نظرت د.أنيسة السعدون في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه بالفلسفة من الجامعة الأردنية، في تجليات الأيديولوجيا في الرواية البحرينية، ودرست أربعة نماذج مختلفة التيارات شملت «الينابيع» لعبدالله خليفة ممثلة للواقعية النقدية، و»تحولات الفارس الغريب في البلاد العاربة» لفوزية رشيد من الواقعية الاشتراكية، ومن الواقعية النفسية اختارت «سلالم الهواء» لمحمد عبدالملك، ورواية أمين صالح التجريبية «أغنية أ.ص الأولى». وقالت السعدون إن أطروحتها بحث في علاقة الرواية في البحرين بالأيديولوجيا، مضيفة «قصدت الاهتمام بدراسة ملامح الأيديولوجــــيا وتجليــــاتها في الرواية تحديداً لكونها أكثر الفنون التصاقاً بالحياة، واستجابة للواقع المعيش، إذ تلتبس بقضاياه وإشكالاته، وتنفتح على قيم شتى تكون مادتها، من قبيل القيم الدينية والاجتماعية والأخلاقية والثقافية والسياسية، إلا أن ولوج هذه القيم إلى عالم الرواية يقتضى إعادة بنائها في السرد التخييلي عن طريق مجموعة من الأساليب والتقنيات الفنية».وسعت السعدون في أطروحتها إلى تقصي خصائص الرواية في البحرين في علاقتها بالأيديولوجيا، من خلال أربعة نماذج مختلفة التيارات الأدبية وجدتها خليقة بالإفصاح عن قيم فكرية وفنية دالة، وتتمثل هذه النماذج في «الينابيع» بجزأيها الأول «الصوت» والثاني «الماء الأسود» لعبد الله خليفة، ممثلة لرواية الواقعية النقدية، و»تحولات الفارس الغريب في البلاد العاربة» لفوزية رشيد ممثلة لرواية الواقعية الاشتراكية، و»سلالم الهـــواء» لمحمد عبدالملك ممثلة لرواية الواقعية النفسية، و»أغنية أ.ص الأولى» لأمين صالح ممثلة لرواية التجريب. وتبرر السعدون أن اكتفاءها بهذه الروايات، لا يتوقف على استجابتها لمبدأ التمثيل فحسب، وإنما مرده أيضاً، إلى ما تمتلكه من نسق فكري ناضج وواضح، ورؤى فنية ثرية، بما يغني الدارسة ويجنبها التكرار والحشو فيما لو وقفت على روايات أخرى تتآلف مع ما اختير، أو أنها أقل شأناً. ودرست هذه الروايات بالانطلاق من حزمة أسئلة كيف اشتغلت الأيديولوجيا نسقاً من القيم والرؤى والأفكار في النصوص موضع الدرس؟ وكيف وظفت هذه الأبعاد لبناء محتوى المتن وبلورة مراميه؟ ثم كيف يمكن استقراء هذه الأبعاد من خلال المكونات المشكلة للبنى السردية والحكائية بما يكشف دلالات الرواية في البحرين وجمالياتها ويمكن في الوقت نفسه من رصد دورها وملامح أهميتها بالنسبة إلى الكتابة الروائية في الوطن العربي؟ونزعت إلى تأمل إشكالات البحث، وتحليل الرؤى الفكرية للخطاب الروائي من منطلق البنى الفنية، من خلال سبعة فصول، يتصدرها تمهيد نظري عام رأته ضرورياً لتبين مفهوم الأيديولوجيا في علاقته بالأدب بصفة مجملة، والروايــــة بصفــــة موسعـة، وفـــــي سبــيـــل ذلـــك استعــرضت عدداً من الدراسات الأدبية والنقدية التي وقفت على هذه العلاقة بالنظر والتحليل.وتناول الفصل الأول من الدراسة الشخصية، وينهض على أربعة أقسام تشمل «تهافت الشخصيات بين أزمة الذات وأزمة الواقع»، و»الشخصيات في ضوء الجدل التاريخي والواقعي»، و»رهان الحداثة وتلاشي الشخصية»، و»الشخصــــيات ذوات ذهـــنـــــية ورؤى إيديولوجية».والفصل الثاني المكان، ويشتمل على أربعة أقسام «تحولات الفضاء وصراع القيم»، و»ازدواجية الفضاء ودوغمائية الخطاب السلطوي»، و»فضاء المؤسسة خطاب أيديــولوجي متضخم»، و»السلطــة وقولبة فضاءات المهمشين».الفصل الثالث الزمان، وله أربعة أقسام «زمن عقيم يدور على نفسه»، و»الفارس الغريب يواجه الزمن الشائخ في البلاد العاربة»، و»شروخ الزمن الداخلي في ضوء تصدعات الواقع»، و»الواقع القمعي وميلاد الزمن الكسيح».الفصل الرابع الراوي، واختارت له رواية «سلالم الهواء»، وقسمته إلى أربعة أقسام «الكيمياء وتشكل أنا الراوي والشخصية والكاتب»، و»وجوه التلاقي بين كافكا والراوي»، و»الراوي كاتباً إشكالياً»، و»الراوي صوت منفرد وأصداء تتنازع».الفصل الخامس التبئير، واعتمدت له رواية «الينابيع»، ويحتوي على قسمين «تبئير يتحول ويعري الذات»، و»موقف الرائي من الواقع بين المحاورة والمجادلة».الفصل السادس أساليب السرد، ودرستها في «أغنية أ.ص الأولى»، بالانطلاق من أساليب سردية متعددة، قدمت في تضافرها، رؤية كلية لواقع ممكن، وحالت دون تقسيمي الفصل، رغبة في الحفاظ على نسقيتها المتعاضدة.الفصل السابع المتلقي، وقاربت مفاهيمه، ونظرت في دلالاتها الفكرية والفنية من خلال رواية «تحولات الفارس الغريب»، ويحتوي هذا الفصل على قسمين، يتمثّلان في «تشكيلات النص وجمالية التلقي»، و»ضمائر السرد وإشكالية التلقي».وأوقفتها هذه الفصول على أن النصوص موضع الدرس، وإن تآلفت في اتصالها بالواقع، من حيث ما فيه من تحولات اجتماعية وثقافية واقتصادية وسياسية، فإنها تمايزت في تمثيلها الفني له، إذ انطلقت في تعاملها مع الواقع من اتجاهات أدبية متباينة، جعلت بعضها على طرفي نقيض، ففي حين تمسكت رواية «ينابيع» بالبنية التقليدية، والطرح الكلاسيكي للعالم الحكائي، انزاحت «أغنية أ.ص الأولى» عن مألوف الكتابات التقليدية، وخرجت على الكثير من مقومات الجنس القصصي.وكشفت هذه الفصول كيف انفتحت الرواية في البحرين على إشكاليات المجتمع، وحاولت بانطلاقها من قضايا متنوعة الرؤى الفكرية والقيم الإيديولوجية، اكتشاف الذات في أبعادها النفسية والاجتماعية والثقافية والحضارية، وكفل لها هذا الطرح، فضلاً عن البعد المحلي، بعداً إنسانياً وتاريخياً، جعلها على صلة عميقة بالواقع في نواحيه المختلفة، كما أن تعدد اتجاهات هذه الروايات انعكس بشكل بين على الجوانب الفنية والمقومات الجمالية فيها. وأظهرت معالجة الروائيين للواقع وعياً يتطور ويتخطى التعامل الانعكاسي إلى الجدلي، حتى مع تلك الروايات المبنية على نمط تقليدي، ما يجلي تحولاً نوعياً في ممارسة الكتابة الروائية كان بمثابة استجابة واعية للتحولات والانعطافات في الواقع سواء في سياقها المحلي، على نحو ما تجلى في رواية «الينابيع» بجزأيها الأول والثاني، والتي اتخذت من الأوضاع الاجتماعية والسياسية في البحرين مطلع القرن العشرين منطلقاً إلى مجادلة الواقع ومناكفته، وإن لم يخلصها ذلك من علامات الكتابة الواقعية ذات المنزع الانتقادي. أم في سياقها العربي كما في رواية «تحولات الفارس الغريب في البلاد العاربة» التي تلونت بسمات الأصالة من خلال توظيف بعض مكونات التراث الفكرية والفنية، كما جذبت من البعد التاريخي العربي ظلالاً ألقت على أحداث الرواية أفقاً رمزياً ودلالياً وجمالياً خاصاً. ورواية «أغنية أ.ص الأولى» التي جنحت إلى مغامرة التجريب توقاً إلى أفق حداثي مغاير في الكتابة الروائية، يستكشف ملامح إبداعية جديدة، ويبحث عن واقع عربي غير مرئي، أما في سياقها المنفتح على محيط أوسع لينشغل بمشكلات وقضايا وثيقة الصلة بحركات التحديث الغربية وآثارها على العالم العربي، كما هو الشأن مع رواية «سلالم الهواء» التي عكست وجوهاً من عجز التواصل مع الذات، ومع العالم الخارجي الذي جسد ضراوة النظام الرأسمالي ووحشيته، وما أورثه من اضطراد التبعية للغرب، وخلخلة منظومة القيم في المجتمع، والجموح بالأشياء إلى مكان الصدارة، لينطمس الوجود الإنساني ويتلاشى.ويجيء هذا التصنيف على سبيل التأكيد على القضية التي متنت الرواية صلتها بها، إذ ليس معناه أن ما انشغلت به رواية من قضايا ومواقف ورؤى وهواجس لم تعتن به رواية أخرى، سيما أن الروايات جميعها انشدت إلى تعرية واقع عربي موسوم بالقهر والتسلط والاضطهاد، وتأملت بدرجات متباينة، وأطروحات مختلفة، ومقومات جمالية متمايزة، الصراع الحضاري المتمخض عن العلاقة الإشكالية بين المستعمر والمستعمَر، وكشفت عن تجليات تأثرها بالمناخ النفسي والاجتماعي والثقافي والسياسي المهيمن على البلدان العربية وشعوبها.إن جميع ما تقدم يقضي بأهمية الرواية في البحرين، وعدم إمكانية إقصائها عن مسار التجارب الروائية في الوطن العربي، وجدارتها أن تشكل رافداً من روافد الرواية العربيّة يسهم في إثراء الحركة الأدبية فكرياً وجمالياً. وأشرف على الأطروحة د.إبراهيم السعدون، وناقشتها لجنة علمية تكونت من د.شكري الماضي، ود.نبيل حداد، ود.محمد القضاة.
السعدون تنظر في تجليات الأيديولوجيا بالرواية البحرينية
03 يوليو 2013