كتب ـ جعفر الديري: يرى البعض أن الإنسان يجب أن يظل سراً منغلقاً على نفسه، لا يستشير سوى عقله في أبسط الأمور وفي أخطرها على حد سواء، هؤلاء يؤكدون أن عقل الإنسان قادر أن يهديه إلى الصلاح وعلاج مشكلاته بهدوء وروية دون حاجة الناس. بالمقابل يعتقد آخرون أن الإنسان جزء من الآخرين، وليس من العقل في شيء أن يدعي العلم والمعرفة بكل شيء ويرغب عن نصيحة الناس الذين يحبونه، إذ إن خبرات الحياة وتجاربها أكبر من أن تحصر في شخص واحد!. وإذا كانت الحال كذلك، فمتى يمكن للإنسان أن يستشير الآخرين؟ ومتى نعد الاستشارة صحيحة ومتى نعتبرها خطئاً؟ ماذا عن المشكلات الأسرية التي تصادف الإنسان؟ هل من حق الزوج أو الزوجة الاستشارة بشأنها أم أن خروجها عن نطاق الأسرة خطأ لا يغتفر؟. ضرورة لابد منها تؤكد فاطمة عادل أنها دائمة الاستشارة للآخرين، وأكثر من تستشير أمها «نظراً لخبرتها الكبيرة بالحياة وحسن رأيها، أما زوجي فمن الطبيعي ألا أقضي أمراً دون مشورته». فاطمة تنحي باللائمة على كل من لا يستشير، وتعتبر هذا الصنف من الناس إما مغرور «شايف نفسه» أو يعاني من قصور في النظرة وخوف غير مبرر من الناس. لكنها ترى أيضاً أن هناك حدوداً للاستشارة «ما يحدث في البيت مثلاً لا يمكن أن يخرج منه إلا في أضيق الحدود». اسأل مجرب غير أن نزار حسن يخالف فاطمة في وجهة نظرها، ففي رأيه أن جميع الناس أنانيون، لا يفكرون سوى في مصالحهم!. ويتساءل «ما الفائدة من استشارة إنسان يتحفك برأيه دون أن يهتم بأمرك سوى لحظة عرض مشكلتك عليه؟ لماذا استشير أناساً يلقون برأيهم ثم ينصرفون سريعاً إلى حياتهم؟» ويضيف «بلى هناك أهل الاختصاص ممن نثق بخبراتهم العلمية والعملية، لكننا نتحدث هنا عن أناس عاديين، نستشيرهم نظراً لغبائنا، وعندما نصنع ما يقترحون نندم أننا لم نطع أنفسنا!».الاستشارة عن قوة وبالمثل لا تعول عفاف محمد كثيراً على الاستشارة، بل تنظر إليها نظرتها إلى أمور كثيرة يقوم بها الإنسان دون فائدة ترجى، ومع ذلك لا ترفض الاستشارة لكنها ترفض أن يلجأ إليها الإنسان عن ضعف. وتقول إنها قرأت مقالاً قديماً لرئيس تحرير مجلة العربي الكويتية أحمد زكي ذكر فيه أنه يستشير كي يقيس مدى صواب رأيه فقط، وليس لأنه محتار أو متردد بأمر ما. وبشأن المشكلات الأسرية تضيف عفاف «الحقيقة أنني أرفض الاستشارة في هذا المجال، أرفض أن تذهب الزوجة لأمها أو أبيها لتطلعها على أمور تحدث بينها وبين زوجها راغبة في حلها، يمكنها بدلاً من ذلك الذهاب إلى مراكز الاستشارات الأسرية حيث القائمين عليها من ذوي الخبرة وأصحاب شهادات، مطلعين على كثير من المشكلات وبإمكانهم توجيه الزوجين لسبل الحل الصحيح». ما خاب من استشار من جهته يبين ياسر محمود أن الحياة بمجملها قائمة على الاستشارة، وأن الإنسان مدين لمشورة الناس في كل خير عم الناس في القديم والحديث. ويزعم ياسر أن كل مآسي الحياة مذ خلق نبينا آدم عليه السلام وحتى اليوم كانت نتيجة الاستبداد بالرأي ويقول «صدق من قال من استبد برأيه هلك».ويوضح محمود «الاستشارة واجبة حتى في نطاق المشكلات الأسرية لكن بشروط، منها أن تكون الحل الأخير عندما يعجز الزوجان، وأن يتم الاتفاق بين الزوجين على شخص المستشار، وأن يكون رائدها الإصلاح وليس الضيق والضعف، عندها فقط يمكن أن تنجح الاستشارة».