توقع رئيس مرصد «تحاور» التابع لمجموعة «حقوقيون مستقلون» سلمان ناصر، أن يتابع الحوار الوطني في البحرين عقد جلساته غداً وفق ثوابت جديدة أساسها الأمن ونبذ العنف من قبل جميع الأطراف المشاركة بالحوار ومنها الجمعيات الخمس وبمقدمتها «الوفاق»، لافتاً إلى أن أحداث العنف والإرهاب الأخيرة ألقت بظلالها على الحوار المرتقب.وقال سلمان في التقرير الثامن الصادر عن «تحاور» ويتناول حصاد جلسات الحوار السابقة، إن توصيات المجلس الوطني الأخيرة الداعمة لفرض مزيد من الإجراءات ضد أعمال العنف والتحريض والإرهاب تؤثر على المرحلة المقبلة من الحوار.وأضاف أن الحوار شهد 23 جلسة بدأت بتاريخ 10 فبراير 2013 وحتى توقفها بتاريخ 26 يونيو 2013، مشيراً إلى أن جلسات الحوار السابقة شهدت مراوغة مباشرة من جانب المعترضين «الجمعيات الخمس»، التي تدفع بعدم التقدم بالحوار لمناقشة جدول الأعمال والسعي لتعطيل الحوار. ونبه إلى أن الجمعيات الخمس تستغل فكرة الاستفتاء لتحقيق مآرب خاصة لا تحقق مقومات الوحدة الوطنية في المجتمع البحريني، لافتاً إلى أن مطالبة الجمعيات الخمس وبمقدمتها الوفاق بموضوع الاستفتاء يأتي كطلب استباقي قبل أن يتم تحديد السؤال أو الموضوع المستفتى عليه.وأكد أن الاستفتاء حق مشروع كفله الدستور، مستدركاً «لكن هذا الحق له ضوابط محددة منصوص عليها في الدستور البحريني، وأن أطراف الحوار ممثلة في السلطتين التنفيذية والتشريعية والإتلاف الوطني والجمعيات الخمس لم يتوافقوا على التحكيم للاستفتاء».وقال إن جمعية الوفاق الإسلامية تهجمت على مشروع الدولة المدنية في البحرين من خلال رفضها الارتكاز على المقومات الشرعية للنظام السياسي البحريني القائم على ميثاق العمل الوطني والدستور والتشريعات والقوانين والأنظمة واللوائح الناظمة للحياة العامة في المملكة.واتهم سلمان الجمعيات الخمس منذ مشاركتها في الحوار، بمحاولة إقصاء المستقلين من السلطة التشريعية، وهو ما رفضته باقي أطراف الحوار، الأمر الذي يعرقل جهود الحوار للخروج بتوافقات تخدم المصلحة العامة.وعد سلمان ما شهدته البحرين بعد توقف جلسات الحوار من استمرار مسلسل العنف والإرهاب على أيدى الجماعات المتطرفة المدعومة من الجمعيات الخمس وبمقدمتها جمعية الوفاق، لاسيما التفجيرات النوعية التي استهدفت المواطنين والمقيمين الآمنين ورجال الأمن العام، دليلاً على عدم وجود رغبة حقيقية من جانب المعترضين بالحوار على المضي قدماً نحو إخراج البلاد من دوامة العنف المعرقلة لجهود المصالحة الوطنية.وتناول مرصد حوار التوافق الوطني «تحاور» في تقاريره السابقة رصد الإعلامين المحلي والدولي، وتقييم أداء المتحاورين على طاولة الحوار، وأبرز المحاور والموضوعات المطروحة للنقاش، وتأثير العنف والإرهاب على الحوار. وشهدت الجلستان الأولى والثانية -حسب التقرير- من الحوار التوصل إلى توافقات تمثلت في اعتماد صيغة الحوار وليس التوافق، وأن التفاهمات تكون على أساس التوافق وليس المغالبة، إلى جانب ضرورة تقبل جميع أطراف الحوار لكافة الآراء المطروحة أثناء جلسات النقاش. واتفقت الأطراف المتحاورة ممثلة في السلطتين التنفيذية والتشريعية والإتلاف الوطني والجمعيات الخمس على أن الحكومة طرف أساس في الحوار وأن وزير العدل هو المكلف برفع التوصيات لجلالة الملك المفدى.إلا أن هذه التوافقات سرعان ما انقلبت عليها الجمعيات الخمس برفضها لها منذ الجلسة الثالثة للحوار، وزجها بالاستفتاء الشعبي كشرط للاستمرار في الحوار، إلى جانب مطالباتها المستمرة في إطلاق سراح المتهمين في قضايا جنائية تمس الأمن الوطني والوحدة الوطنية، ومنهم تم إصدار أحكام قضائية بحقهم.وتم التوافق خلال الجلسات الأولى على تشكيل فريق عمل مصغر، وعقد هذا الفريق 3 جلسات ناقشت آليات ضبط الجلسات ومخرجات الحوار وآلية تنفيذها ووضع إطار زمني لها ضمن المؤسسات الدستورية القائمة، ووضعت قائمة مقترحة لموضوعات جدول الأعمال متضمنة تطوير السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية ومبدأ التعددية والوحدة الوطنية والدولة المدنية واحترام وصون حقوق الإنسان والدولة المدنية ومكافحة الفساد بكافة أشكاله وصوره والعدالة الاجتماعية والأمن والعنف والإرهاب والجمعيات السياسية.ورغم تقديم العديد من الأوراق خلال جلسات الحوار، إلا أن الجمعيات الخمس لاتزال تعترض على الدخول في مناقشة جدول الأعمال، وتصر على الدفع بالحوار ليأخذ مسارين، الأول يتمثل في استكمال مناقشة الموضوعات المتوافق عليها، والمسار الثاني يتمثل في استكمال مناقشة الموضوعات غير المتوافق عليها.ومن منطلق التذكير بمجريات حوار التوافق الوطني 2013 الذي يستأنف جلساته غداً بعد إجازة شهر رمضان المبارك، يسرد المرصد أبرز حصاد جلسات الحوار.اهتمام إعلاميإن استكمال حوار التوافق الوطني 2013 في محوره السياسي كان الحدث الأبرز إعلامياً داخل البحرين وخارجها خلال فبراير الماضي، كما إن أخبار الحوار طغت في الإعلام الخليجي والعربي والدولي بعد أحداث العنف والأعمال الإرهابية التي ارتكبتها مجموعات خارجة عن القانون في البحرين. وغطت أكثر من 250 وسيلة إعلامية خارجية موضوعاً إلى 3 موضوعات بشأن حوار التوافق الوطني 2013، وهو مؤشر يدل على أن أخبار الحوار طغت على أعمال العنف والإرهاب في البحرين.وأثبت تفاعل القوى السياسية والإعلامية والشعبية داخل البحرين وخارجها تجاه حوار التوافق الوطني 2013، أن الحوار هو المطلب الشعبي والدولي للخروج من أعمال العنف في البحرين. مساحة آمنة للتحاورويشكل طرف السلطة التنفيذية طرفاً مكملاً من أطراف حوار التوافق الوطني 2013، حيث إن الحكومة تمثل النمط الأول من أنماط المتحاورين وهم «المحركون»، فالحكومة صاحبة المبادرة وفرت البيئة الآمنة وخصصت لها صفة التمثيل المتساوية مع باقي المتحاورين في الحوار، ولم تستحوذ على أي جانب من جوانب الحوار.وخلال جلسات الحوار تبينت مؤشرات للهدم في الحوار، حيث تكشفت لدى طرف «المعترضون» وهم الجمعيات الخمس بزعامة جمعية الوفاق الإسلامية، وجود مسوقات راديكالية دينية وأساليب مبتذلة تقلل من شأن المتحاورين، إلى جانب التبعية المفرطة على أساس مذهبي، وتبرير ممثلي هذه الجمعيات الخمس لأعمال العنف والإرهاب التي تشهدها عدة مناطق وقرى في البحرين أثناء لقاءاتهم الصحافية وحديثهم لوسائل الإعلام قبل وبعد جلسات الحوار.ودأبت الجمعيات الخمس إلى التشكيك في نتائج الحوار والتقليل من المكونات الأخرى للحوار، ومنها دعواتها لإقصاء المستقلين، إلى جانب تقديم الطلبات بصورة فجائية وليست ضمن نقاط النقاش. وعمدت إلى محاولات الرجوع عما تم التوافق عليه، وهو ما ظهر جلياً منذ الجلسة الثالثة للحوار، واستخدام المناورات والمحادثات المستترة، إلى جانب زيادة عدد المشاركين من إحدى الجمعيات بشكل تدريجي، وعدم تغليب المصلحة العامة على المصالح الحزبية.فاعلية الأطراف المشاركةوشهد حوار التوافق الوطني 2013 ظهور شخصيات فاعلة على طاولة الحوار من كل الأطراف المشاركة بالسلب والإيجاب، حيث كان وزير العدل الشيخ خالد بن علي آل خليفة الفاعل الرئيس عن طرف الحكومة «المحركون»، وكانت عضو مجلس الشورى دلال الزايد المشارك الرئيس عن طرف المستقلين «المصححون»، فيما جاء عبدالله الحويحي متداخلاً رئيساً عن الائتلاف الوطني «المدركون»، وعبدالنبي سلمان أبرز المبادرين لوضع المعوقات عن الجمعيات الخمس «المعترضون» في الحوار.وفي ما يتعلق بمشاركة طرف الحكومة في جلسات الحوار، انتهى المرصد إلى أن أبرز المشاركين كان وزير العدل ثم وزير التربية والتعليم وأخيراً وزير الأشغال على التوالي، حيث كان لوزير العدل أبرز المداخلات ولاقت تفاعلاً من باقي المشاركين على طاولة الحوار من حيث مضمون وقانونية الطرح، ما أدى إلى إثراء جلسات الحوار بالمداخلات والنقاشات، كما اتصف حديث وزير العدل باحتوائه لأفكار متباينة أفضت إلى نقاشات حادة بين المتحاورين.محاولات تشويه الصورةوتأثر حوار التوافق الوطني 2013 بتطور المشهد الحقوقي في البحرين، حيث لم يأتِ محض الصدفة التحشيد لإصدار البيانات عن المملكة بمجلس حقوق الإنسان من قبل حكومات أجنبية ومنظمات دولية حقوقية، بل سعت قوى «معترضة» داخل البحرين وخارجها إلى استغلال أدوات حقوق الإنسان من أجل تحشيد قوى ضغط دولية تهدف إلى تحقيق مكاسب سياسية تخدم رؤى وتطلعات هذه القوى، وهذا المسعى من قبل القوى «المعترضة» يحدد معالم لخارطة صراع يجمع قوى «متضادة» تتمثل في طرفين هما القوى «المعترضة» والمؤسسات الرسمية «الحكومة» من جهة أخرى بصفتها الطرف المستهدف للتأثير عليه من قبل الطرف الآخر. ولم تتعاطَ كل من وزارة حقوق الإنسان والمؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان مع الموضوعات التي أنشئت من أجلها بشكل يعزز أهدافهما، كما إن البعثات الدبلوماسية البحرينية في الخارج لم توفق في التأثير على الرأي المحلي في البلدان العاملة فيها لصالح حشد التأييد الدولي المساند لموقف الحكومة في المجالات الحقوقية، إلى جانب ضعف الأداء الإعلامي للبعثات الدبلوماسية البحرينية الذي لعب دوراً في غياب تأثير هذه البعثات.قوى سياسية تتعمد الإضرار ورغم مشاركة الجميع في حوار التوافق الوطني 2013، إلا أن ما تشهده البحرين منذ العامين الماضيين من أعمال عنف مستمرة بشكل يومي أدى إلى الإضرار بالاقتصاد الوطني البحريني، ووصل تأثير الضرر إلى المؤسسات الصغيرة والمتوسطة ذات الأهمية الكبيرة للاقتصاد الوطني والتي تدعمها الرؤية الاقتصادية البحرين 2030، ووضعت لها مختلف البرامج والمشاريع، كما إن أعمال العنف المدعومة من بعض الجمعيات السياسية المتطرفة والمنابر الدينية، أصبحت تؤثر بصورة غير مباشرة على إيجاد أية حلول من شأنها أن تسهم في رفع الأجور وتحسين الأوضاع المعيشية للمواطن البحريني.إن ما يميز تجربة البحرين في حوار التوافق الوطني، وجود قاعدة مشتركة يمكن للمتحاورين البناء عليها للدخول في مرحلة جدول الأعمال، إلا أن الجمعيات الخمس بقيادة جمعية الوفاق، تعمل على تعطيل الدخول في مناقشة جدول الأعمال، عبر وضع شروط مسبقة تعيق الجهود الرامية إلى تدعيم فرص إنجاح الحوار، ومن هذه الشروط الدعوة إلى وقف المحاكمات السياسية -حسب زعمهم- وإطلاق سراح السجناء الصادرة بحقهم أحكام قضائية، وإرجاع المفصولين إلى أعمالهم من الكادر الطبي، والمطالبة بتمثيل الحكم في الحوار، والدعوة لوقف التحريض الإعلامي والمطالبة باستبعاد المستقلين من الحوار.ومما لاشك فيه أن التوصيفات التي أطلقها «المرصد» حول أطراف الحوار تتوافق تماماً مع تفاعل كل طرف على طاولة الحوار، حيث أن الحكومة هم «المحركون» بسبب دفعهم لإنجاح الحوار، وأن المستقلين هم «المصححون» بسبب ثقافتهم القانونية وتصديهم لما يضر بالمصلحة الوطنية، وأن الجمعيات الخمس بقيادة الوفاق هم «المعترضون» الذين يعترضون طريق الحوار بوضع شروط تأزيمية مسبقة، وأن الإتلاف الوطني هم «المدركون» بسبب إدراكهم لما تتطلبه المرحلة المقبلة من مشروعات من شأنها أن تعزز لمستقبل مشرق في المملكة.ومن الملاحظ أن مجموع ما قدمته الأطراف الثلاث المشاركة في الحوار «المستقلون والجمعيات الخمس والإتلاف الوطني» من مقترحات لجدول أعمال الحوار بلغ 33 مقترحاً تم تصنيفها في 14 موضوعاً رئيساً، حيث تشترك هذه الأطراف في 9 من أصل 14 موضوعاً رئيساً لجدول أعمال الحوار، أي أن نسبة التشابه بين مقترحات جدول الأعمال تبلغ 64%، وتعتبر هذه النسبة مرتفعة جداً لمتحاورين يختصمون على طاولة حوار وطني.وخلال الجلسة الأخيرة 23 لحوار التوافق الوطني تاريخ 26 يونيو 2013، توافقت أطراف الحوار على إضافة بعض المبادئ كعناوين، وتشمل دعم وكفالة حقوق المرأة البحرينية في كافة المجالات، والعدالة الاجتماعية، والعدل أساس الحكم وضمان للحقوق والحريات، والمساواة بين المواطنين أمام القانون في الحقوق والواجبات دون تمييز، إضافة إلى مبدأ المحاسبة، واحترام وتنفيذ توصيات اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق ومجلس حقوق الإنسان في جنيف التي وافقت عليها البحرين، كما توافقت أطراف الحوار على استكمال مناقشة ما تبقى من المبادئ والثوابت والقيم في الجلسات المقبلة.واستمرت الجمعيات الخمس في عرقلة الحوار عبر مطالبتها المزعومة بالتمثيل المتكافئ على طاولة الحوار، والتي تتمثل في استبدال أعضاء مجلسي الشورى والنواب بثمانية أعضاء مستقلين من الشخصيات الوطنية بحيث يتم التوافق عليهم بين الجمعيات الخميس والإتلاف الوطني.وطالبت الجمعيات الخمس خلال مؤتمرها الصحافي بإطلاق سراح المحكومين في قضايا جنائية تمس الأمن الوطني، هذا بجانب عدم قبولهم لمشاركة المستقلين وقالوا إنهم سيجرون محادثات جانبية، وسلمت منسقية الجلسات في هذه الجلسة، جميع محاضر جلسات الحوار للأطراف المشاركة، وتتضمن كل ما توافق عليه وما لم يتم التوافق عليه والموضوعات غير المحسومة.