في أكثر الأماكن التي من المفترض أن تكون هادئة إلى أبعد حد، يحتدم الخلاف بين الزوج والزوجة من جهة، وبين ابن وأم قلقة على مصير فلذة كبدها السائر في طريق الانحراف من جهة أخرى.الأسرة ذاك البناء المتراص الذي يكابد من أجل الحفاظ على وحدته، وسط مجتمع يشهد تقلبات سياسية وأحداث اجتماعية متصاعدة تلقي بظلالها على أفراده، وتؤثر في مسار حياتهم اليومية وعلاقاتهم الشخصية بين بعضهم البعض، فيكون التحدي الذي يواجهونه هو كيف ينأون بأنفسهم عن كل ذلك.تلك كانت هي المحطات التي توقفت عندها مسرحية «نافذة» للمؤلف عبدالله السعداوي والمخرج الفنان ياسر القرمزي في ثالث العروض التي تشهدها الصالة الثقافية بالمنامة ضمن فعاليات مهرجان الصواري المسرحي للشباب.يقدم العمل مقاربة مهمة تسلط الضوء على واقعنا الحالي الذي تعاني فيه أسر كثيرة من التفكك، بسبب الصراعات التي تدور خارج النافذة، والتي يغلب عليها في الأساس طبيعة النظام الدولي ومسيرته في تفكيك الإنسان من قيمه الاجتماعية من جهة ومن إنسانيته وذاته من جهة أخرى.القرمزي في هذا العمل -عاد بقوة بعد غياب عن الساحة المسرحية- يشارك ممثلاً أيضاً إلى جانب إدارته لإيقاع الممثلين وأدائهم، حيث يجسد دور الأب المفصول من عمله، والذي يجالس زوجته محاولاً إقناعها بتناول الدواء للتخلص من الاكتئاب، فيما ترى في تصرفه محاولة للتخلص منها من أجل الاستحواذ على أموالها.وفي تعليقه على الأسباب التي أدت إلى انقطاعه عن المسرح طوال الفترة الماضية، قال القرمزي: «الوقت، لم أستطع توفير الوقت كالسابق، بسبب الالتزامات العائلية، فالمسرح كما تعلم بحاجة إلى تكريس كبير للوقت».غلب على العرض طابع الهدوء تمثيلاً وإخراجاً وحركة، فالمسرحية تدور أحداثها في إطار بصري أشبه بعدسة الكاميرا السينمائية، تذهب خلاله الصورة الى افق المسرح وتقرب في أحيان أخرى إلى الوسط ثم تعود مقربة إلى المقدمة. وسط إضاءة خافتة مسلطة على الحيز البصري في حين تسود العتمة باقي فضاء المسرح.أداء الممثلين كان هادئاً عاكساً طبيعة البرود العاطفي الذي يسود حياة الإنسان في ظل الحياة العصرية. وكانت كل أحداث المسرحية تدور والممثلين جالسين فوق أريكة صالة المنزل التي استخدمت كدلالة رمزية للعائلة. زوجة مكتئبة تسير في طريق الانتحارمن جهتها، قالت الممثلة فتحية ناصر عن دورها في مسرحية «نافذة»: «أؤدي شخصية زوجة تعاني من الاكتئاب ومتأثرة بكل ما يجري حولها في الخارج من أعمال عنف وحروب واضطرابات، تخشى من الاحتمالات السيئة وتفكر في الانتحار، كما أنها شديدة الحساسية ومرتبطة بابنها بشدة أكثر من زوجها الذي تعاني من فتور في علاقتها به، وتشك في أنه يريد التخلص منها للاستحواذ على أموالها، وتتهمه باتهامات مختلفة، وهي غير جادة في اتهاماتها، ولكنها دائماً ما تضع زوجها في موضع شك».وقالت فتحية: «مسرحية «نافذة» تمثل تحدياً نوعاً ما بالنسبة لي، فالتركيز في هذا العمل منصب على ثلاث شخصيات محورية فقط، وبالتالي يجب أن يكون الأداء على درجة عالية من الإتقان، ومتناغماً مع الموسيقى ومتمازجاً معها». ابن تائه بين أم وأب متناقضينويــؤدي دور الابــن في مسرحيـة «نافذة» الممثل عمر السعيدي، والذي يعيش بين أب وأم متناقضين مع بعضهما البعض وسط حالة من التوتر، فيقرر وسط هذه الأجواء الخروج من المنزل ومواجهة الشارع بسبب شعوره بالضجر والملل، ويلجأ إلى المخدرات للهروب من واقعه في المنزل.ويستكمل عمر وصف شخصيته، قائلاً: «أنا الابن الحنون على والدته، والذي يتهمه والده بأنه هو من تسبب في انتحارها بتوفيره المخدرات لها، فيأسف لأنه تركها تسير في هذا الطريق، ويتحسر لأنه أهمل مشاعرها، وفي الوقت ذاته هو بعيد كلياً عن الأب ويتقاطع معه في كثير من الأمور».الموسيقى.. الشخصية المحورية الرابعة وللموسيقى دور مهم في هذه المسرحية، حيث يؤدي العازف حامد سيف مقطوعات متواصلة على آلة التشيلو، بأسلوب يتناغم مع أداء الشخصيات الثلاث.وبحسب اعتقاده، فإن الموسيقى من الركائز الرئيسة في هذا العمل، فهي الشخصية الرابعة من ضمن الشخصيات المؤثرة فيه، تستمد أحاسيسها من أداء الممثلين، وتلوينها يعتمد على انفعالاتهم وحالتهم النفسية، وبالتالي هي تساهم في رفع أدائهم.وكانت ردود فعل المتابعين للمهرجان في يومه الثالث إيجابية، الناقد الثقافي والكاتب الصحفي علي القميش عبر عن شديد فرحه بعودة مهرجان الصواري المسرحي بعد طول انقطاع «لمتابعتي وعملي في للجنة الإعلامية في الدورات السابقة».وتابع تجربة مهرجان مخصص للشباب لبث تجاربهم يعالج الكثير من القضايا التي تخص المجتمع فهو إنجاز لاستقطاب عدد كبير من الشباب لدائرة المسرح وهو أصعب الفنون كدائرة نقد للمجتمع بقضاياه المختلفة.وتمنى القميش استمرار المسرح في تقديم التجارب وتعزيزها بورش للشباب لتبدع في إعداد الممثل وتكوينه ويتم الاشتغال على هذه الورش بحيث تمكن الفنان من الامتثال للغة المسرح الاحترافية. أما الممثل والمخرج المسرحي حسن منصور فقد قال «عرض جيد أبدعت خلاله الأخت نعيمة وكذلك الأخ ياسر وهو غني عن التعريف فهو فنان ممتاز ومبدع كما فاجأني بأدائه الجميل». وتابع كان عرضاً جيداً اعتمد اللغة السينمائية لشغف ياسر بالسينما وكانت الكادرات محصورة والحركة بسيطة لا تحوي أي تكلف».الكاتب والسيناريست فريد رمضان رأى أن عودة مهرجان الصواري هو أحكم قرار تم اتخاذه من قبل مجلس إدارة المسرح، و بإعادته تم تنشيط المواهب الشبابية، وفتحت آفاق جديدة للأعمال والأفكار الإبداعية التي تسلط الضوء على الطاقات الشبابية التي افتقدناها، وبهذه العروض رجع زخم الإبداع.أما الناقدة المسرحية زهرة منصور فقالت «إعادة إحياء مهرجان الصواري وبإمكانيات أكبر هو إنجاز يحسب لمسرح الصواري».وتابعت «تكريس هذه التجربة لسليط الضوء على الشباب تحديداً هو ما يميز المهرجان، إضافة إلى روح المنافسة التي تفرضها المسابقة».