كتب ـ عبدالرحمن محمد أمين:جاسم بوطبنية من رجالات المحرق، عاش وترعرع بين حواريها وأزقتها، وفي صندقة جده النهام أحمد تعرف على أهل الفن الشعبي الخليجي، قبل أن يؤسس لاحقاً مجلس عائلة بوطبنية.ويجزم بوطبنية أن المجالس ليست للوجاهة بل لتقوية الروابط الاجتماعية وزيادة الألفة والمحبة بين الناس، وأن المجلس يكتسب سمعته الحسنة عندما يكون صاحبه على قدر عال من تحمل المسؤولية.جاسم علي أحمد بوطبنية من رجالات المحرق، عاش حياة بسيطة بعيدة عن الرفاهية منذ ولادته عام 1960 بمدينة المحرق، ويذكر جاسم من الطرائف عند ولادته أن والده اختار له اسم جاسم أما والدته فأطلقت عليه اسم عادل.في بداية حياته وكحال أقرانه في تلك الفترة ـ أدخل جاسم لدراسة القرآن الكريم عند عمته المطوعة عائشة البوحسن «كنا خليطاً من الأولاد والبنات، ودرست القرآن لفترة عند المطوع راشد بوحمود، وعندما انتقلت العائلة للسكن في منطقة حالة أبوماهر واصلت دراستي للقرآن الكريم عند مطوعة يطلق عليها اسم لطيفة وهي والدة الأخ محمد عبدالغفار العلوي».ومن العادات والذكريات في تلك الفترة أنه بعد تخرج الشخص من تكملة أو ختم القرآن تقام له حفلة، حيث يدار به على بيوت الفريج وهو مرتد للباس العربي التقليدي، ويلتف حوله أبناء الفريج صبياناً وبنات وهم يرتدون أحلى الملابس المزركشة «كنا نحصل على بعض النقود والحلويات من أصحاب البيوت».ذكريات الماضييقول جاسم إن استعداد الناس لاستقبال شهر رمضان في الماضي كانت جميلة، وكانت النسوة تستعد لتجهيز حاجات رمضان وإعداد قدور الطبخ قبل فترة من مقدم الشهر الفضيل «كنت أشاهد الرجال ينظفونها ويلمعونها، وتزين المساجد استعداداً لإقامة صلاة التراويح، وكنت أشاهد قبل الإفطار تبادل الأطباق الرمضانية بين أهل الفريج، وفي طفولتي كنت أفضل شراب اللومي في محل أبناء الحادي المميز في صناعتها». في عام 1967م سجل جاسم بوطبنية في مدرسة الخليل بن أحمد «كان عمري عندها 7 سنوات، وبعدها انتقلت إلى مدرسة عبدالرحمن الناصر، وأتذكر من المدرسين إبراهيم الدوي وحسن عجلان وعلي الفحل للرياضة وخليفة الشوملي وسالم بوحمود وعبدالرحمن الشوملي وحسن البناء وخميس الشروقي، ومن الطلبة أذكر عبداللطيف المقهوي وطارق المريخي وخليفة الرميحي».انتقل بعدها إلى مدرسة الهداية الخليفية لسنة واحدة فقط «تركت الدراسة بعد تقاعد الوالد لمساعدة العائلة في تحمل تكاليف المعيشة، والتحقت عام 1977 بالعمل في دائرة الموانئ بوزارة المالية، وكنت أستغل وقت فراغي في الدلالة والمقاولات البسيطة، إلى أن افتتحت مكتباً خاصاً بي أسميته (فرجان لول للمقاولات والدلالة) إحياء وحباً لفرجان المحرق القديمة التي عشت أحلى أيام عمري بين جدرانها وأزقتها، وبعد تقاعدي عن العمل افتتحت مؤسسة (جاسم بوطبينه للمقاولات) ومازالت قائمة إلى اليوم».مجلس جاسم بوطبنيةلما شاهده جاسم في طفولته وصباه وشبابه من العلاقات الودية والمحبة بين أبناء المحرق العريقة خاصة والبحرين عموماً، دارت في رأسه فكرة افتتاح مجلس خاص يلم الأصدقاء من كافة مناطق البحرين «في عام 2010 بدأت فكرة قيام جمعية تضم المجالس الأهلية وأطلق عليها حينها اسم رابطة، ثم تغير اسمها إلى جمعية وأشهرت رسمياً، وكان أول عمل لنا وأفخر به هو كتابة وثيقة العهد والولاء لمليكنا المفدى في احتفال شعبي كبير وحاشد أقيم في قلعة عراد»، وتقدم بوافر الشكر والتقدير لسمو رئيس الوزراء لتشريفه بزيارة المجلس. طموحات وأمانأثناء عمله في وزارة المالية كانت لديه الرغبة والطموح لتكملة دراسته، وكان أن التحق بمدرسة الشيخ عبدالعزيز بأم الحصم في المعهد البريطاني للغة الإنجليزية، وعمل بعدها في جامعة الخليج العربي مدة عامين، وفي عام 1980 تزوج جاسم ابنة أحمد إبراهيم، وهو يشكر الله أن أنعم عليه بثلاث بنات هن مريم وفاطمة وموزة وولد واحد اسمه أحمد.كيس القرقاعونعن ذكرياته خلال شهر رمضان يقول جاسم «الإعلان عن ولادة هلال رمضان يكون نبأ يفرح كل عيال الفريج أولاداً وبنات، أما الاستعدادات قبل رمضان فتحرص الأمهات على التبضع من دكان جاسم والذي كان يطحن البزار، وكذلك تصفير القدور، وتستعد المساجد لهذه المناسبة العظيمة بوضع الماء في «الحِب»، ورش ماء الورد على المصلين أثناء صلاة التراويح والعود والطيب، وتزيين المساجد احتفالاً بمقدم الشهر الفضيل، وتقدم بعض المساجد وجبة إفطار». وكانت العوائل البحرينية تتبادل الأطباق الرمضانية الشعبية طيلة الشهر «كان لدينا في المحرق من الأمور المشهورة بعد صلاة التراويح يمرون على محل «عيال الحادي» والمختص في بيع «شربت لومي» الليمون المعروف والمميز، وكذلك الزلابيا في شويطر، وأما المقاهي فتبيع شاي الليمون والحليب، وفي الحي تقام الاحتفالات في الشوارع بالطبول أو «القواطي»، وفي ليلة النصف من رمضان تكون احتفالية «القرقاعون» احتفالية بطعم مختلف».كان والد جاسم يخيط لأبنائه وأصدقائهم أكياساً مزينة لجمع «القرقاعون»، وحين تقترب نهاية شهر رمضان تتم وداعية كبيرة وضخمة لهذه المناسبة تقرع فيها الطبول وتردد ابتهالات «بين من شاركوا في الوداعيات من أصبحوا اليوم مطربين أمثال جاسم الحربان، باسل أحمد، حسام أحمد، عيال المالود، إبراهيم المسعد، حيث يتم اختيار أصحاب الأصوات المميزة والجميلة، وهناك أيضاً من يقدم ابتهالات دون قرع الطبول مثل العمة عائشة، أما استعدادات العيد فهي عيد بحد ذاته، حيث كانت ملابسنا جديدة، وهذا الأمر بحد ذاته مفرح لنا كأطفال صغار».الجد النهامكان جاسم قريباً جداً من جده نهام البحرين الأول الراحل أحمد بوطبنية وكان جده يملك ركناً لبيع المشروبات والحلويات والسجائر في سوق المحرق وكان يطلق عليها «صندقة»، وتقع قرب سوق اللحم ومبنى بلدية المحرق القديم، وكان المحل معروفاً عند أهالي المحرق، ويرتاده الكثير من أهالي المدينة، وكانت ملاذاً لتجمع أفراد فرق الفنون الشعبية البحرينية والخليجية «كنت أشاهد الفنان صالح الحريبي والفنان سعد الفرج كثيراً في صندقة جدي، وأخذت عن جدي عادة حسنة وهي البذل في وجوه الخير ومساعدة المحتاجين ومد يد العون لهم، وكانت عنده عبارة مشهورة يقول فيها.. مدها الله يعوضها».أنشطة مجلسجاسم بو طبنية عضو مؤسس لجمعية مجال البحرين ورئيس مجلس إدارتها، وعضو مؤسس لمركز شباب المحرق ونائب رئيسها، وعضو مؤسس بدار البحرين لرعاية الوالدين ورئيس لجنة العلاقات العامة والإعلام، وعضو مؤسس لجمعية المحرق للمتقاعدين.ويذكر جاسم أن أبرز إسهاماته الاجتماعية تمثلت ببروز وتميز مجلس بوطبنية، والندوات والمشاركات في كل أحداث وقضايا البحرين، واستضافة العديد من المتحاورين وأصحاب الرأي لمناقشة ما يدور على الساحة المحلية من أحداث، كذلك كان للمجلس دور بارز في رابطة مجالس البحرين وتنظيم الزيارات للعديد من الدول الشقيقة واللقاء بالمهتمين بتقوية أواصر المحبة بين أهل البحرين وإخوانهم في الخليج والوطن العربي».استضاف المجلس العديد من السفراء المقيمين في البحرين وتحديداً العرب للاستئناس بآرائهم في القضايا العربية أو الخليجية أو المحلية، فيما شارك رواد المجلس بعدة أنشطة اجتماعية وفعاليات لاقت نجاحاً منقطع النظير، دون العديد من التجمعات في المجالس «حصل مجلسنا على الإشادة على مستوى القيادة الرشيدة والهيئات الرسمية والشعبية، ومن أهم أعمالنا تنظيم حملة عمرة لمائة معتمر على نفقة صاحبة السمو الشيخة لولوة كريمة سمو رئيس الوزراء، وحصل المجلس على محبة واحترام أبناء البحرين والخليج حيث كرم العديد من الشخصيات المساهمة في الأعمال الخيرية منهم حسن إبراهيم حسن كمال أمين سر جمعية البحرين الخيرية ورؤساء الجمعيات والأندية ومراكز الشباب ودور رعاية الوالدين والعديد من رجالات البحرين المخلصين».ويذكر جاسم أنه مارس لعبة كرة القدم وكان من أبرز لاعبي مدرسة عبدالرحمن الناصر وقائداً لفريق نادي الحالة.المجالس ليست وجاهةويدعو جاسم بوطبنية أصحاب المجالس البحرينية ليكونوا قدوة حسنة ونبراساً ينيرون الطريق «الغاية من تأسيس المجالس، جمع الناس على جميع المستويات لربط البلد الواحد، وإيجاد جيل جديد يتمتع بالخلق القويم ويسعى لبناء وطن عزيز تربط أفراده أواصر المحبة والوفاء، وليس الوجاهة وجمع المال».ويعتقد جاسم أن أي مجلس يكتسب سمعته الحسنة ويزيد عدد رواده ويصبح مضرب مثل، عندما يكون صاحب المجلس على مستوى عال من الإحساس بالمسؤولية، وتصرفاته لائقة أدبياً وأخلاقياً، ولا يعطي المجال لأي كان أن يتلفظ بكلمات بذيئة لا تليق بالمجلس ورواده، وأن يكون كلامه أنموذجاً يحتذى لغيره، وألا يكون الكلام له وحده من غير إعطاء فرصة التحدث لباقي راود المجلس.ومن العادات الجاذبة للناس إلى المجالس «شعورهم باهتمام أصحابها بهم عند غيابهم، ومساعدتهم قدر الإمكان عند حاجتهم من غير تشهير، أو التعرض لهم بما لا نرضاه لأنفسنا بمجرد خروجهم، أو السكوت عن أي شخص يتعرض لآخر من رواد المجلس في حضوره، هنا ينبغي لصاحب المجلس التدخل بإيقاف الشخص المخطئ، ولو أدى ذلك إلى طرده، فأصحاب المجلس مسؤولون عن حفظ كرامة روادهم، ومن الأمور المهمة أن يكون هناك احترام بين أصحاب المجالس، فلا يجوز لأحدنا التعرض لغيره من زملائه بما يثير الحقد والكراهية بيننا، والأمر الأهم عندي أن يكون صاحب المجلس كريماً قدر استطاعته، متحملاً ما يحتاجه مجلسه، ذو نفس عزيزة لا يقبل المساهمة من أي شخص آخر ولا يكون هدفه استغلال طيبة الرواد لمصالحه الخاصة، فهذه الأمور تحطم المجالس وتقلص دورها الاجتماعي وتخفض عدد روادها».ذكرياتي مع جدي بوطبنيةومن الحوادث التي مازال جاسم يذكرها عن جده النهام أحمد بوطبنية «حدثني أحد الأصدقاء قبل فترة أن إحدى الجمعيات الأهلية الخيرية أراد أحد مسؤوليها شراء مجسم لسفينة بحرية لإهدائها لأحد أصدقائه، ذهب إلى صندقته بسوق المحرق، وكان يصنع السفن وبالفعل أعجبته إحداها وعندما طلب معرفة سعرها قال له من أنت؟ فقال له ابن فلان فما كان منه إلا أن أمر بأخذ السفينة دون ثمن، وحاول معه عدة مرات لدفعه وأوضح له أن قيمتها تدفعها الجمعية، إلا أنه رفض بإصرار وقال إن محبتي لوالدك أهم من أموال الدنيا كلها، ورأى أنه لا بد من النزول عند إرادته عندما أقسم ألا يستلم الثمن، وعرفنا بعد ذلك أن ثمنها يقارب 350 ديناراً».الصديق وبعد بضعة أيام من الحادثة، وضع مبلغ ألف دينار في ظرف وذهب إلى المحل مرة ثانية وقدم الظرف للنهام، لكنه رفض مرة أخرى استلامه «عندما أخبرت والدي بالأمر قال لنا أنا أعرف طيبة الوالد أحمد بوطبنية وعزة نفسه، فأخذ منا المبلغ واشترى بعض لوازم البيت وأخذها له كهدية حتى قبلها احتراماً لوالدي». ويواصل جاسم الحديث عن علاقته بجده النهام أحمد «كنت قريباً من جدي كثيراً والفضل بعد الله يرجع إليه في كثير من أمور حياتي، كان أيضاً يبيع في نفس الصندقة بعض الأمور مثل العلوج والسجائر والمرطبات، وكانت بالقرب من سوق السمك واللحم وبلدية المحرق، وكان محله مركزاً مميزاً ومشهوراً يلتقي فيه جميع الناس من مختلف الطبقات الاجتماعية، ومن خلال وجودي في المحل تعرفت على الكثير من الشخصيات كانت تتردد على جدي، بينهم رئيس المجلس البلدي السابق محمد بن جاسم حمادة الذي كان يعمل مع جدي في الحسابات، كونه أحد أفراد العائلة، وكانت هذه الصندقة تشكل أيضاً ملتقى لأعضاء الفرق الشعبية للفنون الخليجية، وكان من بين زواره صالح الحريبي، سعد الفرج، والفنان عوض الدوخي». والنهام يبرع في حفظ الموال واشتهر أهل الخليج بما يسمى بالموال السباعي وهو ما تكون أشطره سبعة وهناك الرباعي والخماسي والسداسي وغيرها من أنواع الموال والسباعي يعرف بالموال الزهيري.وتزداد أهمية النهام في المجتمع الخليجي وخصوصاً في ليالي السمر حيث يبرع النهام في أداء المواويل على متن سفن الغوص أو في البر والنهام يدخل في الفن الفجري وهناك أنواع كثيرة من فن الفجري ومنها الحدادي والعدساني والحساوي والمخولفي وغيرها من فنون الفجري التي ارتبط بها النهام في الخليج.أنواع النهمةويضيف بوطبنية «طالما تحدثنا عن جدي النهام لابد لنا من الحديث عن النهمة، وهي تنقسم إلى عدة أقسام لأن لكل عمل نهمة خاصة بهومن أهمها المجداف وله نوعان من النهمة خفيفة ومتوسطة حسب العمل، ثم هناك إخراج الشراع وله نهمة خاصة، والخطفة وهي عمليه رفع الشراع لحين وصوله إلى أعلى الدقل، وكلما ارتفع الشراع ارتفعت أيدي البحارة بالتصفيق مع صوت النهام، وهناك من النهمة أنواع كثيرة يتم ممارستها على سفن الغوص».ومن أشهر النهامة في الخليج فرحان أبوهيلة وراشد الجيماز وسعد بن عواد وأحمد بوطبنية وسالم العلان.