قال خبير التنمية السياسية في معهد البحرين للتنمية السياسية خالد فياض إن الدولة المدنية تستمد شرعيتها من الشعب مباشرة أو عبر نوابه وممثليه في مختلف مفاصل وتكوينات السلطة التي تكفل الحقوق والحريات وتحترم التعددية وتلتزم بالتداول السلمي للسلطة، وتعمل على تجسيد سيادة القانون وتحقيق المواطنة المتساوية، وتقوم على أساس المواطنة وحقوق الإنسان.جاء ذلك خلال ندوة حول «الدولة المدنية» قدمها فياض إلى جانب الكاتبة الصحافية د. انتصار البناء، في باكورة فعاليات المجلس الرمضاني التابع لجمعية الإرادة والتغيير الوطنية الأربعاء الماضي، برعاية رئيس المجلس الاستشاري في الجمعية د. خالد العوضي، وبحضور الأمين العام د. ريم الفايز وحشد من المهتمين بالشأن السياسي والعام.وعرض فياض للتعريف الدولة والمراحل التي مرت بها خلال تطورها، وصولاً لشكل الدولة الحالي، وحدد معايير الدولة المدنية في عشرة مبادئ هي؛ الشعب مصدر السلطات ومالكها الوحيد، المساواة والعدالة وعدم التمييز، العدالة الاجتماعية، دولة القانون، احترام حق الاختيار والاختلاف، الحرية، الأمن والتنمية، التغيير السلمي والتنافس المشروع، تكافؤ الفرص، وأخيراً المشاركة. مقدماً شرحاً مختصراً عن كل من المبادئ العشرة.وأضاف فياض أن هناك عدداً من المقومات للدولة المدنية، ويمكن تحديدها في أربع مقومات أساسية هي؛ الدستور، الديمقراطية، المواطنة، حقوق الإنسان، مشيراً إلى أن حقوق الإنسان يمكن تقسيمها إلى ثلاثة حقوق أساسية هي؛ الحرية المدنية والسياسية والتي تشمل حرية الرأي والتعبير وحرية الفكر المعتقد، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وأخيراً حقوق الأقليات.وتطرق فياض إلى ضمانات الدولة المدنية محدداً إياها في ثمان ضمانات أساسية، وهي؛ الفصل بين السلطات، سيادة القانون، الشفافية والحكم الرشيد، المشاركة السياسية، الاعتراف بالآخر، الثقافة المدنية، اللامركزية، حيادية المؤسسة العسكرية والأمنية.من جانبها، تطرقت د. انتصار البناء، إلى العلاقة بين الدين والدولة، من خلال طرح نقطتين أساسيتين؛ موقع الدين في الدولة وإمكانية الفصل بين الدين الإسلامي والدولة، مبينة أن الإسلام ليس دين عبادات فقط، وإنما منهج حياة وأن الإسلام لم يفصل بين الدين والدولة بل ميز بينهما، موضحة مفهوم الدولة الدينية (الثيوقراطية)، والذي يقوم على أن يحكم الدولة قس أو كاهن أو مجموعة من رجال الدين يحظون بسلطة في الأمور الدينية والمدنية، اعتماداً على نظرية التفويض الإلهي والحديث باسم المقدس.واستعرضت د. البناء صحيفة المدينة، التي وضعها الرسول عليه الصلاة والسلام لتنظيم العلاقة بين المسلمين وغيرهم في المدينة، والتي كان أهم ما جاء فيها أن «لليهود دينهم وللمسلمين دينهم»، إضافة إلى الإقرار بالقوانين العرفية الموجودة والإبقاء على بعض النظم الاجتماعية السابقة مثل نظام الدية، وبينت أن الصحيفة نظمت موضوع الديات والقتل الخطأ وحفظ أمن المدينة وقتال العدو قتالاً مشتركاً، وتنظيم العلاقة بين سكان المدينة والعلاقات الخارجية مع الخلفاء والأعداء.وأشارت د. البناء إلى الكتابات الحديثة التي بحثت عن التمييز بين الدين والدولة ورفض مفهوم الدولة الثيوقراطية، مستشهدة بالشيخ محمد عبده الذي قال «ليس في الإسلام سلطة دينية سوى الموعظة الحسنة»، فليس في الإسلام ما يسمى بالسلطة الدينية بوجه من الوجوه، ولم يعرف المسلمون في عصر من العصور تلك السلطة الدينية التي كانت للبابا عند الأمم المسيحية.وأشارت الدكتورة انتصار إلى أن فكرة الدولة المدنية الحديثة هي فكرة غربية، وقد بدأت في القرن السابع عشر وتأسست في القرن التاسع عشر نتيجة التحولات الاقتصادية والاجتماعية والتي أدت إلى تحالفات سياسية بين فرقاء متعديين من تجار وملوك ونبلاء.وأضافت أن النظريات القومية والاجتماعية ساهمت في تطوير مفهوم الدولة، والتي كان من روادها فرانسيس بيكون وتوماس مور، وكذلك نظرية العقد الاجتماعي لجون لوك. وصولاً إلى الشرائع الدولية وميثاق حقوق الإنسان والإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي صدر العام 1948 بعد الفظائع التي شهدتها الحرب العالمية الثانية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.وتطرقت د. البناء إلى تحديات تيار الإسلام السياسي المعاصر، والذي يتمثل في إعداد مشاريع اقتصادية واجتماعية وسياسية تحقق مقصد الشريعة الأهم وهو حفظ الدين، والتركيز على قضايا مراقبة المجتمع والتقليص من الحريات في مفهوم تطبيق الشريعة مثل الدعوات لتطبيق الحدود واللجوء إلى المقدس في تحصين الذات في مواجهة الخصوم، والحضور البارز لرجال الدين والاعتداد بمرجعيتهم في أمور الدين والسياسة وإقصاء النخب وذوي الخبرة والمعرفة، وتوتير العلاقة مع الآخر المختلف في الدين أو في المذهب أو العرف في التوجه والرأي، والتصادم مع مؤسسات الدولة؛ وسائل الإعلام والثقافة والمسرح والقوانين والمحاكم.وأشارت إلى أن الدولة المدنية احتياج عصري ملح وضرورة لبلداننا، مشيرة إلى أن من لم يتأقلم مع احتياجات عصره ويتصادم مع سمات العصر يبقى خارج التاريخ وخارج التأثير.بدوره أعلن د. خالد العوضي عن انطلاق البرنامج الرمضاني لجمعية الإرادة والتغيير الوطنية، والذي يأتي ضمن فعاليات منتدى الإرادة، مشيراً إلى أنه عادة درجت عليها الجمعية منذ تأسيسها إيماناً منها بأن نشر الثقافة السياسية بين أبناء الوطن أحد الأهداف السامية.