صرخات وعويل اختلطت ببكاء اطفال انطلقت من داخل منزل المحامي صلاح العبيدي الذي قتل بيد مجهولين الأسبوع الماضي بعد ترشحه لخوض انتخابات مجلس محافظة بغداد، فيما جلس الرجال في صمت خيم عليه حزن عميق. والمرشح الراحل، محامٍ وعضو في المكتب السياسي للقائمة العراقية التي يمثلها في هذه الانتخابات، ويتزعمها رئيس الوزراء الاسبق اياد علاوي. واغتيل منذ 10 مارس الماضي 12 مرشحاً لانتخابات مجالس المحافظات، جميعهم من السنة و7 منهم من مرشحي القائمة العراقية. وجرت عمليات القتل السابقة في محافظات نينوى وصلاح الدين، وكلاهما شمال بغداد، وفي الأنبار غرب البلاد. وتحدث تحسين محمد «37 عاماً» ابن شقيقة العبيدي وهو يجلس في غرفة الضيوف في منزل الراحل يتقبل العزاء مع أهله، «أحد أصدقاء المرحوم وجده مقتولاً بالرصاص داخل مكتبه» حيث يسكن في السيدية، غرب بغداد. وأضاف وهو يجلس بمواجهة صورة للمرشح الراحل، ويدخن سيجارة «لم يكن له أعداء، الجهات الأمنية هي المسؤول عن مقتله لأنها مسؤولة عن حمايته كما هي حال باقي العراقيين الذين يقتلون كل يوم». كان صلاح العبيدي الذي توفي عن 48 عاماً أباً لسبعة اطفال، وكان تسلسله 23 في القائمة العراقية. وهو الرابع بين أربعة اشقاء قتل اثنان منهم في الحرب العراقية الإيرانية وأعدم الثالث على يد نظام صدام حسين. ويرى حميد ابن عم العبيدي، أحد الحضور في الجلسة، والمعروف بأبو سيف، أن «الدافع سياسي وراء الجريمة على الأغلب، لأنه قتل بعد أن رشح نفسه للانتخابات». فيما يعتقد طه ابو محمد، الموظف في البنك المركزي العراقي، الحاضر في مجلس العزاء، ان «استهداف عدد كبير من مرشحي القائمة العراقية، إشارة واضحة بأنه استهداف للقائمة للوقوف في طريق نجاح عملها ولمنع فوزها في الانتخابات». واعتبرت القائمة العراقية في بيان لها الاسبوع الماضي، الاستهداف المتكرر لمرشحيها «عملا ليس اعتياديا وانما مقصود ومبرمج». وأكد عبد الكريم عبطان الجبوري القيادي في القائمة العراقية، متحدثاً في مجلس العزاء الذي أقامته قبيلة العبيد في المسيب، جنوب بغداد، أن العبيدي كان عضواً في المكتب السياسي للعراقية. ويرى الجبوري وهو محام أن «هناك بصمات لدول الجوار ولقوى ظلام داخل البلد تسعى لاستهداف الرموز الوطنية وبينهم المرحوم» العبيدي.وتخضع منطقة السيدية التي تسكنها غالبية سنية، إلى إجراءات أمنية مشددة ولايمكن الدخول إليها الا عبر نقاط تفتيش وتقديم بطاقة تعريف تؤكد السكن فيها أحياناً.وعن تحرك القائمة العراقية إثر استهداف مرشحيها، قال الجبوري «خاطبنا الأمم المتحدة والجامعة العربية ورئيس الجمهورية جلال طالباني ورئيس المحكمة الاتحادية مدحت المحمود، وقلنا إن «هذا الاستهداف مستمر ويجب إيقافه»». واقتصرت الهجمات التي استهدفت المرشحين للانتخابات على مناطق سنية، رغم مشاركة 50 ائتلافاً ممثلين بـ 87 كياناً سياساً، أبرزها الائتلاف الوطني العراقي والقائمة العراقية. وقال الحاج أبو سرمد وهو في نهاية السبعينات، ومن وجهاء عشيرة العبيد، بحسرة شديدة «كنا نتوقع أن يصبح المرحوم صلاح رئيساً للوزراء يوماً، إذا واصل عمله السياسي». فيما وصف فيصل الشاوي، أحد وجهاء قبيلة العبيد والضابط برتبة عميد طيار في الجيش العراقي السابق في مطلع السبعينات، الأمر بـ «هجمة صفراء من دول إقليمية تهدف لإفراغ العراق من رموزه وشق صفوف شعبه». من جانبه، قال رئيس المفوضية العليا المستقلة للانتخابات سربت مصطفى رشيد إن «أسباباً سياسية تقف وراء هذه الهجمات». وأضاف أن «هذه الهجمات هي السبب وراء تأجيل الانتخابات في محافظتي نينوى والأنبار». ولكنه أكد في الوقت نفسه أن «المفوضية مستعدة من جانبها لإجراء الانتخابات في جميع المحافظات». وقررت الحكومة العراقية في 19 مارس الماضي تأجيل انتخابات مجالس محافظتي الأنبار ونينوى بسبب الظروف الأمنية. وقال وزير الخارجية الأمريكي جون كيري خلال زيارته بغداد الأسبوع الماضي، إن بلاده «تعتقد بقوة أن جميع المحافظات يجب أن تصوت في نفس الوقت في الانتخابات المحلية، ونأمل أن يتمكن رئيس الوزراء نوري المالكي من العمل على إعادة النظر في هذه القضية». وشهدت الأيام التي أجريت فيها العمليات الانتخابية السابقة في العراق أعمال عنف على مستوى محدود، لكنها لم تعرقل أو توقف العملية الانتخابية بشكل كامل. ومن المقرر إجراء انتخابات المحافظات في 20 أبريل الجاري، وهي الثالثة منذ اجتياح العراق وسقوط نظام صدام حسين في مارس 2003.«(فرانس برس»