قال وزير العدل والأوقاف والشؤون الإسلامية الشيخ خالد بن علي آل خليفة أن المشروع الإصلاحي لحضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى، اختار إرساء مشروع ديمقراطي يحتضن الجميع لوضع أسس الإصلاح والديمقراطية والمشاركة على أساس بناء التوازنات في مجتمع متنوع التكوين، لا تستقيم فيه الأمور إلا في سياق التوافق الوطني بين الأطراف الاجتماعية والسياسية. وتوقع وزير العدل -في حديث لصحيفة «الشرق الأوسط» الصادرة في لندن أمس- أن يصل حوار التوافق الوطني إلى توافقات ترضي الجميع وتحافظ على التوازنات في الدولة والمجتمع. وأوضح الوزير أن حوار التوافق الوطني هو حوار بين الأخوة بعيداً عن تأثيرات المعادلات الإقليمية والدولية، وطاولة الحوار تعكس صورة المجتمع السياسي في البحرين، معترفاً بوجود صعوبات لكن يمكن تذليلها تدريجياً بالحوار، مشيراً إلى أن الحوار حقق خلال الأشهر الماضية بعض التقدم في العديد من النقاط التي تم التوافق عليها، مثل آلية إدارة الجلسات، وأن تكون مخرجات الحوار اتفاقاً نهائياً، كذلك وضع مشروع جدول الأعمال وكذلك آليات تنفيذ المخرجات المتوافق عليها. وعلى صعيد تطوير منظومة العدالة في البحرين قال الوزير: «إننا نبحث تطوير الأداء من حيث الجانب الإداري عبر استحداث نظام إدارة الدعوى للإسراع في البت في القضايا، ونعمل على توفير بدائل جديدة لفض النزاعات مثل التحكيم والوساطة، وكذلك متابعة التدريب القضائي بتطبيقات حرية التعبير وحرية التجمع، ومبادئ المحاكمة العادلة وتطوير قواعد التفتيش القضائي على المؤسسات القضائية وأماكن الاحتجاز، مؤكداً أن المهم هو أن يكون هناك نقل لمفهوم العدالة الناجزة إلى الرأي العام وتعزيز دور المجلس الأعلى للقضاء». وأكد وزير العدل أن التعددية السياسية عاودت انطلاقتها مع بزوغ المشروع الإصلاحي، لكن التعددية السياسية ليست مطية لتقويض أركان الديمقراطية، معرباً عن أسفه لانزلاق البعض في متاهة تكريس الطائفية خلال فترة الأحداث المؤسفة. وقال الشيخ خالد بن علي إن التطور الديمقراطي بالأساس عملية داخلية يتم إنجازها عبر صيرورة تاريخية يتم خلالها إرساء قيم الديمقراطية وخلق مؤسسات فاعلة ورأي عام جمعي، ولا يمكن أن تكون في شكل قفزات في الهواء، مشيراً إلى أن هذا التطور لا يمكن أن يتم إلا بعد تحقق عدد من الأسس التي لا تقوم الديمقراطية بدونها، من ضمنها وجود ثقافة ديمقراطية وفكر سياسي ديمقراطي، بما في ذلك إرساء مبادئ التعددية في الفكر والتنظيم، والاهتمام ببناء دولة المواطنة والرفاه والاستقرار الاقتصادي. وأعرب عن أسفه لقيام البعض بالانحراف بالعمل السياسي وقيامه بتبني مفاهيم تخالف مفهوم التطوير والعمل المشترك، وغالباً ما تقوم هذه المفاهيم على فكر أحادي مبني على الإقصاء، مما يؤدي حتماً إلى الدخول في نفق التقسيم والانشقاقات وبالتالي عدم الاستقرار. وأضاف الوزير أنه لمن المسلم به أن لكل دولة تجربتها الخاصة، كما أنه من المفترض أن يكون لكل بلد عربي تجربته الخاصة أيضاً، لكن هذه الخصوصية لا يجب أن تؤدي إلى إلغاء الفكرة الديمقراطية أو تشويهها، أو الحد مما هو جوهري فيها، وهو الحريات العامة والخاصة والمشاركة السياسية والمواطنة المتساوية ودولة القانون والمؤسسات وحقوق الإنسان، مؤكداً أن المهم أن يبقى لكل مجتمع طريقه الخاص في التطور بالشكل الذي يناسب ظروفه واحتياجاته ويحفظ توازناته. وأوضح الوزير أن التعددية السياسية عاودت انطلاقتها الحقيقية مع مطلع المشروع الإصلاحي لجلالة الملك الذي اعتمدها كتأكيد على جدارة الشعب بحياة سياسية ديمقراطية تعتمــــد تعدديــــة الجمعيــــات السياسيــــة والتنظيمات الشعبية، كما أحاط ممارستها في الوقت ذاته بجملة من الضوابط والقواعد التي من شأنها أن تحفظها وتضمن لها أسباب النجاح والتواصل، مشيراً إلى أن التحدي الذي واجه هذا التحول هو كيفية ضمان أن تكون التعددية السياسية المكرسة حزبياً، حصناً منيعاً يحول دون توظيفها للإساءة لحقوق وحريات الأفراد والتعدي على الدولة ومحاولة تقويض المنجزات التي تحققت أو للإساءة للوحدة الوطنية وثوابتها، حيث كان واضحاً في فترة الأحداث المؤسفة أن البعض استغل التعددية السياسية وجعلها مدخلاً ومطية لتقويض أركان الديمقراطية وأسس الدولة والإطاحة بركائز المجتمع، بل الأخطر من ذلك هو انزلاق البعض في متاهة تكريس الطائفية، لذلك كانت الدعوة إلى الحوار قائمة منذ اليوم الأول للأحداث وإلى يومنا هذا، في ضوء ثوابت ميثاق العمل الوطني الذي صوت عليه شعب البحرين في 14 فبراير 2001، بما يقارب الإجماع، وبالفعل تعددت دعوات الحوار من خلال مبادرة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد نائب القائد الأعلى النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء، ثم حوار التوافق الوطني في 2011، والآن ومنذ فبراير 2013 نستكمل حوار التوافق الوطني لخلق مزيد من التوافق في مجال التطوير السياسي. وأوضح وزير العدل أن الصورة الموجودة على طاولة حوار التوافق الوطني بتفاعلاتها وتجاذباتها السياسية والفكرية، تعكس صورة المجتمع السياسي في البحرين، بتنوعه الفكري والسياسي، لكن بالتأكيد أن هذا الاختلاف ليس قطعياً وكاملاً، فهناك دائماً تقاطعات في العديد من الجوانب، خصوصاً في ما يتعلق بالثوابت الجامعة للمواطنين، بالإضافة إلى ما يمتلكه البحرينيون من تاريخ طويل من التعايش والتوافق والتسامح، وهذه المقومات جميعها تدفع تدريجياً نحو تذليل الصعوبات والاختلافات. وأعـــرب الوزير عن قناعته التامة بأن الحـــوار سيصل في نهاية المطاف إلى التوافقات التي ترضي الجميع، وتحافظ على التوازنات في الدولة والمجتمع، حيث لا يخفى أن ميزة المجتمع البحريني أنه متنوع في تكوينه الاجتماعي والسياسي والطائفي والثقافي، بما يجعل سيطرة طرف على طرف آخر أمراً متعذراً عملياً، بل قدر الجميع هو التعايش والتوافق، معبراً عن أسفه لادعاء بعض الأطراف أنهم يمثلون الشعب والإرادة الشعبية، وذلك لتبرير إصرارهم على فرض أجندة سياسية محددة يتوجب الاستجابة الفورية والكاملة لها، خصوصاً في مجال إدارة الدولة ونظام الحكم، مؤكداً أن هذا أمر غير مقبول، خصوصاً وأن شعب البحرين سبق له أن حسم رأيه في القضايا الجوهرية عبر ميثاق العمل الوطني. وأضاف أن الواقع على طاولة الحوار كما في المجتمع، وأننا مجتمع متنوع، وأن هنالك آراء متعددة ومختلفة، ودورنا كممثلي الحكومة أن ندفع لمزيد من التوافق، مع المحافظة بطبيعة الحال على الثوابت الجامعة التي لا يمكن وضعها محل تساؤل ومزايدة أو تهاون بأي شكل من الأشكال. وأشار الوزير إلى أن هنالك صعوبات يمكن تذليلها تدريجياً بالحوار، وتجارب الأمم والشعوب في العصر الحديث تؤكد ذلك، مضيفاً أنه لا يعقل بعد 4 أشهر من انطلاق الحوار والجلسات والمناقشات المطولة أن يأتي طرف من أطراف الحوار لفرض تغيير تركيبة طاولة الحوار، من دون أي مبرر قانوني أو سياسي مقنع، مما يطرح تساؤلات جوهرية حول الغاية من هذا الطرح الذي يبدو عاملاً معرقلاً للتوافق ومؤخراً للتقدم نحو الأهداف من هذا الحوار.
وزير العدل: الحوار سيخرج بتوافقات مرضية للجميع رغم «العرقلة»
01 يوليو 2013