بقلم - خالد فياض:*إن المتتبع للتطورات التي تحدث في عالم اليوم، وما رافقها من حالة مما يسميه البعض بالانفلات السياسي العام، تجعل من مطلب ممارسة الديمقراطية داخل منظمات المجتمع وفي ما بينها ضرورة عاجله، فليس من المتصور أن تستقيم نظم الحكم ديمقراطياً، دون انتقال التنظيمات السياسية لمرحلة أكثر ديمقراطية فهذا هو المدخل الأساسي نحو الممارسة الديمقراطية الصحيحة والرشيدة. فنمو الفكر والممارسة الديمقراطية داخل التنظيمات السياسية هو من المقدمات الضرورية للإصلاح الديمقراطي من أجل الانتقال إلى نظم حكم ديمقراطية. وهو أحد التحديات الكبرى لاستقرار نظم الحكم الديمقراطية. حيث من الأهمية نمو الفكر والممارسة الديمقراطية في المجتمع ممثلاً تنظيماته السياسية وفي ما بينها. فالتنظيم الديمقراطي يكتسب صفة الديمقراطية مثلما تكتسبها الدولة. ونظام الحكم الديمقراطي نظام محدد المعالم يتطلب وجود منظومة كاملة ومتكاملة مع بعضها بعضاً، تتضمن مبادئ ومؤسسات وآليات تضبط عملية تحديد الخيارات واتخاذ القرارات العامة، وتؤكد على حق وواجب مشاركة الملزمين بتنفيذها. إن الممارسة الديمقراطية داخل أي تنظيم سياسي واتساع نطاق عضويته وشمولها للمواطنين دون تمييز بسبب الجنس أو العرق أو الدين أو المذهب، إضافة إلى نظرة التنظيم السياسي غير الإقصائي إلى غيره من التنظيمات السياسية الأخرى هي أقوى الضمانات للممارسة الديمقراطية داخل الدولة، فالتنظيم السياسي الذي لا يؤسس على مبدأ المساواة بين المواطنين ولا يمارس أعضاؤه الديمقراطية داخله وفي علاقاته ببقية التنظيمات السياسية، يصعب عليه ممارسة الديمقراطية في الدولة. وفي ضوء التشابه بين مقومات وضوابط نظام الحكم في الدولة والضوابط الحاكمة لإدارة أي تنظيم سياسي يمكننا إجمال المبادئ التي يلزم وجود حد أدنى منها في التنظيم السياسي حتى يكتسب صفة الديمقراطية، في ما يلي:أولاً: أن تكون سلطة تحديد خيارات التنظيم السياسي واتخاذ قراراته من حق أعضائه كلهم. وألا يكون في التنظيم سيادة على أعضائه من قبل فرد أو قلة أو مؤسسة. وعلى التنظيم الديمقراطي تأكيد مهنية بيروقراطيته وعدم تفويض هذه البيروقراطية في اتخاذ القرارات السياسية، وذلك حتى لا تهيمن بحكم تفرغها للعمل في التنظيم، على خيارات وقرارات التنظيم العامة وتصبح هي الموجهة والمسيطرة على السلطات في التنظيم.ثانياً: أن تكون العضوية هي وحدها مناط الواجبات ومصدر الحقوق لأي تنظيم سياسي. وأن تكون العضوية -من حيث المبدأ- مفتوحة لجميع المواطنين دون إقصاء أو تمييز من حيث الجنس أو العرق أو الدين أو المذهب، وأن يكون اكتساب العضوية متاحاً -من حيث المبدأ- لكل من اكتسب صفة المواطن في الدولة. وهو الأمر الذي قد يثير إشكالية لدى التنظيمات الدينية والطائفية والإثنية والمناطقية.ثالثاً: أن يحتكم أعضاء التنظيم في علاقاتهم الداخلية إلى شرعية نظام أساسي (دستور التنظيم)، مثلما يحتكم المواطنون إلى دستور الدولة الديمقراطية، ومقومات هذا الدستور ما يلي:-1 أن يكون أعضاء التنظيم هم مصدر السلطة ولا وصاية لفرد أو قلة من الأعضاء على القرار.-2 سيطرة لوائح التنظيم السياسي على آليات إدارة التنظيم.-3 عدم الجمع بين السلطة التنفيذية في التنظيم والسلطة التشريعية التي يجب أن يمتلكها مؤتمره العام المنتخب انتخاباً دورياً حراً ونزيهاً.-4 ضمان حرية التعبير في التنظيم وإتاحة الفرصة لنمو التيارات والأطياف داخل التنظيم وأخذها أشكالاً معترفاً بها داخلياً، وذلك من أجل نمو التنظيمات وبلوغها مستوى الكتل المؤثرة التي تسمح بالتعدد في إطار الوحدة.-5 تداول السلطة في التنظيم وفق آلية انتخابات دورية حرة ونزيهة وفعالة تؤدي إلى تداول السلطة وتجديد القيادات من القاعدة إلى القمة.-6 قبول التنظيم السياسي لوجود غيره من التنظيمات السياسية، وضبط فكره ومنهجه وبرنامجه في ضوء الحقوق والواجبات المتعارف عليها في نظم الحكم الديمقراطية.والمؤكد أن كافة هذه المقومات المطلوبة في التنظيم الديمقراطي هي أسس وضوابط رسمية وقانونية تستهدف الوصول إلى الممارسة الديمقراطية داخل التنظيم، ولكن أهميتها تتوقف على تطبيقها على أرض الواقع. كما إنها تحتاج إلى نمو ثقافة ديمقراطية داخل التنظيم وفي المجتمع. فالممارسة الديمقراطية في أي تنظيم سياسي، كما هي في الدول، مسألة نسبية. فهناك حد أدنى من المبادئ والمؤسسات والآليات التي يجب توفرها في الممارسة حتى تتصف بالديمقراطية. وبعد التأكد من وجود هذا الحد الأدنى يبقى الفرق وارداً وأحياناً كبيراً بين الممارسات الديمقراطية من حيث درجة النضج والاستقرار ونوعية الديمقراطية وفرص الارتقاء بها.* خبير سياسي/ معهد البحرين للتنمية السياسية