بقلم - علي جاسم البحار*يعرّف المجتمع المدني بأنه مجموعة من المؤسسات المدنية لا تمارس السلطة ولا تستهدف الربح الاقتصادي ولكن تسهم في صياغة القرارات خارج المؤسسة السياسية، فالمجتمع المدني ينشط ويتطور طبقاً لمنطق يختلف عن الآليات التي تتحكم في السوق أو في الممارسة المباشرة للسلطة السياسية.وزاد الاهتمام بالمجتمع المدني من قبل رواد الحركات الاجتماعية ودعاة الديمقراطية في العديد من الدول لأسباب عدة منها؛ زيادة الوعي بحقوق الإنسان، ورغبة المواطنين في الحصول على المزيد من الحقوق والحريات، ولممارسة نوع من الرقابة على سلطة الحكومات، وتأكيد حق المواطنين في المشاركة في إدارة شؤون المجتمع. والتعريف بهذه الطريقة يجعلنا نستطيع أن نحدد ثلاثة أركان رئيسة في هذا المفهوم الأول هو الفعل الإرادي الحر والذي يختلف عن الجماعات الرقابية مثل الأسرة والقبيلة فلا دخل للفرد باختيار العضوية بل تكون مفروضة عليها بالميلاد. أما الركن الثاني فهو أن المجتمع المدني منظم فهو يألف مجموعة من المنظمات والمؤسسات تعمل وفقاً لمعايير منطقية وتكون عضوية الأفراد بإرادتهم. أما الركن الثالث فهو الركن الأخلاقي السلوكي والذي ينطوي على قبول الاختلاف والتنوع والالتزام في إدارة الخلاف في المجتمع المدني وبين مؤسساته بالوسائل السلمية، وحق الآخرين في أن يتبنوا أفكاراً وآراءَ مختلفة وأن يكونوا منظمات مدنية تحقق مصالحهم المادية والمعنوية وتحميها وتدافع عنها في إطار الشرعية القانونية، وفي ضوء قيم الاحترام والتسامح والتعاون والتنافس. ويلعب المجتمع المدني دوراً فعالاً ومؤثراً في عملية التحول الديمقراطي، فلا ديمقراطية بدون مجتمع مدني، فهو الأداة والوسيلة التي تجعل الديمقراطية «حقيقة» للناس، ويتمثل الدور المهم للمجتمع المدني في التحول الديمقراطي في كونه يساهم في نشر ثقافة حقوق الإنسان في أوساط الجمهور كافة والدفاع عنها، وتوعية المجتمع بأفراده ومؤسساته، بمزايا نظام الحكم الديمقراطي، ومخاطر البدائل على مستقبل الدولة والنسيج والأمن الاجتماعيين فيها، وتشجيع كافة مؤسساته على إجراء انتخابات دورية لانتخاب مجالس إداراتها ومساعدتها على إنجاز ذلك. وفي هذا الإطار يتوجب على منظمات المجتمع المدني أن تبدأ بنفسها وتمارس الديمقراطية في داخلها، وتقدم نموذجاً يحتذى به في هذا المجال. كما تساعد منظمات المجتمع المدني كما اسلفنا القول على نشر ثقافة التسامح وقبول الآخر، والتعددية، والوعي بقيم ومفهوم المواطنة وبيان أهميتها في الحفاظ على السلم المجتمعي وتوفير بيئة صحية لتطور الدولة، والتأكيد على أهمية المساواة في الحقوق والواجبات العامة، ونبذ التمييز والاستبعاد الاجتماعي والإقصاء سواء من قبل المؤسسات الرسمية أو الأهلية. ولا يستطيع أي متابع لدور المجتمع المدني أن يغض الطرف عن دوره في فضح الممارسات غير القانونية في مؤسسات الدولة أي دولة، كظواهر الفساد الإداري والمالي، والتعدي على الحريات العامة، والمحسوبية، والقيام بدور رقابي على الانتخابات، وتدريب المرشحين على قواعد الممارسة الديمقراطية، وتدريب مندوبيهم على آليات الرقابة خلال العملية الانتخابية. يتضح لنا من كل ذلك أهمية المجتمع المدني ودوره في عملية التحول الديمقراطي؛ كونه يشكل مدرسة لتدريب المواطنين على القيم الديمقراطية والمواطنة وثقافة حقوق الإنسان والتسامح والمحبة ونشر ثقافة التعاون الجماعي والرقابة على الحكومة، مما يتطلب تضافر كل الجهود من أجل تشكيل مجتمع مدني واعٍ والتأكيد على بناء إرادة المواطنة كونه صمام الأمان ضد أية فتنة؛ ويجب على جميع المؤسسات الرسمية والأهلية المعنية بالتنشئة ونشر الثقافات، سواءً كانت سياسية أو حقوقية أو اقتصادية أو اجتماعية، التعاون مع مؤسسات المجتمع المدني والاستفادة من الطاقات المبدعة داخل هذه المؤسسات للوصول إلى أكبر قدر ممكن من الفئات المستهدفة في عملية التنشئة، ودعم الممارسات الديمقراطية داخل هذه المؤسسات.وحسناً فعل معهد البحرين للتنمية السياسية عندما دشن مشروع الكوادر الواعدة الذي استهدف من خلاله مجموعة من منتسبي مؤسسات المجتمع المدني لإعدادهم كي يساهموا من مواقعهم الاجتماعية في نشر الثقافة السياسية، إيماناً منه بأنه لا يمكن لأي مؤسسة أن تعمل بمعزل عن مؤسسات المجتمع المدني التي عادةً ما تكون هي الأقرب والأكثر تفاعلاً مع الجمهور من باقي المؤسسات الحكومية. *رئيس قسم الدراسات واستطلاعات الرأي
لا ديمقراطية حقيقية بدون مجتمع مدني قوي
30 يونيو 2013