قال رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي إن «من لوازم الإخاء في الإسلام، التعاون والتراحم والتناصر، إذ ما قيمة الأخوة إذا لم تعاون أخاك عند الحاجة، وتنصره عند الشدة، وترحمه عند الضعف»، مشيراً إلى أن «الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم صور مبلغ التعاون والترابط بين أبناء المجتمع المسلم بعضه وبعض هذا التصوير البليغ المعبر حين قال: «المؤمن للمؤمن كالبنيان، يشد بعضه بعضاً»، وشبك بين أصابعه، فاللبنة وحدها ضعيفة مهما تكن متانتها، وآلاف اللبنات المبعثرة المتناثرة لا تصنع شيئاً، ولا تكون بناء».وأضاف أن «البناء القوى يتكون من اللبنات المتماسكة المتراصة في صفوف منتظمة، وفق قانون معلوم، عندئذ يتكون من اللبنات جدار متين، ومن مجموع الجدر بيت مكين، يصعب أن تنال منه أيدي الهدامين».وأوضح الشيخ القرضاوي أن «الرسول صور مبلغ تراحم المجتمع وتكامله، وتعاطف بعضه مع بعض بقوله: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الأعضاء بالحمى والسهر»، فهو ترابط عدوى، لا يستغني فيه جزء عن آخر، ولا ينفصل عنه، ولا يحيا بدونه، فلا يستغني الجهاز التنفسي عن الجهاز الهضمي، أو كلاهما عن الجهاز الدموي أو العصبي، فكل جزء متمم للآخر، وبتعاون الأجزاء وتلاحمها يحيا الكل، ويستمر نماؤه وعطاؤه».وشدد الشيخ القرضاوي على أن «المسلمين تتكافأ دماؤهم، يسعى بذمتهم أدناهم، ويجير عليهم أقصاهم، وهم يد على من سواهم، يرد مشدهم على مضعفهم، ومسرعهم على قاعدهم، ويدخل في نصرة المسلم للمسلم عنصراً جديداً حين يقول الرسول الكريم «انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً، قيل: ننصره مظلوماً، فكيف ننصره ظالماً يا رسول الله؟ قال «تأخذ فوق يديه، أو تمنعه من الظلم فذلك نصر له»».ولفت الشيخ القرضاوي إلى أن «القرآن الكريم يوجب التعاون به ويأمر به، بشرط أن يكون تعاوناً على البر والتقوى، ويحرمه، وينهى عنه إذا كان على الإثم والعدوان، يقول الله تعالى «وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان»، ويجعل المؤمنين أولياء بعضهم على بعض، بمقتضى عقد الإيمان، كما قال تعالى «والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر»، وهذا في مقابلة وصف مجتمع المنافقين بقوله «المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويقبضون أيديهم»».وتابع الشيخ القرضاوي «لقد وصف القرآن مجتمع الصحابة بأنهم «أشداء على الكفار رحماء بينهم»، فالتراحم سمة أولى من سمات المجتمع المسلم، ومقتضى ذلك أن يشد القوي أزر الضعيف، وأن يأخذ الغني بيد الفقير، وأن ينير العالم الطريق للجاهل، وأن يرحم الكبير الصغير، كما يوقر الصغير الكبير، ويعرف الجاهل للعالم حقه، وأن يقف الجميع صفاً واحداً في الشدائد والمعارك العسكرية والسلمية، كما قال تعالى «إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بنيانٌ مرصوصٌ».وأشار الشيخ القرضاوي إلى أن «في قصص القرآن صورة حية للتعاون المثمر البناء، من ذلك صورة التعاون بين موسى وأخيه هارون، وقد سأل الله أن يشد به أزره في قيامه برسالته، قال تعالى «واجعل لي وزيراً من أهلي هارون أخي اشدد به أزري وأشركه في أمري كي نسبحك كثيراً ونذكرك كثيراً إنك كنت بنا بصيراً». وكان الجواب الإلهي «قال سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطاناً»، وبهذا كان هارون معاون أخيه موسى في حضرته، ويخلفه على قومه في غيبته».وأوضح أن «من صور التعاون ما قصه علينا القرآن من إقامة سد ذي القرنين العظيم، ليقف حاجزاً ضد هجمات يأجوع ومأجوج المفسدين في الأرض. وكان ثمرة للتعاون بين الحاكم الصالح والشعب الخائف من بغي الأقوياء عليه، قال الله تعالى في كتابه الكريم «قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض فهل نجعل لك خرجاً على أن تجعل بيننا وبينهم سداً قال ما مكني فيه ربي خيرٌ فأعينوني بقوة أجعل بينكم وبينهم ردماً آتوني زبر الحديد حتى إذا ساوى بين الصدفين قال انفخوا حتى إذا جعله ناراً قال آتوني أفرغ عليه قطراً فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقباً».
د. القرضاوي: التراحم والتناصر من لوازم الإخاء في الإسلام
28 يونيو 2013