بلوحات عن الحجر والبشر في إطار عرض «بازل» الراقص للمصمم البلجيكي المغربي سيدي العربي الشرقاوي، اختتمت مهرجانات بعلبك الدولية التي أقيمت استثنائياً في مصنع تراثي للحرير في الضاحية الشمالية لبيروت، حيث تمايلت أجساد 11 راقصاً على أنغام الترانيم والموسيقى الروحية التي قدمتها الفنانة اللبنانية فاديا طنب الحاج، وفرقة «آ.فليتا» الكورسيكية، والعازف الياباني كازوناري ابي.وقالت طنب الحاج بالفرنسية في بداية العرض إنه «تحية إلى أرواح الضحايا الذين سقطوا في لبنان وفي المنطقة العربية، وضد المأساة التي تحصل على الأرض، وضد عروش الطغاة الزائلة، وضد استخدام الأسلحة التي تسبب دماراً كبيراً، وضد عالم يدخل في الكفر والانحلال». وختمت بالقول إن «الحب أقوى من الموت».وعلى مدى ساعة و45 دقيقة من التنوع المشهدي، ووسط عالم الكوريغراف البلجيكي المغربي الذي يضج بالحركة ويطرح من خلاله أسئلته الدينية والسياسية والميتافيزيقية، توالت اللوحات الراقصة في «بازل» التي تحاكي الإنسان في جو من الموسيقى الليتورجية الكورسيكية والشرقية، من سريانية وبيزنطية.وتوزعت على الخشبة ألواح مربعة رمادية ومكعبات تشبه الحجارة، استخدمها الراقصون في لوحاتهم بطرق مختلفة.وفي بداية العرض كما في نهايته ندخل عبر الفيديو من باب إلى آخر من غرفة إلى أخرى إلى أن يصطدم الراقصون بالحائط، فيحطمون الجدار بأجسادهم، ويحولونها درجاً، ويموتون ويحيون، وتتمايل أجسادهم بتناغم وتتماوج باتجاه واحد وباتجاهات عدة، كأنها سلاسل بشرية.أجساد معذبة، ترجم بالحجارة، تسمر وتصلب، تتسلق القمة ثم تهبط. ويظهرها الشرقاوي أنها من حجر، تنحت وتتفتت. وفي إحدى اللوحات يدخل في تكوين الإنسان بيولوجياً مستعيناً بالفيديو. ولا يتوانى عن أن يحول الألواح جداراً كبيراً كتب عليه أحد الراقصين بالعربية «لبنان رسالة تعايش وسلام «وسرعان ما يسقط لمصلحة مشهد آخر.لكل جسد دوره ومكانته في «بازل»ويبدو بالفعل صورة مركبة أو أحجية (بازل) تماماً كما الألواح والمكعبات التي تشكل ديكوراً متحركاً ومتكاملاً سرعان ما يخربه الشرقاوي من مشهد إلى آخر ويعيد تركيبه من جديد مظهراً انعكاسات الأشياء.ولعل من أجمل المشاهد تلك التي يستخدم فيها الحصى ليضرب الآخر، أو يستخدمها كشمعة في أجواء صوفية، أو لتشكل خلفية موسيقية.وأضفى العازف الياباني المعروف كازوناري ابي نكهة خاصة على المشاهد الراقصة، عازفاً حيناً على الفلوت وحيناً آخر على الإيقاع.وكمنت ضخامة العرض أيضاً في موسيقاه التي تقوم على ستة أصوات ذكورية لفرقة «ا.فيليتا» الكورسيكية التي ترافق الشرقاوي منذ العام 2003 ، وعلى صفاء صوت فاديا طنب الحاج من دون موسيقى في معظم الأحيان. وقد أنشدت الحاج بالعربية وبصوتها الأوبرالي الذي يمزج تقنية الغرب بروح الشرق، ترانيم من الطقس البيزنطي الشرقي عن الموت وقيامة المسيح، وأخرى تمجد السيدة العذراء.وخصصت الحاج أغنية لبعلبك على لحن ترتيلة «يا مريم البكر» تقول فيها:» يا بعلبك غدوتِ اللحن والوتر وكل فن يحاك الخلد والكبر».وقالت الحاج إن «بازل» هو «مفصل على قياس» صوتها والنوع الغنائي الذي تؤديه. وأضافت:»طلب مني سيدي العربي الشرقاوي أن أقدم له 25 ترنيمة بيزنطية وسريانية ومارونية لكي يختار منها للعرض، إضافة إلى ترانيم باللاتينية والكورسيكية».وعن فكرة الرقص على أنغام ترانيم دينية، شددت طنب في حديث إلى وكالة فرانس برس على أن «ثمة حرية تعبير في الرقص المعاصر، لا تحد نفسها في لون واحد، ويمكن مثلاً الرقص على ألحان باخ وعلى أنغام الجاز وعلى موسيقى مقدسة، ولكن بعضهم يقدم ذلك بشكل محترم وآخرون بشكل غير محترم».وأبدت طنب تفهمها اعتراض بعض السلطات الكنسية في لبنان على هذه الفكرة، لكنها أضافت: «ليسوا على خطأ ولكن حصل بعض التسرع ربما. هم يخشون أن تستخدم الموسيقى المقدسة لأهداف مؤذية تطاول رموزاً دينية. أما بازل فهو عمل بصلبه يحترم الدين، وفيه روحانية. وسيدي العربي الشرقاوي فنان حساس جداً ولا يستعمل المقطوعات الدينية إنما يستلهم منها».وسبق لفاديا طنب الحاج أن تعاونت مع الشرقاوي في العام 2007. وقد استخدم أعمالاً مسجلة لها سابقاً ووضعها في تجهيز فيديو عرض في افتتاح متحف الاغتراب في باريس.كذلك أطلت الحاج في 82 حفلة من عرض عنوانه «اوريجين « في العام 2008 ، وفي «بابل» حلت محل مغنية إيطالية في 12 حفلة.وسيدي العربي الشرقاوي (37 عاماً) من أبرز وجوه الجيل الجديد في الرقص المعاصر، وهو من أب مغربي وأم بلجيكية، وسبق أن قدم في لبنان في العام 2011 عرضه «بابل» ضمن مهرجانات بيت الدين.
لوحات حجر وبشر في «بازل»
01 سبتمبر 2013