^ كان الظلم والقهر والاستبداد دائماً من أهم المسببات التي تدفع بالمقهورين إلى الثورة ضد الغزاة وسياسات الاستبداد الجائرة. ولعل ما جرى في إيران خلال القرن الماضي خير دليل على ذلك؛ حيث شهدت إيران عدة ثورات وانقلابات، كان آخرها ثورة الشعوب عام 1979 التي انتصرت على نظام البهلوي الذي كان قد جاء إلى السلطة بانقلاب عسكري أطاح بحكم الأسرة القاجارية عام 1926م. وكانت إيران قد شهدت عام 1907م حدوث الثورة الدستورية التي أدت ولأول مرة في تاريخ البلاد إلى قيام حكم ملكي دستوري، لكن سرعان ما قوض هذا الحكم وأصبح ملكياً استبدادياً مارس فيه رضا خان بهلوي أبشع أنواع القهر والاضطهاد. وبعد الإطاحة برضا خان اعتلى العرش ابنه محمد رضا الذي سار على نهج أبيه مما جعله يواجه أشرس حركة معارضة سياسية في تاريخ إيران، وهذه الحركة قد استطاعت عام 1953م أن تنفذ انقلاباً ضده بقيادة رئيس الوزراء محمد مصدق، لكن هذا الانقلاب لم يدم طويلاً حيث وبعد قرار تأميم النفط بأيام استطاعت المخابرات الأمريكية إسقاط حكومة مصدق وإعادة الشاه إلى العرش. مارس النظام البهلوي ظلماً وقهراً شديداً ضد القوميات غير الفارسية التي كانت في عهود ما قبل نظام البهلوي تحكم نفسها بنفسها، حيث كان النظام السائد في بلاد فارس قبل الإطاحة بالحكم القاجاري أشبه بالنظام الفدرالي الذي أعطى الأقاليم صلاحية واسعة في الحكم وإدارة شؤونها بنفسها، بعيداً عن هيمنة واستبداد السلطة المركزية، إلا أن رضا خان بهلوي ألغى ذلك النظام وقام بضم إقليم الأحواز إلى الدولة الإيرانية، وأطاح بجمهورية الأكراد في مهاباد، وضرب جمهورية الأذاريين في تبريز، وهاجم البلوش وغيرهم من القوميات الأخرى وبدأ بتطبيق سياسة فرض اللغة والثقافة الفارسية على غير الفرس وسلب جميع حقوقهم السياسية والثقافية والاجتماعية. خمسون عاماً كانت مدة حكم النظام البهلوي، كان الفرس وغير الفرس المكتوين بظلمه وجوره يهتفون بصوت واحد “الموت للشاه، وكان الخميني وأعوانه يرقصون طرباً لسماع هذا الصوت المدوي، فأخذوا يعطون الوعود بأنهم سوف ينصفون الشعوب ويزيلون القهر القومي والطائفي الذي لحق بها إذا ما انتصرت الثورة واستلموا الحكم، بالمقابل كان الشاه يصف حركة الجماهير ضده بأنها مؤامرة، وكان قمع الانتفاضات والثورات في أقاليم القوميات غير الفارسية يتم تحت اسم سحق التمرد وحركة الانفصال وخطر تهديد وحدة التراب الإيراني، وكان نصب المشانق وقمع المظاهرات الجماهيرية في طهران والمحافظات المركزية يجري باسم مواجهة مروجي المخدرات وإخماد فتنة الرجعية وغيرها من الحجج الأخرى. وبعد الإطاحة بالشاه أصبح نظام الخميني يمارس ذات الأساليب ويستخدم نفس المسوغات التي كان يستخدمها نظام البهلوي في قمع الشعوب الإيرانية. واجه نظام الخميني مطالب الشعوب والقوميات غير الفارسية بقمع قل نظيره، حيث تجاوز فيه كل المعايير الإسلامية والإنسانية، وكان نصيب الشعب البلوشي من هذا القمع والظلم هو الأعلى، فما لقيه الشعب البلوشي طوال العقود الثلاثة من عمر نظام ولاية الفقيه يفوق كل التصورات، إن اغتيال وإعدام شيوخ القبائل وعلماء الدين البلوش والنشطاء السياسيين وهدم المساجد والمدارس الدينية؛ هي من أبسط الوسائل لإسكات الشعب البلوشي، حيث كان هؤلاء العلماء والمشايخ والمناضلون هم صوت الشعب البلوشي المعترض على تجاهل الدولة لمطالبه المشروعة، التي لم تكن تتجاوز المطالبة بتطبيق العدالة والمساواة وتقديم الخدمات الاجتماعية وإعمار المناطق التي كانت ومازالت تشكو من قلت الخدمات الصحية ومد طرق وبناء المراكز الصحية والتعليمية التي تفتقدها العديد من مناطق بلوشستان. فإقليم بلوشستان الذي يبلغ عدد سكانه أكثر من ثلاثة ملايين نسمة، وبحكم وقوع الإقليم في منطقة المثلث الإيراني الباكستاني الأفغاني، الذي تحيطه الجبال من الشرق والجنوب والشمال، يعاني سكانه من اضطهاد وظلم قومي وطائفي مزدوج، ومن أبرز صور هذا الظلم هو الحرمان المعيشي وفقدان الخدمات والفقر المدقع، فأغلب البلوش يعملون بمهن الصناعات اليدوية كالزراعة والنسيج وبناء السفن الخشبية وغيرها. وبسبب الفقر؛ فقد تحول الإقليم ممراً لمافيا المخدرات الدولية التي تعمل بدعم وإسناد من قوى مؤثرة في نظام الملالي. ويؤكد البلوش أن تعمد الأنظمة الإيرانية المتعاقبة على إبقاء هذا الإقليم على ما هو عليه من الأوضاع البائسة يهدف إلي إجبارهم على التعاون مع عصابات المافيا التي تعمل على استغلال حالة الفقر والعوز الشديد الذي يعانون منه. إن شدة الظلم والقهر المتواصلة ضد البلوش هي من أجبر أبناء هذا الشعب على التفكير بتنظيم أنفسهم والعمل على توحيد كفاحهم ليكونوا قادرين على رفع الظلم الواقع عليهم من قبل نظام الملالي، ومن هنا جاءت فكرة إنشاء حركة المقاومة الشعبية البلوشية لتكون صوت البلوش وحاملة قضيتهم إلى العالم. كما إن الزعامات الدينية في إقليم بلوشستان ورغم ما تتعرض له من ضغوط من قبل السلطات الإيرانية، فبفضل جهودها المستمرة لرفع الظلم والتمييز عن البلوش فقد استطاعت أن تصبح مرجعية لعموم أهل السنة في إيران وهذا ما جعل النظام الإيراني يخشى من أن يتحول إقليم بلوشستان إلى لعنة تقع على طهران وتزيح الظلم والطغيان
بلــوشستــــــان وظلم ملالـــــي إيــــــــــــران
15 أبريل 2012