هل يستطيع زعيم المعارضة السورية المنقسمة إنجاز المهمة التي تبدو مستحيلة بتشكيل حركة موحدة قادرة على إسقاط الرئيس بشار الأسد دون أن يكون مدينا بالفضل لقوى خارجية أو لطائفة بعينها أو فكر بعينه؟فقد أظهر الأداء الحازم في القمة العربية التي عقدت في الدوحة هذا الأسبوع ان معاذ الخطيب صاحب النهج المستقل مستعد للمجازفة لتحقيق هذا الهدف استنادا الى لغة خطابية حماسية وما يحظى به من شعبية داخل سوريا. كما أظهر حديثه الواضح انه لا يخشى حتى إغضاب الدول العربية التي تمول حملته.وشغل الخطيب (53 عاما) المولود في دمشق مقعد سوريا في القمة العربية الثلاثاء في مؤشر على تزايد العزلة الدولية للأسد بعد أكثر من عامين من حرب أودت بحياة نحو 70 ألف شخص.وتقع المسؤولية عن تلك اللحظة ذات الاهمية الدبلوماسية على الدول العربية المجتمعة التي جعلت موافقتها ذلك الأمر ممكنا.وما فعله الخطيب لاحقا هو ما أوضح نهجه الذي يتجاوز المألوف: فقد بدأ في رسم رؤية لحركة سياسية موحدة ومستقلة عن القوى الخارجية التي تقدم الأموال لكثير من الدعم الإنساني والعسكري للمعارضة.وقال الخطيب في كلمته أمام القمة العربية في الدوحة مخاطبا فيما يبدو الجمهور داخل سوريا بقدر ما يخاطب الجمهور على المستوى الدولي "يتساءلون أيضا من سيحكم سوريا. شعب سوريا هو الذي سيقرر لا أية دولة في العالم."لكن الخطيب تخلى بعدئذ عن القواعد الدبلوماسية ليحث الزعماء العرب بجرأة على إطلاق سراح السجناء السياسيين في بلادهم والانضمام إلى السوريين في "كسر حلقة الظلم."وقد يتساءل المتشككون في الحكمة من وراء تصريحات قد تعادي قوى عربية مؤيدة للائتلاف الذي يتزعمه الخطيب لكن المعجبين بزعيم المعارضة السورية يقولون إنه ليست أمامه خيارات كثيرة.فهو يفتقر إلى قاعدة منظمة يستمد منها القوة ومن ثم يتعين عليه تعويض ذلك بتوظيف مصداقيته في الداخل لاسيما في دمشق حيث كان إماما للمسجد الأموي.والخطيب سياسي معتدل ويعتقد أنه سينظر بارتياب إلى النفوذ المتزايد للإسلاميين المتشددين في ائتلاف لجماعات المعارضة المدعوم من قطر تشكل في الدوحة في نوفمبر.ويخشى كثير من السوريين صعود الإسلاميين في أوساط المعارضة المسلحة واستثمر الأسد ذلك سياسيا بإعلانه أن أعداء سوريا الحقيقيين تنظيمات متشددة على غرار تنظيم القاعدة.ونتيجة لذلك يقول الليبراليون السوريون إنه يتعين على المعارضة أن تبذل قصارى جهدها لتقدم نفسها بصورة جامعة وتجنب المزيد من الانزلاق إلى الطائفية. ويضيفون أن القول بأنه لا يوجد سوى حل عسكري للأزمة يبعث بالرسالة الخطأ.وأظهر الخطيب خطا مستقلا من قبل. وأثار استياء زملائه في وقت سابق هذا العام بقوله إنه مستعدا للاجتماع مع مسؤول كبير بالحكومة إذا وافق الأسد على شروط مثل الإفراج عن آلاف السجناء السياسيين.وأحدث الخطيب صدمة لدى زملائه مرة أخرى يوم الأحد بإعلانه استقالته من منصبه كرئيس للائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية ملقيا باللوم على القوى العالمية لتقاعسها عن دعم الانتفاضة المسلحة. وقال لرويترز إنه مندهش للاستجابة الفاترة من قبل الغرب لدعوته في القمة لتوسيع نطاق مظلة صواريخ باتريوت لحماية المناطق الشمالية التي تسيطر عليها المعارضة.وقالت مصادر في المعارضة إن عدم ارتياحه للدور الغالب لقطر وهي حليف قوى للإخوان المسلمين داخل التحالف الذي يتزعمه دافع كبير آخر وراء استقالته.وقال سمير عيطة رئيس تحرير الطبعة العربية لصحيفة لوموند دبلوماتيك لرويترز "شرعية معاذ الخطيب تتجاوز الائتلاف لتصل للسوريين وحتى السوريين الرافضين للتغيير بسبب خطابه المعتدل ومبادرته للسلام."وأضاف "أظهر في القمة أن هناك تدخلا كبيرا من قطر وأن هذا غير مقبول."وتشكل الائتلاف في الدوحة في نوفمبر كبديل لحكم الأسد ليوقف نشاط تحالف آخر هو المجلس الوطني السوري وهو منظمة جامعة لقوى المعارضة كانت خاضعة بدرجة كبيرة لنفوذ جماعة الإخوان المسلمين. والإخوان المسلمون وحلفاؤهم هم القوة المسيطرة الآن في الائتلاف الجديد.لكن لا يزال الائتلاف وحكومة مؤقتة وليدة تدعمها قطر بقوة يعانيان من صورتهما كمجموعة من الشخصيات التي تعيش في المنفى غارقة في التوافقات والصفقات السياسية.وتنفي قطر من جانبها الاتهامات بالتحيز لجماعة الإخوان المسلمين أو تشجيع الحل العسكري.وقال الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني رئيس الوزراء ووزير الخارجية في تصريحات للصحفيين في ختام القمة إن تسليح المعارضة السورية ليس حلا أمثل لكن البدائل قليلة.وقال إن بلاده فعلت كل ما يمكنها للتوصل إلى حل سلمي لكن لم تكن هناك بدائل كثيرة. وأضاف أنه لم يتم التوصل إلى هذا الحل لأن النظام في سوريا يراهن على حل يفرض بالقوة.ورفض الخطيب في مقابلة مع رويترز أن يتطرق إلى خطواته السياسية القادمة مصرا على أنه يريد بناء توافق بين الفصائل المعارضة المتباينة. ويلخص الخطيب رسالته بعبارة تؤكد الحرص على المصالح السورية قائلا إنه يطالب القوى الدولية بدعم الشعب السوري لا المعارضة.