كتب - موسى عساف:تفرض طبيعة الهيكل الانتخابي في جمهورية إيران على كثير من المحللين والمتابعين عدم الاستغراق في وضع كثير من الفرضيات وعقد الآمال على نجاح مرشح قد يغير السياسة العامة الداخلية والخارجية، حيث إن مجلس تشخيص مصلحة النظام الخاضع بالكلية لإرادة المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي الخامنئي، الذي يقود خط التشدد منذ تسلمه رئاسة الجمهورية الإيرانية في الفترة من العام 1981- 1989، والتي قاد فيها معركة العدوان ضد العراق.وبرحيل الخميني تسلم الخامنئي مباشرة موقع خلافة الإمام ومنصب المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، وتتركز في يده كافة القرارات؛ بما فيها تلك المتعلقة باختيار الحائزين على شرف خوض السباق الانتخابي قبل أن يتدخل مرة أخرى ليحدد بشكل مباشر أو غير مباشر أفضلية مرشح على الآخر، ما يجعل هذا السباق الرئاسي الشكلي محسوم النتائج شبيهاً بكرنفالٍ استعراضي مهمته إقناع العالم أن ثمة انتخاباتٍ تعقد وثمة رئيس يهبط ليصعد آخر، وتصبح عملية اختيار أي من التوجهين المحافظ أو الإصلاحي هي تنفيذ لمشيئة المرشد حول المسار الذي ستسلكه إيران خلال المرحلة القادمة.ففي حال فوز محافظ متشدد مثل سعيد جليلي؛ فذلك يعني أن سياسة أكثر تشدداً هي تلك التي ستنتهجها إيران على الصعيد الداخلي المتخم بسلسلة من القضايا الشائكة، والتي يأتي على رأسها الوضع الاقتصادي المتدهور. كذلك على الصعيد الخارجي الذي يحمل ملفاتٍ شديدة التعقيد؛ كالملف النووي والحصار الاقتصادي والعلاقة مع دول الجوار العربي، خصوصاً دول الخليج العربي، وهي صورة لا تختلف كثيراً عن تلك التي شهدته الجمهورية منذ قيامها.فإيران التي كانت بحاجة إلى وجه متشدد وشرس لقيادة مرحلة حرب العدوان على العراق صوتت لخامنئي لفترتين، وإيران التي كانت بحاجة إلى إعمار ما دمرته الحرب والالتفات إلى الاقتصاد المتداعي اختارت رفسنجاني لفترتين رئاسيتين امتدت منذ العام 1989- 1997.أما عندما كانت بمسيس الحاجة لإزالة الصورة المروعة لاحتلال السفارة الأمريكية إبان الثورة وتبني الإرهاب واغتيال الخصوم والتنكيل بالمعارضين؛ فقد اختارت محمد خاتمي، وزير الثقافة الهادئ كثير الابتسام، والذي قاد فترتي الرئاسة من العام 1997– 2005، وهي مرحلة التحولات الكبرى الإقليمية التي شهدت العدوان على أفغانستان واحتلال العراق والقفز بالمشروع النووي إلى حدود غير مسبوقة.ولما حتمت المصلحة خلع القفاز الناعم وقطف ثمار الاحتلال الإيراني للعراق وتغول حزب الله وانتهاء شهر العسل مع الأنظمة الجارة؛ دفعت الجمهورية بعمدة طهران المغمور أحمدي نجاد لينتصر على خصمه رفسنجاني ويقود فترتين رئاسيتين من 2005- 2013.ولم تكن كل الفصول السابقة صعوداً وهبوطاً إلا عملية تحديد إطر للاحتياجات المرحلية واختيار رئيس للقيام بدور التنفيذ ضمن الثوابت التي لا يختلف فيها علي الخامنئي عن محمد خاتمي إلا في أسلوب التنفيذ، وعليه فإن العلاقة العربية - الإيرانية قد تشهد تغيراً تبع للنهج الذي سيختاره المرشد للتعاطي مع محيطه العربي، دون أن يمس التغير جوهر الخلاف في قضايا مصيرية حول المشروع النووي والجزر الإماراتية وعروبة الخليج وسلاح حزب الله والوضع في سوريا والتدخل الأمني والخلايا النائمة في أكثر من دولة، وهي قضايا قد يختار المرشد وأعوانه التعاطي معها بالقفاز الحديدي للمرشح سعيد جليلي أو بالقفاز الحريري للمرشح حسن روحاني.قد يفوت على المتحمسين العرب للمرشح الإصلاحي أن أقوى أدوار المخابرات الإيرانية في التعامل مع القوى الغربية لإسقاط أفغانستان والعراق لم تكن إلا في عهد الإصلاحيين الذين يُهتمون بأنهم استغلوا تحسن العلاقات مع المحيط العربي عموماً، والخليجي خصوصاً، لتعزيز مواقع متقدمة داخل البنية الاجتماعية والثقافية والأمنية والاقتصادية في الكثير من هذه الدول بدعوى الانفتاح والحوار، وتمهيد الأرضية للمتشددين ليقطفوا الثمار، ويرى أنصار هذا التوجه أن سياسة المحافظين العنيفة أكثر وضوحاً، ورغم إرهاصاتها المعقدة إلى أنها جعلت دول المنطقة في حالة تأهب على كافة الأصعدة.من جانب آخر، يرى بعض المراقبين أنه في حال وقع اختيار المرشد على مرشح الإصلاحيين لقيادة المرحلة المقبلة؛ فمن المرجح أن تشهد السياسة الإيرانية - الأمريكية تحسناً كبيراً، يخشى المتابعون الخليجيون أن يكون على حساب دولهم في ملفات بالغة الحساسية، ويعتقد آخرون أن صعود الإصلاحيين قد يعني تقارباً خليجياً - إيرانياً تقوم بموجبه الجمهورية الإيرانية بممارسة نفوذها اللامحدود على أتباعها داخل دول المنطقة لتشهد مناخ تهدئة يشبه مناخات أواخر التسعينات التي شهدت انفراجاً في الأوضاع الداخلية لبعض الدول الخليجية كالسعودية والكويت والبحرين، والتي حاولت إقامة تفاهمات تنهي حقبة من العنف انطلقت في مطلع الثمانينات إبان مشروع تصدير الثورة الإيرانية، والتي عاد بموجبها المعارضون من الخارج وانخرطوا في مشاريع سياسية في دولهم.وأياً كانت خيارات الساسة الإيرانيين لتنفيذ أجندتهم فلا بد لدول المنطقة أن ترتب أولوياتها وتستعد لكافة الاحتمالات.