كتب ـ أمين صالح:في أبوظبي وتحت إدارة السينمائي مسعود أمرالله، نجحت ظاهرة «مسابقة أفلام من الإمارات» وعبر دوراتها السنوية، في استقطاب العديد من التجارب السينمائية من الإمارات المتحدة وأقطار الخليج الأخرى، وأبرزت مواهب عدد من السينمائيين الإماراتيين في مجالات الإخراج وكتابة السيناريو والتصوير وغيرها، ممن أثبتوا حضورهم القوي في المهرجانات العربية.لا أستطيع الزعم أني متابع جيد لمسيرة السينما الخليجية، لكن من خلال مشاهدة عدد من الأفلام الطويلة والقصيرة، أنتجها سينمائيون من دول الخليج، بإمكان المرء أن يقرر أن هناك محاولات طموحة، وتوجهات جادة لتحقيق أفلام تريد أن تقول أشياء عن واقعها، وأن تعبر بأدواتها البسيطة وإمكاناتها المحدودة عن هموم معينة أو عن أحلام بعينها، وهناك أسماء تحاول جاهدة وبجدية، أن تقدم شيئاً مختلفاً وملفتاً على مستوى التقنية والمضمون. عموماً التحسن والتطور لا يتحققان إلا عبر تراكم التجارب وتعدد المحاولات.عندما نتطرق إلى السينما في البحرين، لابد أن نشير عبر النظرة التاريخية، إلى خلفيات المشهد والمكونات التي غرست حالة الشغف بالسينما. تعرفت البحرين على العروض السينمائية التجارية في وقت مبكر قياساً إلى بقية الدول الخليجية، كان ذلك عام 1937 مع تأسيـــس أول صالة للسينما باسم «مسرح البحرين» تعرض غالباً الأفلام المصرية.ومنذ أوائل الأربعينات شهدت البحرين افتتاح عدد من دور العرض السينمائي، كانت تعرض الكثير من الأفلام الهندية والمصرية والأمريكية ذات الطابع التجاري، وعادة تلقى رواجاً عالياً، بسبب الافتقار إلى وسائل الترفيه والتسلية الأخرى إبان تلك الفترة. في عام 1968 تأسست شركة البحرين للسينما، واحتكرت امتلاك دور العرض، وشيدت صالات أخرى جديدة أكثر تطوراً وفخامة، واجتذبت بعروضها جمهوراً واسعاً أخذ يتزايد رغم المنافسة الشديدة من التلفزيون والفيديو.مع دخول أشرطة الفيديو إلى السوق البحرينية بات بإمكان المتلقي أن يعثر على ضالته من الأفلام العالمية التي لا تعرض تجارياً في منطقتنا. ويحسب للمراكز الثقافية التابعة للسفارات الأجنبية في البحرين دورها في تمكين المشاهد البحريني من حضور إبداعات سينمائية لافتة من خلال احتفاليات وأسابيع الأفلام التي تنظم بين فترة وأخرى.في موازاة ذلك، تأسس نادي السينما في السبعينات، حيث كان يعرض أفلاماً ذات نوعية مختلفة عن الأعمال السائدة، لكنه توقف بعد سنوات قليلة، ليعاود نشاطه في بداية الثمانينات، عبر تأسيسه من جديد بعناصر مختلفة، ولتستمر فعالياته حتى يومنا هذا، واستطاع النادي إصدار ثمانية أعداد من نشرة سينمائية متخصصة لتتوقف بعدها نهائياً.فيما يتصل بالإنتاج المحلي للأفلام، كانت شركة البحرين للنفط «بابكو» أول جهة تبادر إلى إنتاج أفلام سينمائية وثائقية وإخبارية تصور مظاهر من الحياة اليومية في البحرين، إضافة إلى الأحداث العامة والاحتفالات والأنشطة الرسمية والأهلية، بدءاً من عام 1961. في عام 1966 بدأ المخرج والمنتج خليفة شاهين، الذي يعد من رواد السينما في البحرين، والذي تخرج من معهد الفنون في بريطانيا عام 1965، في إنتاج وإخراج أول جريدة سينمائية في البحرين، وحقق عدداً من الأفلام الوثائقية بدءاً بفيلم «كشمير تنـــادي» 1967، وفي عــــام 1971 أســـس خليفة شاهين شركة إنتاج خاصة باسم «الصقر للإنتاج»، من خلالها قدم عدداً من الأفلام الوثائقية مثل «في ربوع لبنان» 1967 و«اليـوم القومي» 1973، و«صــــــور جزيرة» 1975، و»أناس في الأفق» 1976، و«الموجة السوداء» 1977. في بداية السبعينات قدم المخرج الشاب علي عباس مع صديقه مجيد شمس عدداً من الأفلام الدرامية القصيرة، تعتمد الحركة «الأكشن» ضمن طابع ميلودرامي، والمصورة سينمائياً بكاميرا 8 مليمتر، مثل «الغريب» 1972، «الرجال الثلاثة» 1974، «انتقام» 1975، «غـدار يـــا زمـــن» 1975، و«ذكريات» 1978.في موازاة تلك التجارب الجنينية في المجال الدرامي القصير، بدأ الشاب بسام الذوادي قبل أن يلتحق بمعهد السينما بالقاهرة لدراسة الإخراج وأثناء فترة دراسته، في تحقيق عدد من الأفلام الدرامية القصيرة مثـــل «الوفـــاء» 1975، «الأعمـى» 1976، «الأجيـــال» 1977، «الأخويـــــــن» 1977، «القنـــاع» 1981، «ملائكة الأرض» 1983، «الاعتراف» 1984. عبر هذه الأفلام بـــدا الذوادي أكثر اقتراباً من مشكلات الواقع وقضاياه من علي عباس ومجيد شمس اللذين تأثرا بأفلام «الأكشن» والمغامرات. في عام 1990 وبعد سنوات طويلة من خوض المخرج الكويتي خالد الصديق تجربة إنتاج وإخراج أول فيلم درامي طويل في السبعينات، تمكن بسام الذوادي من إنتاج وإخراج أول فيلم درامي طويل في البحرين بعنوان «الحاجز»، ومع كوادر فنية بحرينية غير احترافية، تعتمد بالدرجة الأولى على خبراتها في العمل الدرامي التلفزيوني. وبسبب عدم توفر جهات منتجة وممولة للأفلام السينمائية، وانعدام أي دعم مادي من مؤسسات حكومية، مثل وزارة الإعلام أو هيئة التلفزيون، والافتقار إلى قنوات من خلالها يمكن التواصل مع جهات أجنبية ممولة، كان يتعين على الذوادي أن ينتظر أكثر من 10 سنوات حتى ينجز فيلمه الثاني «زائر» 2003 ثم «حكاية بحرينية» 2007، وحتى هذه اللحظة لايزال الذوادي يبحث عن منتج لفيلمه الرابع.