة بعض المخطوطات البحرينية منتصف القرن التاسع عشر الميلادي، وزاد الاهتمام بطباعة قسم منها في القرن العشرين للمحافظة عليها والانتفاع بها، وكانت هناك محاولات عدة لطباعة أعمال بعض كبار الأدباء والكتاب بعد رحيلهم.وتعود طباعة الكتب البحرينية في مراحلها المبكرة إلى القرن التاسع عشر الميلادي، وهو القرن الذي شهد طباعة مجموعة قليلة من الكتب طباعة حجرية في مطابع طهران وبومبي، وعددها أحد عشر عنواناً. كان لتردد علماء البحرين على الهند وإيران في القرن التاسع عشر ومشاهدتهم الكتب المطبوعة أثره الكبير في نفوسهم، إذ بهرتهم الكتب المطبوعة ونالت إعجابهم وشجعتهم على تسليم مخطوطاتهم إلى المطابع.وأدى طباعة تلك القلة من الكتب إلى سرعة انتشارها بين عامة الناس، ماشجع المؤلفين حينذاك ـ وهم من رجال الدين ـ في المضي قدماً في كتابة العديد من المؤلفات المتنوعة بقيت في معظمها على شكل مخطوطات حتى يومنا هذا.ويعتبر «لؤلؤة البحرين» للشيخ يوسف البحراني، أول كتاب بحريني يطبع عام 1269هـ ـ 1852م بإحدى مطابع طهران أي منذ نحو 161 سنة. اطلعت على نسخة من الكتاب في مكتبة الشيخ محسن بن الشيخ عبدالحسين العصفور، فوجدته طبع وفق نمطية الطباعة الحجرية المعروفة والمتمثلة بخلو الجمل من علامات الترقيم، كما زينت صفحته الأولى والأخيرة بنقوش جميلة ذات طابع تقليدي، ولاحظت تعليقاً كتب على صفحته الأخيرة بخط يد مقتني النسخة الأول يرجع إلى عام 1279هـ أي بعد مرور 10 سنوات على طباعته.فرغ الشيخ يوسف من تأليف «لؤلؤة البحرين» عام 1182هـ، وكان حينئذ يقيم في كربلاء بالعراق وبقيت المخطوطة حتى عام 1269هـ ـ 1852م وهو العام الذي تكفل فيه أبو القاسم الخونساري بطباعته. وذكر الشيخ يوسف في الصفحتين الأخيرتين من الكتاب، عبارات تبين سنة انتهائه من تأليف الكتاب ومكان تأليفه «وكتب الفقير إلى ربه الكريم يوسف بن أحمد بن إبراهيم الدرازي البحراني بتاريخ اليوم الحادي عشر من شهر ربيع المولود من السنة الثانية والثمانين بعد المائة والألف من الهجرة النبوية على مهاجرها وآله أفضل الصلاة والسلام والتحية حامداً مصلياً مسلماً مستغفراً وكان ذلك في كربلاء المعلى في جوار سيد الشهداء وإمام السعداء عليه وعلى آبائه وأبنائه أفضل صلوات ذي العلي والحمد لله وحده وصلى الله على من لا نبي بعده وآله الميامين ورحمة الله وبركاته».وذكرت سنة طبع الكتاب 1269هـ، في الأسطر الثلاثة الأخيرة من آخر صفحة بالكتاب، وهي أسطر تأخذ شكل هرم مقلوب قمته إلى الأسفل كما هو معتاد في طباعة الكتب في الفترات المتقدمة، ونمي إلى علمنا أن كتاب «لؤلؤة البحرين» طبع طباعة حجرية في الهند إلا أننا لم نتمكن من الإطلاع عليها.ومن الكتب التي طبعت للشيخ يوسف البحراني في القرن التاسع عشر كتاب الكشكول المعروف بـ»أنيس المسافر وجليس الخواطر» الذي طبع في بومبي سنة 1291هـ ـ 1874م، وطبع أيضاً في النجف بالعراق سنة 1381هـ ـ 1961م. وطبع للشيخ يوسف كتاب «الدرر النجفية في الملتقطات اليوسفية» سنة1307هـ ـ 1889م وأعيدت طباعته بعد 7 سنوات أي عام 1314هـ ـ 1897م ويعتبر من بين أشهر آثار الشيخ يوسف. ووقع بحوزتنا كتاب آخر للشيخ يوسف بعنوان «الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة»، وهو من الكتب المطبوعة في نهاية القرن التاسع عشر، فقد تم طبع الكتاب سنة 1315هـ ـ 1897م ويعتبر من بين أشهر آثار الشيخ يوسف. والكتاب عبارة عن موسوعة فقهية شاملة تضم مجموعة من الروايات والأخبار الواردة عن أهل البيت عليهم السلام، وتم تأكيد طباعة الكتاب كما أطلعت عليه في صفحة 551 حيث جاء في السطر الأخير من الصفحة أن الكتاب طبع سنة 1315هـ وأشرف على طبعه ابن ميرزا محمد رسول غلام علي الأشكوني.وتذكر دائرة المعارف الإسلامية الكبرى في صفحة 580 من المجلد الأول نفس البيانات التي أطلعت عليها من الكتاب حيث تذكر «طبع هذا الكتاب سنة 1315-1381هـ/1897-1961م في 10 مجلدات في تبريز والنجف»، ما يعني أن الكتاب طبع في تبريز أولاً عام 1315هـ ـ 1897م، ثم في النجف سنة 1381هـ ـ 1961م، وتم طبع «الحدائق الناضرة» حديثاً عام 1985م في 22 مجلداً.من خلال بحثنا في المزيد من الكتب القديمة المطبوعة طباعة حجرية لم نعثر على كتاب طبع قبل «لؤلؤة البحرين»، رغم أننا عثرنا على كتاب «الفرحة الأنسية في شرح النفحة القدسية» للشيخ حسين بن محمد بن أحمد بن إبراهيم آل عصفور، والمطبوع طباعة حجرية، غير أن تاريخ الطباعة لم يذكر وإنما ذكرت عبارة كتبها ناسخ الكتاب مبيناً تاريخ انتهائه من النسخ حيث يذكر «وكتب بيده الفانية وأنامله الجانية خادم العلماء محمد بن أحمد بن إبراهيم الدرازي وقد وفقني الله تعالى للفراغ من نسخها ضحى يوم الإثنين شهر ربيع الأول أحد شهور سنة 1229 التاسعة والعشرين والمائتين والألف».فإن كانت المخطوطة سلمت بعد نسخها مباشرة إلى المطبعة، فيكون أقدم كتاب طبع لمؤلف بحريني، إلا أننا لا نستطيع الجزم بذلك، غير أن ما نستطيع تأكيده أن الكتاب طبع طباعة حجرية بدائية ترجع إلى أكثر من مائة سنة، حيث تؤكد ذلك زخارف الصفحات الأولى من الكتاب المتمثلة في أوراق الأشجار وأغصانها، وخلوه من علامات الترقيم، ونوعية الطباعة، وورق الكتاب نفسه، وطريقة تجليده وربما لكون هذا الكتاب موغل في قدمه من ناحية الطباعة فإن ذكر اسم المطبعة لم يكن متعارفاً عليه حينذاك، على عكس مطابع بومبي بالهند التي من محاسنها ذكر اسم المطبعة وعنوانها وسنة طبع الكتاب. ويعتبر كتاب «مدينة المعاجز» للسيد هاشم البحراني من بين الكتب القديمة المطبوعة طباعة حجرية والموثق بتاريخ طباعته واسم المطبعة. ويرجع تاريخ طباعته إلى عام 1291هـ ـ 1874م حيث تبنى ناصر الدين شاه قاجار طباعة معظم كتب السيد هاشم، ما أتاح الفرصة لبقائها وانتشارها بين أيدي القراء حتى يومنا هذا.وجاء في تقديم الكتاب إشارة إلى المؤلف والكتاب من المطبعة التابعة للقاجار بطهران التي تولت طباعة الكتاب، حيث تمت الإشادة بالمؤلف والكتاب بالطريقة التقليدية المتعارف عليها حينذاك «وبعد لما كانت هذه النسخة المباركة الشريفة المسماة بمدينة المعاجز المقتبسة من مشكوة الرسالة المنفية حاوية لحقائق الولاية وجامعة لدقائق الهداية موضحة لمعظم المطالب وموصلة إلى جل المآرب كاشفة عن الأسرار المودعة في السنة والكتاب تذكرة وذكرى لأولي الألباب شفاء ورحمة للمؤمنين كما أنها خسارة للظالمين المعاندين قد صدرت عن العالم الكامل العامل والفاضل الفاصل الإمام الهمام والحبر القمقام عمدة المحققين وقدوة المحدثين النحرير الرباني والمحقق الصمداني السيد هاشم البحراني تغمده الله بغفرانه وأسكنه بحبوحة جناته وهي مع ما اشتملت عليها من كنوز رموز الحكمة والولاية ومحتاجة إليها لطالبي الرشد والهداية وبمعرفتها تحل رموز الأسرار اللاهوتية والآثار الملكوتية فإنها مورد عين صافية أمن كدرها وعذب ورودها وصدورها فهي عين الحكمة من أوتيها فقد أوتي خيراً كثيراً عيناً يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيراً وبها تستدل على معرفة ذات الله العليا وصفاته العظمى».وفي نهاية التقديم تم إثبات المطبعة وسنة الطبع وذلك في الحول الحادي والتسعين بعد المائتين والألف من الهجرة النبوية.والملاحظ في الجمل السابقة خلوها من علامات الترقيم وهذه سمة الطباعة الحجرية.ويعد عام 1315هـ ـ 1897م عاماً متميزاً بالنسبة لطباعة الكتب البحرينية، فبالإضافة إلى طباعة كتاب «الحدائق الناضرة»،طبع ديوان السيد عبد الجليل الطباطبائي «روض الخل والخليل» طباعة حجرية بدائية في إحدى مطابع بومبي بالهند تعرف بمطبعة البيان.وحيث أن الطباعة في القرن التاسع عشر الميلادي حجرية وبدائية، فلم يتم الاهتمام بعلامات الترقيم من نقاط وفواصل لتمييز الجمل وفصلها عن بعضها، كما إن الكتب تطبع دون مراجعة ما يجعلها عرضة لكثير من الأخطاء المطبعية.ويؤكد يس الشريف الذي حقق وراجع ديوان السيد عبدالجليل الطباطبائي «روض الخل والخليل» الصادر عام 1964 على نفقة صاحب السمو الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة أمير دولة البحرين، أنه عثر على نسخة من الديوان مطبوعة في مطبعة البيان في بومبي بالهند سنة 1315هـ ـ 1897م. وأكد قولنا السابق في نوعية الطباعة الحجرية حيث يقول «طبع ديوانه مرتين مرة في مطبعة البيان في بومبي سنة 1315هـ، ومرة في إحدى دور الطباعة في القاهرة، إلا أن النسخة الوحيدة التي عثرنا عليها هي الطبعة الهندية، ووجدت صعوبة التحقيق من كثرة الأخطاء المطبعية وخلوه من كل علامة للترقيم، ما يعسر على القارئ فصل جملة عن أخرى، حتى أنالنا ذلك عنتاً ما بعده».وتبقى النسخة المطبوعة في القاهرة غير معروفة ولم يعثر عليها أحد في البحرين حسب علمنا، وهي تمثل حلقة ضائعة لأن وجودها يعطي مؤشراً آخر على تاريخ طباعة الكتب البحرينية.تلك هي الكتب التي طبعت طباعة حجرية في القرن التاسع عشر وتمكنت من معاينتها والإطلاع عليها، غير أن هناك مصادر أخرى ذكرت مجموعة كتب بحرينية طبعت في القرن التاسع عشر، ومن بين تلك المصادر مجلة «تراثنا»، فقد جاء في العددين الثالث والرابع (32 و33) للسنة الثامنة، رجب ـ ذي الحجة 1413هـ، وصدرا في مجلد واحد، ذكر لبعض الكتب لمؤلفين بحرينيين طبعت كتبهم في القرن التاسع عشر ميلادي طباعة حجرية، كنا ذكرنا بعضها، أما بقية الكتب المذكورة بملحق المجلة فشملت «تبصرة الولي» لهاشم بن سلمان البحراني 1272هـ ـ 1855م، «معالم الزلفى في معارف النشأة الأولى والأخرى» للكاتب نفسه 1289هـ ـ 1872م، «الصحيفة الثانية العلوية والتحفة الرضوية» لعبدالله بن صالح بن جمعة السماهيجي البحراني 1276هـ ـ 1859م، «عوالم العلوم والمعارف والأحوال من الآيات والأخبار والأقوال» لعبدالله بن نور الله البحراني 1295هـ ـ 1878م، و»مصباح السالكين» لكمال الدين ميثم بن علي بن ميثم البحراني 1276هـ ـ 1859م.وبهذا تكون البحرين رائدة في مجال طباعة الكتب في وقت مبكر أي منذ أواسط القرن التاسع عشر الميلادي، عندما كانت الأمية منتشرة بشكل كبير جداً بين أبناء المنطقة وعموم العالم العربي.
محاولات طباعة الكتاب البحريني بدأت في القرن التاسع عشر
05 يونيو 2013