أكد علماء وشيوخ دين أن «التعاون على البر والتقوى، كلمة جامعة للخير كله، وقد أمر الله سبحانه وتعالى عباده بالتعاون على البر والتقوى ونهاهم عن التعاون على الإثم والعدوان حيث قال سبحانه وتعالى في سورة المائدة: «وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب»، موضحين أن «المسلم ولي أخيه، والمسلمة ولية أختها، وهذا واجب على الجميع وعلى كل منهم أن يدل أخاه على الخير وينصح له ويحذره من كل شر، وبذلك تتحقق الولاية من المسلم لأخيه بالتعاون معه على البر والتقوى، والنصيحة له في كل شيء يعلم أنه من الخير، ويكره له كل شيء يعلم أنه من الشر ويعينه على الخير وعلى ترك الشر».وشددوا على أنه «جدير بكل مسلم وكل مسلمة في أنحاء الدنيا أن يحفظوا هذا العمل وأن يعنوا به كثيراً، لأن ذلك يترتب عليه بتوفيق الله صلاح المجتمع، وتعاونه على الخير، وابتعاده عن الشر، وإحساسه بالمسؤولية، ووقوفه عند الحد الذي ينبغي أن يقف عنده».التواصي بالحق والصبرمن جهته، قال مفتي السعودية الراحل الشيخ الدكتور عبدالعزيز ابن باز إنه «قد جاء في هذا المعنى نصوص كثيرة منها قوله عز وجل: «والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر»، فهذه السورة العظيمة القصيرة اشتملت على معانٍ عظيمة من جملتها التواصي بالحق وهو التعاون على البر والتقوى، والرابحون السعداء في كل زمان وفي كل مكان هم الذين حققوا هذه الصفات الأربع التي دلت عليها هذه السورة، وهم الناجون من جميع أنواع الخسران».وقال الشيخ ابن باز «ينبغي لكل مسلم أن يحققها وأن يلزمها وأن يدعو إليها وهي الإيمان بالله ورسوله إيماناً صادقاً يتضمن الإخلاص لله في العبادة وتصديق أخباره سبحانه، ويتضمن الشهادة له بالوحدانية ولنبيه صلى الله عليه وسلم بالرسالة، وتصديق أخباره عليه الصلاة والسلام، كما يتضمن العمل الصالح، فإن الإيمان قول وعمل يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية عند أهل السنة والجماعة، فالإيمان الصادق يتضمن قول القلب واللسان وعمل القلب والجوارح، وعمل القلب بمحبة الله والإخلاص له وخوفه ورجاءه والشوق إليه ومحبة الخير للمسلمين مثل دعائهم إليه، كما يتضمن العمل الصالح بالجوارح وهو قول وعمل يزيد بالطاعة وينقص بالمعاصي».وذكر أن «العمل الصالح يتضمن أمراً ثالثاً وهو التواصي بالحق وهو داخل في العمل الصالح وداخل في الإيمان، ولكن نبه الله عليه فأفرده بالذكر بياناً لعظم شأنه، فإن التواصي له شأن عظيم وهو التعاون على البر والتقوى والتناصح في الله وإرشاد العباد إلى ما ينفعهم ونهيهم عما يضرهم، وكذلك يدخل في الإيمان أيضاً الأمر الرابع وهو التواصي بالصبر، فاشتملت هذه السورة العظيمة على جميع أنواع الخير وأصوله وأسباب السعادة». وأوضح أن «التعاون على البر والتقوى معناه التعاون على تحقيق الإيمان قولاً وعملاً وعقيدة، فالبر والتقوى عند اقترانهما يدلان على أداء الفرائض وترك المحارم، فالبر هو أداء الفرائض واكتساب الخير والمسارعة إليه وتحقيقه، والتقوى ترك المحارم ونبذ الشر، وعند إفراد أحدهما عن الآخر يشمل الدين كله. فالبر عند الإطلاق هو الدين كله، والتقوى عند الإطلاق هي الدين كله كما قال عز وجل: «ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر» إلى قوله تعالى: «أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون»، وقال تعالى في آيه أخرى: «ولكن البر من اتقى». وأشار الشيخ ابن باز إلى أن «التعاون على البر والتقوى هو تعاون على تحقيق ما أمر الله به ورسوله قولاً وعملاً وعقيدة، وعلى ترك ما حرم الله ورسوله قولاً وعملاً وعقيدة، وكل إنسان محتاج إلى هذا التعاون أيما كان ذكراً كان أو أنثى، حيث تحصل له السعادة العاجلة والآجلة بهذا التعاون والنجاة في الدنيا والآخرة والسلامة من جميع أنواع الهلاك والفساد».ولفت إلى أنه «على حسب صدق العبد في ذلك وإخلاصه يكون حظه من هذا الربح، وعلى حسب تساهله في ذلك يكون نصيبه من الخسران، فالكل بالكل والحصة بالحصة، فمن لم يقم بهذه الأمور الأربعة علماً وعملاً تركه الخير كله ونزل به الخسران كله، ومن فاته شيء من ذلك ناله من الخسران بقدر ما فاته من تحقيق هذه الأمور الأربعة». وأوضح أنه «لا ريب أن أهل العلم أولى الناس بتحقيق هذه الأمور وذلك بالتعاون على البر والتقوى عن إيمان وصدق وإخلاص وصبر ومصابرة، لأن العامة قد لا يستطيعون ذلك لعدم فقههم وعلمهم، ولا يستطيعون إلا الشيء اليسير من ذلك على حسب علمهم، ولكن أهل العلم لهم القدرة على ذلك أكثر من غيرهم وكلما زاد العلم بالله وبرسوله وبدينه زاد الواجب وزادت المسؤولية وفي هذا المعنى يقول عز وجل: «والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر»، فكون بعضهم أولياء بعض يقتضي التناصح والتعاون على البر والتقوى والتواصي بالحق والصبر عليه والحذر من كل ما يخالف هذه الولاية ويضعفها». وشدد على أن «المؤمن ولي أخيه وولي أخته في الله، والمؤمنة كذلك ولية أختها في الله وولية أخيها في الله، وهذا واجب على الجميع، وعلى كل منهم أن يدل أخاه على الخير وينصح له ويحذره من كل شر، وبذلك تتحقق الولاية منك لأخيك بالتعاون معه على البر والتقوى، والنصيحة له في كل شيء تعلم أنه من الخير، وتكره له كل شيء تعلم أنه من الشر وتعينه على الخير وعلى ترك الشر، وتفرح بحصوله على الخير، ويحزنك أن يقع في الشر لأنه أخوك، ولهذا يقول عليه الصلاة والسلام: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه» متفق عليه من حديث أنس رضي الله عنه، ويقول عليه الصلاة والسلام: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً وشبك بين أصابعه» متفق عليه، ويقول النبي عليه الصلاة والسلام أيضاً: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى». فهذه الأحاديث الثلاثة وما جاء في معناها أصول عظيمة في وجوب محبتك لأخيك كل خير، وكراهتك له كل شر ونصيحتك له أينما كان وأنه وليك وأنت وليه كما قال سبحانه: «والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض»، وفي هذا المعنى أيضاً ما رواه مسلم في صحيحه من حديث تميم الداري رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الدين النصيحة» قيل: لمن يا رسول الله؟ قال: «لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم».وخلص إلى أنه «في هذا الحديث العظيم إخبار النبي عليه الصلاة والسلام أن الدين كله النصيحة، والنصح هو الإخلاص في الشيء وعدم الغش والخيانة فيه، فالمسلم لعظم ولايته لأخيه ومحبته لأخيه ينصح له ويوجهه إلى كل ما ينفعه ويراه خالصاً لا شائبة فيه ولا غش فيه».10 فوائد من جهته، قال الشيخ أحمد بن علي برعود أنه «من المبادئ التي دعا إليها الإسلام وأرسى دعائمها، مبدأ التعاون على البر والتقوى وعدم التعاون على الإثم والعدوان»، مشيراً إلى أن «التعاون على البر والتقوى واجب ديني وضرورة اجتماعية كما قال ابن خلدون في مقدمته «الإنسان مدني بالطبع أي لابد له من الاجتماع»».وذكر أن «الناس إذا أقاموا مبدأ التعاون على البر والتقوى بينهم جلب لهم فوائد عظيمة، أبرزها، إمكان إنجاز الأعمال الكبيرة التي لا يقدر عليها الأفراد، وشعور الفرد بالقوة ونزع، شعور العجز من نفسه، ودليل حب الخير للآخرين، ومواجهة الأخطار المحدقة بالإنسان ممن حوله من الإنسان والحيوان، كما إنه يعد ثمرة من ثمرات الإيمان فضلاً عن كونه حاجة ملحة للإنسان، ويعد أساس التقدم والإنتاج والنجاح والتفوق، كما يعتبر من ثمرات الأخوة الإيمانية، وينزع الحقد من القلوب الضعيفة ويزيل أسباب الحسد، ويعد طريقاً موصلاً إلى محبة الله ورضاه وجنته، كما إنه سبب من أهم أسباب الألفة والمحبة بين الناس».