أوضح الداعية الإسلامي الشيخ د.علي محمد الصلابي أن الله سبحانه وتعالى ذكر ثلاث مراتب للعقوبات «عدل، وفضل، وظلم»، لافتاً إلى أن مرتبة العدل يشار إليها بجزاء سيئة بسيئة مثلها، لا زيادة ولا نقص، فالنفس بالنفس، وكل جارحة بالجارحة المماثلة لها، والمال يضمن بمثله.وأضاف الصلابي أن مرتبة الفضل تظهر من خلال العفو والإصلاح عن المسيء، ولهذا قال سبحانه وتعالى (فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ) يجزيه أجراً عظيماً وثواباً كثيراً، وإذا كان الجاني لا يليق بالعفو عنه وكانت المصالحة الشرعية تقتضي عقوبته، ففي هذه الحال لا يكون مأموراً به، وفي جعل أجر العافي على الله مما يهيج على العفو وأن يعامل العبد الخلق بما يحب أن يعامله الله به، فكما يحب أن يعفو الله عنه فلْيعفُ عنهم، وكما يحب أن يسامحه الله فلْيسامِحْهم.وأشار الصلابي إلى أن مرتبة الظلم، ذكرها الله في قوله (إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) الذين يجنون على غيرهم ابتداءً، أو يقابلون الجاني بأكثر من جنايته، فالزيادة ظلم، كما إن العقوبة في هذا الخصوص تأتي حسب قوله تعالى (إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُوْلَئِكَ لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ) أي إنما تتوجه الحجة بالعقوبة الشرعية، لمن ظلم وبغي على الناس في دمائهم وأموالهم وأعراضهم، بما هو موجع للقلوب والأبدان بحسب ظلمهم وبغيهم.وتابع الصلابي بتأكيده على فضل الصبر، متناولاً قوله تعالى (وَلَمَن صَبَرَ) على ما يناله من أذى الخلق (وَغَفَرَ) لهم بأن سمح لهم عما يصدر منهم (إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ) أي من الأمور التي حث الله عليها وأكدها، وأخبر أنه لا يلقاها إلا أهل الصبر والحظوظ العظيمة، ومن الأمور التي لا يوفق لها إلا أولو العزائم والهمم وذوو الألباب والبصائر، فإن ترك الانتصار للنفس بالقول أو الفعل من أشق شيء عليها، والصبر على الأذى والصفح عنه ومغفرته ومقابلته بالإحسان أشق وأشق، ولكنه يسير على من يسره الله عليه، وجاهد نفسه على الاتصاف به، واستعان الله على ذلك، ثم إذا ذاق العبد حلاوته ووجد آثاره تلقاه برحب الصدر وسعة الخلق والتلذذ فيه.وقال «يقول الله تعالى مبيحا للعدل، ونادباً للفضل والإحسان (وَإِنْ عَاقَبْتُمْ) من أساء إليكم بالقول والفعل (فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ) من غير زيادة منكم على ما أجراه معكم (وَلَئِن صَبَرْتُمْ) عن المعاقبة وعفوتم عن جرمهم (لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ) من الاستيفاء، وما عند الله خير لكم وأحسن عاقبة».وأضاف أن الله جل وعلى أمر رسوله بالصبر على دعوة الخلق إليه، والاستعانة به على ذلك، وعدم الاتكال على النفس فقال (وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللهِ) هو الذي يعينك عليه ويثبتك (وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ) إذا دعوتهم فلم تر منهم قبولاً لدعوتك، فإن الحزن لا يجدي عليك شيئًا، (وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ) أي شدة وحرج (مِّمَّا يَمْكُرُونَ)، فإن مكرهم عائد إليهم، وأنت من المتقين المحسنين، والله مع المتقين المحسنين بعونه وتوفيقه وتسديده، وهم الذين اتقوا الكفر والمعاصي، وأحسنوا في عبادة الله بأن عبدوا الله كأنهم يرونه، فإن لم يكونوا يرونه فإنه يراهم، والإحسان إلى الخلق ببذل النفع لهم من كل وجه.ولفت إلى أن جمع من المفسرين تحدثوا عن أسباب نزول الآية السابقة وما يليها من آيات إلى آخر سورة النحل، بأنها نزلت في أعقاب غزوة أحد، وروى الحافظ البزار عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف على حمزة بن عبدالمطلب حين استشهد فنظر إلى منظر لم ينظر أوجع للقلب منه، وقد مثل المشركون به، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لقد كنت وصولاً للرحم، فعولاً للخيرات، والله لولا حزن من بعدك عليك، لسرني أن أتركك حتى يحشرك الله من بطون السباع، أما والله لأمثلن بسبعين منهم مكانك، فنزلت هذه الآية، فكفر رسول الله عن يمينه.وشدد على أن شدة الحاجة إلى العمل بمعاني تلك الآيات عند الرغبة في التشفي، وتأكيد دعوة القرآن إلى الصبر، سبب تكرار نزولها كما ذكر بعض العلماء، فنزلت يوم أحد، ونزلت عند فتح مكة، والحكمة في تكرير نزولها، مضيفاً أن هذه الآيات دعوة إلهية إلى الصبر والاحتمال، وهي دستور مفيد للإنسان وللجماعات والأمم، وسواء كان نزولها في غزوة أحد أو عند فتح مكة أو عند حياة المسلمين بمكة قبل الهجرة، فإن معانيها عامة وأوامرها وآدابها مطلوبة للحياة والأفراد.