^   تعج أجنحة دور النشر في قاعات مركز البحرين الدولي للمعارض بثمرات المطابع العربية، والتي تتراوح بين الكتب التقليدية الدينية المعاد طباعتها وتلك الحديثة ذات العناوين الجريئة، خصوصاً ما ركز على الأحداث العربية الأخيرة، وبينهما كم هائل لا يستهان به من كتب الأطفال. استوقفني في جناح السفارة الأمريكية بالبحرين كتاب ثمنه منخفض نسبياً مقارنة مع الكتب الأخرى، عنوانه “المسؤولية الاجتماعية للشركات”. الكتاب من تأليف فيليب كوتلر ونانسى لى، وترجمة وتحقيق علا أحمد إصلاح، وإصدار الدار الدولية للاستثمارات الثقافية بالقاهرة. الطبعة الإنجليزية للكتاب صدرت في العام 2004، في حين رأت النسخة العربية التي بين يدي النور عام 2011. تفصل بين الطبعتين مسافة فلكية بالمعيار المعاصر للوقت الذي بتنا، في ظل ثورة الاتصالات والمعلومات نقيسها بـ«النانو” من الثانية، فما بالك عندما يتجاوز النصف عقداً من الزمان. قبل الغوص في محتويات الكتاب تجدر الإشارة إلى أن هذا المصطلح أثار كثيراً من الجدل في مطلع صياغته. فحتى مطلع العقد السابع من القرن الماضي كانت هناك، بخلاف الحالة التي هو عليها اليوم، كثير من الاعتراضات الغربية المناهضة لهذا النشاط التي باتت الشركات تقبل به كنشاط مسلم به ولا يمكنها التراجع عن ممارسته. فقد انبرى لمحاربة حتى مجرد التفكير فيه، كتاب من أمثال ملتون فريدمان، الذي كان يرى كما ينقل عنه عمر جل قوله “أن هناك مسؤولية واحدة، وواحدة فقط للأعمال، وهي تسخير كل مواردها لتحقيق أقصى نسبة من الأرباح، مع التقيد بالقيم الأخلاقية، التي تفرضها قوانين اللعبة التجارية، والتي تعني عدم اللجوء إلى الغش أو الخداع”. وكان فريدمان يحذر من “المساس بأرباح المستثمرين”، ويصف من يمسها أو ينقص منها باللصوص، انطلاقاً من اقتناعه أن أية “مسؤولية اجتماعية للشركة، تعني، في نهاية الأمر خفض أرباح المساهمين”، وربما “نهب ممتلكاتهم”. لكن منذ ذلك الحين، بدأ بعض التطور الإيجابي يطرأ على مفهوم “المسؤولية الاجتماعية للشركات”، وبدأت صورته تختلف، خصوصاً في مطلع القرن الواحد والعشرين، مع تنامي الوعي، كما يشير العديد من الدراسات “بالاهتمام بالبيئة والأضرار المترتبة على تلوث البيئة”. وتصاعد عدد ونضالات الجمعيات التي باتت “تهتم بالمحافظة على البيئة لجعلها مكاناً آمناً للعيش لأجيال الحاضر والمستقبل، وتناغم ذلك مع مبادرة الحكومات والهيئات الرسمية بإصدار التشريعات للمحافظة على البيئة وعلى مواردها الطبيعية. مما دفع منظمات الأعمال بإعادة النظر بمسؤولياتها الاجتماعية والأخلاقية في ممارساتها التسويقية”. أدى كل ذلك إلى ترسيخ مفهوم المسؤولية الاجتماعية للشركات في أذهان مجتمع رجال الأعمال، حتى أصبح التزام الشركات بدورها الاجتماعي، كما تقول، القائم بأعمال مسؤول العلاقات العامة في سوق فلسطين للأوراق المالية رقية عيران، أحد العوامل المهمة التي “يضمن إلى حد ما دعم جميع أفراد المجتمع لأهدافها ورسالتها التنموية والاعتراف بوجودها، والمساهمة في إنجاح أهدافها وفق ما خطط له مسبقاً، علاوة على المساهمة في سدّ احتياجات المجتمع ومتطلباته الحياتية والمعيشية الضرورية، إضافةً إلى خلق فرص عمل جديدة من خلال إقامة مشاريع خيرية واجتماعية ذات طابع تنموي”. وتلتفت عيران نحو الجانب الربحي الذي تولده المسؤولية الاجتماعية للشركات، فتؤكد على أنه “من بين الفوائد التي تجنيها الشركات ذات الممارسات المسؤولة اجتماعياً تقليص تكاليف التشغيل، وتحسين الصورة العامة لأصناف المنتجات وسمعتها، وزيادة المبيعات، وإخلاص العملاء، وزيادة الإنتاجية والنوعية”. رغم كل هذا التطور مايزال هناك شبه إجماع على عدم توصل المجتمع الإنساني حتى يومنا هذا على اتفاق موحد لمفهوم، ومن ثم معايير تقيد الشركات والمؤسسات، وعلى وجه الخصوص تلك التي تتوخى الربح من وراء أنشطتها. وهذا يفسر تعدد التعريفات للمسؤولية الاجتماعية، التي يورد المدون السعودي على موقعه على الإنترنت ثلاثة منها، الأول؛ والذي يعتبره زريق المفضل لديه، هو الذي وضعه مجلس الأعمال العالمي للتنمية المستدامة، الذي يعتبر المسؤولية الاجتماعية للشركات هو “الالتزام المستمر من قبل منظمات الأعمال بالتصرف أخلاقياً والمساهمة في تحقيق التنمية الاقتصادية والعمل على تحسين نوعية الظروف المعيشية للقوى العاملة وعائلاتهم، إضافة إلى المجتمع المحلي والمجتمع ككل”. في حين يراها البنك الدولي، كما يقول زريق على أنها “التزام بالمساهمة في التنمية المستدامة من خلال العمل مع موظفيها والمجتمع المحلي والمجتمع ككل لتحسين مستوى معيشة الناس بأسلوب يخدم التجارة ويخدم التنمية في آن واحد”. أما الغرفة التجارية العالمية، فتعتبرها “جميع المحاولات التي تسهم في مبادرة منشآت القطاع الخاص لتحقيق تنمية بسبب اعتبارات أخلاقية واجتماعية”. أما الاتحاد الأوروبي فيعرف تلك المسؤولية، كما يوردها الكتاب الصادر عن “المعهد العربي للتخطيط بالكويت”، في كراسته المعنونة “المسؤولية الاجتماعية للشركات، على أنها “مفهوم تقوم الشركات بمقتضاه بتضمين اعتبارات اجتماعية وبيئية في أعمالها وفي تفاعلها مع أصحاب المصالح على نحو تطوعي، لا يستلزم سن القوانين أو وضع قواعد محددة تلتزم بها الشركات للقيام بمسؤوليتها تجاه المجتمع”. ويشير الكتاب إلى المنحى الذي بدأ يأخذ به بعض الباحثين الذين يقترحون استبدال “مصطلح المسؤولية الاجتماعية” بآخر هو “الاستجابة الاجتماعية”، حيث “يتضمن المصطلح الأول نوعاً من الالتزام، بينما يتضمن الثاني وجود دافع أو حافز أمام رأس المال لتحمل المسؤولية الاجتماعية”. عدم الإجماع هذا فتح الباب أمام اجتهادات جعلت البعض، كما هو الحال عند الكاتب في مجلة “الاقتصادية” يحيى مفرح الزهراني يرى، حتى تكتمل الصورة، ضرورة الربط بين التعريف وبعض الجوانب القانونية التي تمس، من وجهة نظره، إلزامية القوانين والإجراءات، التي تعالج النواحي التالية: 1. قوانين حوكمة الشركات. 2. قوانين العمل المتعلقة بالشركات. 3. قوانين البيئة الخاصة بالشركات.