بقلم - د. عائشة الشيخ: الكل يعلم أن للصيام آثاراً إيجابية على الروح والجسد، وأن هذا الفرض الرباني لم يشرع بهدف تعذيب العبد أو الانتقام منه، ولكنه شرع لأسرار عليا قد ندرك بعضها وقد تغيب عنا أغلبها. نستحضر هنا على سبيل المثال لا الحصر الأثر الصحي في منح الجهاز الهضمي راحة مؤقتة لاستعادة نشاطه وحيويته بعد استهلاك عام كامل. ونذكر أيضاً الأثر الاجتماعي وما نلاحظه من حرص على زيادة التواصل مع الأهل والأصدقاء في ليالي رمضان، وتبادل المشاعر الإيجابية في العلاقات الاجتماعية بشكل عام والعائلية بشكل مركز، فكثير من الأسر اليوم لا يجتمع أفرادها على وجبة مشتركة لأسباب مختلفة، ولكن لرمضان خصوصية جميلة في لملمة أفراد الأسرة على طاولة الإفطار في ذات الوقت وذات الطعام وذات المشاعر المتحمسة لإفطار غني بالمحبة والروحانية والرحمة.ويعتقد البعض اقتصار فوائد الصيام على الحالة البيولوجية أو الجسدية والروحية للصائم، إلا أن الأثر الإيجابي للصيام يتعداها ليصل إلى النفس، فعندما تصوم جوارح المسلم عن المحرمات، ويحاول السيطرة على حواسه السمعية والبصرية والتخيلية فإنه يتجرد من نفسه الضعيفة والأمارة بالسوء إلى النفس العليا والتي تتخلى عن الاحتياجات البيولوجية الدنيوية في فترة الصيام النهاري وتتطهر لتصل لمرحلة السمو والترفع عن الزلل. ويجاهد الصائم نفسه ومحيطه ليصل إلى مستوى مثالي من الإنسانية والشفافية الروحية وذلك بمراقبة سلوكه إزاء كل المواقف التي يعايشها في فترة صيامه وفطوره، فيحكم عليها سلباً أو إيجاباً، ما قد يشعر الإنسان أحياناً بالسعادة والفخر حين التوجه للسلوك المثالي في بعض الأعمال كزيادة الصلاة وتخصيص وقت أطول لقراءة القرآن والتصدق والإرشاد الديني والتبحر في العلوم الفقهية والانخراط في الدعوة إلى الله وحضور مجالس الذكر وليالي القرآن والحرص على أداء صلاة الفجر في جماعة.وفي أحيان أخرى بالتقصير والشعور بالذنب في تفويت أيام رمضان الثمينة في أمور دنيوية وروتينية لا تضيف أدنى رصيد لأعماله في الآخرة، ما يحفزه لشحذ الهمم أكثر وأكثر للاستثمار المضمون لنيل عفو الله ومغفرته. وبتجرد الصائم من الملذات الدنيوية ومسك لجامها تتحفز لديه القدرة على الاحتمال ويقترب كثيراً من الأنا الأعلى في تهذيبه للنفس بكبت جماحها وضبط سلوكها كما يريد، ما يمنحه الشعور بالقوة والتطويع والضبط النفسي والنجاح في اتخاذ القرارات الصحيحة في مواجهة ومقاومة الضغوط الحياتية المختلفة بما فيها ضغط الصيام والقيام.العجيب في الأمر أن آثار الصيام تسهم بشكل كبير في تحسن حالة المرضى النفسيين، حيث يشير د.محمد عبدالباسط بخاري استشاري الطب النفسي في مستشفى الملك عبدالعزيز بمكة المكرمة، إلى دراسة علمية حديثة أجراها د.يوري نيكولايف رئيس وحدة الصيام في معهد الطب النفسي بموسكو، حيث وجد في نتائجها أن 70% من أصل 10 آلاف مريض مصابين بالفصام (الشيزوفرينيا) عولجوا بالصيام، وتحسنوا بشكل كبير واستعادوا قدراً كبيراً من نشاطهم الاجتماعي. وفي دراسة أخرى أجريت في اليابان في جامعة توهوكو بإشراف د.سوزوكي وياماماتو على 382 مريضاً يعانون من الاضطراب النفسي الجسدي الذي يظهر على شكل آلام مختلفة ومتعددة مزمنة في الجسم، وجد أنهم تحسنوا وخفت حدة الأعراض والآلام وذلك بسبب انتظام عمل الجهاز العصبي اللاإرادي Autonomic nervous system وكذلك منظومة الغدد Glands في الجسم، كما وجد الباحثون أن الصيام ينظم إفراز هرمون الأدرينالين، ما يخفف من حدة تأثيره على مرضى القلق والخوف والهلع.نعلم أيضاً أن الله سبحانه وتعالى عليم بطبيعة خلقه غير المثالية، لذا تتجلى المثالية الربانية في التيسير على المؤمن غير القادر على الصيام، وعلى المرضعة، والمسافر والمريض إلى ميسرة، بما في ذلك العفو الجميل عن هفوات العباد المقصود منها وغير المقصود كالتيسير على المؤمنين في حالة النسيان كشرب الماء والطعام دون قصد والتحدث في الخلق، والكثير من التجاوزات الأخلاقية التي يقبلها الله سبحانه وتعالى بكلمة تدارك سريعة (اللهم إني صائم).
الأثر النفسي للصيام
13 يونيو 2013