صدرت للشاعر والكاتب اللبناني عبده وازن رواية جديدة بعنوان «غرفة أبي»، وهي ذات طابع تجريبي، تنطلق من السيرة الذاتية لتنفتح على أفق من السرد القائم على خطوط عدة، توظف تقنيات عدة مثل فن الرسالة والمونولوغ والذكريات، وتستحضر بعض المرجعيات الروائية العربية والعالمية التي تناولت صورة الاب.بعد غياب جاوز الأربعين عاماً، يجد الراوي نفسه منكباً على كتابة رسالة إلى والده الراحل وقد أصبح أصغر سناً من ابنه. يشرع الراوي في كتابة رسالته لأبيه، مع علمه بأن الأب لن يقرأها البتة. ويبدو من جهة كأنه يكتب لوالده ولكن في الوقت عينه قد يكون يتوجه إلى نفسه.هوية المرسل إليه لا تقف حائلاً أمام القارئ، لأن الرسالة نفسها تخرج في هذا العمل من سياقها الروائي المعروف، لتغدو حيلة سردية ذكية يتمسك بها الكاتب لاستعادة حياة والده، ومن خلاله حقبة تاريخية تمتد إلى ما بعد موته بعقود.رسالة عبده وازن إلى أبيه لا تمثل في روايته هذه أكثر من جسر عبور إلى حميمية ذكرياته الفردية والعائلية والجماعية. ويأتي غياب المخاطب وحضور المتكلم الصريح ليحولا الرسالة إلى ما يشبه المونولوغ الداخلي.ولعل الراوي أراد من خلال هذه التقنيات التي استخدمها (الرسالة، المونولوغ، السرد داخل السرد...) أن يعوض نقصاً في علاقته مع الوالد الذي عاش معه كطيف، وليس كأب.ومن خلال هذه السيرة المتعددة المرجعيات، يبحث الراوي عن صورة الأب كما تجلت في نصوص روائية وسردية، عربية وعالمية، طالما شغلته بما تحمل من ملامح مستعارة للأب المفقود والمفتقد.صورة الأب التي يرسمها عبده وازن فيها من ملامح الآباء الذين عرفهم، وعرفناهم، في الأدب العربي والعالمي، لكنها تبتعد عنهم أيضاً لتتجلى أخيراً كصورة متخيلة عن الذات، ذات الراوي.فالابن لم يعرف أباه، لكن فكرة الأب سكنته حتى صار هو أكبر من والده. تنتمي «غرفة أبي» إلى نوع الأدب الذاتي الذي يزاوج بين الواقع والخيال، والسيرة والسرد، وقد وضعها الكاتب تحت مسمى رواية سيرة ذاتية أي رواية أوتو بيوغرافية، علماً أنها تستجيب في شكلها العام لكل شروط الرواية.بين الهنا والهناك، بين الأنا والأنت، بين الماضي والحاضر، ينسج الراوي محادثاته مع أب بالكاد يذكر ملامحه. فيسرد في روايته التجريبية هذه سيرة مزدوجة، سيرته الذاتية متقاطعة مع سيرة أبيه المجهول، والذي يسعى إلى التعرف إليه ورسم صورة له.والجدير ذكره أن «غرفة أبي» (منشورات ضفاف -بيروت ومنشورات الاختلاف- الجزائر) تمثل امتداداً لرواية «قلب مفتوح» لوازن التي صدرت في العام 2010.