كتب ـ عبدالرحمن صالح الدوسري:شخصية جميلة متعددة المواهب، أحبها كثيرون من الناس العاديين وزملاء المسرح والفن. عبدالله يوسف الممثل والمخرج المسرحي والتلفزيوني، والرسام الذي فاز بعدة جوائز مهمة، لايزال حاضراً وملهماً، وقادراً على العطاء.وعبر كتاب «سيرة المسرح» للزميل موسى حسن، نقرأ أن عبدالله يوسف من مواليد 1948، فنان متفرع الاهتمامات، ومتعدد المواهب، عضو مؤسس بمسرح أوال، وله العديد من المشاركات بمعظم مجالس إداراتها ولسنوات عدة، هو أيضاً عضو مؤسس بجمعية البحرين للفنون التشكيلية ويشغل حالياً منصب نائب الرئيس، وهو عضو مؤسس في نادي البحرين للسينما.عبدالله يعشق الحديث في لقاءاته الصحافية عن مسرح أوال فيقول في إحدى زياراته لصلالة عندما تم تكريمه «انبثق مسرح أوال في سبتمبر 1970 كضرورة مستحقة في مرحلة زمنية مفصلية زاخرة بالفكر والفن والثقافة وإنكار الذات والتضحية، واضطلع فعلاً وحقيقة بدور تنويري طليعي تطلبته سبعينيات القرن الماضي بزخمها الثقافي، والسياسي، والاجتماعي، ومجمل أعماله المسرحية وحضوره اللافت شواهد، حاليًا تبدو الكيانات والأوضاع الفنية والثقافية والسياسية والفكرية والاجتماعية، في المنطقة العربية آيلة إلى بعثرة مدروسة وتشرذم مقصود، ومسرح أوال بإمكاناته التطوعية العامة المحدودة، لا يملك ما يستطيع به المساهمة في درء تصحرّ فني، وتفتت ثقافي، وابتذال فكري، يعملون جميعاً بعلم ودراية على نخر نظام ثقافة حيوية أصيلة سادت وأنجزت!واحد في 2 أو 7 يقول عبدالله عن اهتماماته المتعددة إن «تعدد الاهتمامات والمواهب في ذات واحدة يقتضي أيضاً التحلي بالمسك بأكثر من صناعه وكما يقال في مجتمع الآباء قديماً «سبع صنايع والبخت ضايع» هو مثل ينبئ عن عجز الإنسان وتوقف طموحه وهذا ما أنا أرفض أن أكون فيه وعليه حتى الآن، برغم أن كثيرين يرون استحالة مسك أكثر من رمانتين في يد واحدة، بينما أرى أن يدي تسع الرمان كله.ويضيف عبدالله «في كل الأداءات والاشتغالات الفنية أجد ذاتي، وأحاول المزاوجة والمداخلة بين القيم الفنية والفكرية والتقنية التي يتأسس فيها، ويحتويها كل شكل فني أمارسه وأحاول الاجتهاد في إتقانه، إلى الحد الذي يكون فيه جدير بالاهتمام والاعتبار والحبّ عند المتلقي الذي هو الهدف الأسمى، هنا أنا لا أجد عبدالله في السينوغرافيا هو غيره في التشكيل أو الإخراج المسرحي أو الدرامي أو حتى عبدالله ممثلاً أو حتى مؤلفاً في المسرح لكنني أجده نفس الإنسان الذي ينقل صور مجتمعه الذي عايشه أو الذي سبق وأن تعلمه من جيل الآباء الذين سبقونا وأسسوا لنا .العمل التشكيلي في الفراغ ويقول عبدالله «الرهافة واللياقة واللباقة والحساسية والدقة المتناهية والبصيرة والبصر وملكة الملاحظة الخاطفة والمتأنية كلها أمور أجد من الضرورة أن يحتويها وجدان المبدع، ولا يمكن بأيّ حال في رأيي الفصل بين العمل التشكيلي والسينوغرافيا، فكلاهما واحد متداخل منبثق من مواقع القبح والجمال في الإنسان والكون، ومن وعي البصيرة وملكات البصر لدى الفنان الذي يرى فضاء المسرح لوحة، وفضاء اللوحة عمقاً سينوغرافياً محرضاً على إيجاد معادل جذاب، يحتوي القيم الدرامية والبصرية الأخاذة.«وجوه» تعددتوحول تجربة «وجوه» وتصميمه وتنفيذ السينوغرافيا لهذا العمل الجميل وكيف قرأ عملاً مرّكباً بتلك الصعوبة وأعاد تشكيله في الفراغ بتلك الجمالية العالية يقول إن «المعرض تجربة استثنائية أقترحها على الحركة التشكيلية في البحرين، الفنان التشكيلي المتميز إبراهيم بوسعد. الذي حين دعاني إلى محترفه لمشاهدة التجربة حملني مسؤولية أن أكون جديراً بابتكار شكل جديد مغاير لعرض تلك الأعمال التشكيلية على الجمهور، وأثناء تأملي الأعمال وتجوالي بين الوجوه المعلقة المتفاوتة الارتفاعات والأحجام، قلت لإبراهيم بوسعد إن إقامة معرض لمثل هذه الأعمال، يحتاج إلى إخراج، فرد على يديك ولهذا الغرض دعوتك! تعدد المواهب والاهتمامات والاشتغالات الفنية، كان الفضل الأكيد في ولادة فكرة بلورة وتصميم وتنفيذ فضاء مميز خاص، يجمع بين التشكيل، والصوت، والكلمة، والسينوغرافيا، والتمثيل، والموسيقى. بمعنى الولوج إلى عالم الإخراج بمعناه الشامل الواسع، لتحقيق معرض لأعمال تشكيلية يتجاوز في شكله وفضائه وتفاصيله، كل السائد والمكرر، والمتعارف عليه في معارض الفنون التشكيلية. اتفقت وبوسعد على دعوة مبدعين آخرين، لمعاينة تجربته، وربما توريطهم بها، فحضر الشاعر قاسم حداد، والموسيقي خالد الشيخ، والمخرج عبدالله السعداوي، وبذلنا جميعاً أفكاراً، أو مساهمات إبداعية، حققت تلك الفرصة البصرية والسمعية المدهشة، التي أسميناها (وجوه). وبفضل صدفة تواجده في البحرين فترة انهماكنا في الإعداد للوجوه، لا تفوتني التفاتة حق واجبة نحو مساهمة الشاعر العربي الكبير أدونيس، الذي ساهم معنا بكل الحب ّوالشغف في توظيف ملكة الصوت المدهشة لديه في قراءة أشعار قاسم حداد. وفق هارمونية أدائية أتاحت للفنان خالد الشيخ استثمارها وتوظيفها بذكاء لافت ضمن اشتغالاته التلحينية والأدائية، على نصوص حداد الشعرية، ولقد فتحت تجربة (وجوه) التشكيلية، التي ابتكرها أساساً في سرّية وصمت التشكيلي البارز إبراهيم بوسعد، أفق الولوج بها إلى المسرح، بعد أن تضافرت وتداخلت معها إبداعات أخرى، أهلتها لصياغة عرض مسرحي تحت عنوان «وجوه» الذي تبناه مسرح أوال، وتم عرضه في إحدى دورات مهرجان المسرح الخليجي التي أقيمت في دولة الكويت العام 1997، وحازت جوائز أفضل إخراج. ويضيف أن «تجربة والسينوغرافيا باختصار شديد تعني وجوب إيجاد فضاءات موحية آسرة، دالة على الأزمنة، والأمكنة الواقعية والمتخيلة، والمناخات والأحاسيس، والخيالات والرؤى، سواء ما يقتضيه العمل المسرحي، أو السينمائي، أو التلفزيوني. ولتحقيق مجمل ذلك يقتضي توظيف الطاقات البصرية المستمدة من الضوء، والظل، ومعطيات الفنون التشكيلية، والخامات الطبيعية، أو ما يماثلها، وإضفاء ما يقتضيه أو يستدعيه الفعل المسرحي أو السينمائي، من التكوينات والدلالات الموحية، والأبعاد الواقعية أو الرمزية، التي تقود إلى جذب المتفرج، وشحذ خياله، وإعمال فكره منذ وهلة العرض الأولى وحتى النهاية. لقد انبثق مصطلح السينوغرافيا وبات متداولاً بين المسرحيين لدينا إثر انعطاف التجربة المسرحية الخليجية، نحو عوالم التجريب ودهاليزه ومتاهاته، التي حسب رصدي ولدت عند المسرحيين حالة من الشغف بمصطلح السينوغرافيا.«ولهان يا محرق» ويؤكد عبدالله أن «ولهان يا محرق» هو عرض فرجوي تراثي تم عرضه في ساحات وأزقة مدينة المحرق العتيقة في البحرين أغسطس 2009 -اليوم يمر أهلنا في البحرين بمتغيرات سياسية كبيرة نسأل الله أن يحفظ أوطاننا- وقد أعددت وأخرجت الفرجة التراثية «ولهان يا محرق» في فضاء سينوغرافي معماري تراثي أصيل مفتوح على كل الناس التي تجوب الأزقة والطرقات و»البرايح»، وهو فضاء قد أعدّ سلفاً بسواعد أهل مدينة المحرق العتيدة في البحرين ربما في النصف الثاني من القرن الثامن عشر أو قبله أو بعده بقليل، وكل ما أضفته إلى ذلك الفضاء، هي مقتضيات الفرجة والمعايشة والإدهاش الفني من التقنيات المرئية، والضوئية، والسمعية والبصرية، وبعض من أزياء أهل البحرين في تلك الفترة الزمنية، وحشد من الممثلين والفنيين والفرق الشعبية والمجاميع. هذه الفرجة التي دام عرضها لليال ثلاث استمتع بها وتجاوب معها جمهور البحرين بكل فئاته، إضافة إلى السياح، العرب والأجانب، لكنها ظلت تجربة يتيمة واحدة رغم مطالبة الحضور بإقامة مثلها كل عام في المحرق، وسائر قرى ومدن البحرين، لكن للأسف لم تحظ التجربة باهتمام من يعنيهم أو من بيدهم أمر استثمار مردودها الوطني والفكري والثقافي والتراثي والحسي في الناس. ومن هنا ندخل على خط مقاربة الفن بالسياسة والعكس، بمعنى أن المشاريع الفنية الحيوية على شاكلة «ولهان يا محرق» التي تعيد وتستعيد وتستحضر وتمجد وتحكي الإرث والتاريخ والقصص والحكايات والأحداث والمواقف الوطنية وتنبش وتفتش في مجمل ذاكرة الوطن، هي في الوجوه والأبعاد المتعددة للسياسة، وجه أو بعد سياسي إيجابي آخر لم تحمله وتفرزه من مضامين ومواقف ورؤى وطنية ينبغي -بل يجب- دعمها وتكريسها ومنحها أقصى فضاءات الحرية في التناول والطرح والتنفيذ وفق أعمال فنية مفتوحة على الناس في كل عام.الفن التشكيلي والمسرح عبدالله يجد نفسه في كافة هذه الفنون «أرى الفنون جميعها خيوط نسج لقماشة واحدة هي الإبداع، وإذا كان كل فن منفرداً بذاته في أزمنة خلت، فإنّ الفنون جميعها تتقاطع، وتتداخل، وتتجاوز، وتتمازج، ويكمل بعضها الآخر حالياً.. وأن الفنون البصرية على الأخص هي الأبرز تداخلاً وتلاحماً ومزاوجةً في عصرنا الراهن، وسيزداد حضورها ووهجها وطغيانها على ما عداها مستقبلاً. والمتلقي خاضع منذ الآن لسطوة وهيمنة الفنون البصرية وتجلياتها، وما الإبداع السينمائي المعاصر، والوسائط البصرية الحديثة إلا دليل دامغ على ذلك. لقد أسعدني جداً الفوز بجائزة أفضل سينوغرافيا في عمان لسببين، الأول أن عمان في ذاتها، وطبيعتها، وأجوائها، وجمالها، تمثل سينوغرافيا استثنائية ملهمة للفنان.. والثاني أني عرفت الإنسان العماني عن قرب فأدهشني بعلو أخلاقه وتواضعه وإنسانيته وثقافته وبديع تعامله، فأحببت عمان جداً، وأجد أني محظوظ إلى حد بعيد كوني فزت بجائزة السينوغرافيا في عمان، وأعود إليها الآن وبعد أحد عشر عاماً لأسعد بالتكريم على أرض صلالة.. إنها مصادفة مفرحة مدهشة.شهادات الزملاءيقول الشاعر قاسم حداد بحق عبدالله يوسف «أحب دائماً اعتباره ذخيرة ورشة الفنون، كلما كان الحديث عن العمل الجماعي الذي يستحوذ عليه مثل السحر فهو يعتبر من بين القليلين الذين شاركوا في تأسيس وإطلاق عدد المشاريع الثقافية والفنية. كنت قد حضرت بداياته الجديدة في الرسم فقط، وكنت أتعلم معه ألف باء الفن في تلك الستينات الحميمة، ومن بين أغلى ما أحتفظ به من لوحات في بيتي بعض تلك التجارب المبكرة النادرة التي حققها عبدالله». أما الفنان محمد عواد زميل عبدالله على خشبة «مسرح أوال» فيقول: كان هو الجذوة الأولى التي أسهمت في بلورة فكرة تأسيس مسرح أوال، وأعود إلى الستينات وأحداث أيلول الأسود كنت قد انفصلت عن أسرة هواة الفن، وكونت مع نفر من الأصدقاء والزملاء فرقة غير رسمية نمارس هواياتنا للمسرح في النادي الأهلي، وذات يوم أخبرني صديقي المقرب المرحوم بدر القصير أن زميلاً له يعمل في البنك لديهم فرقة مسرحية في أحد الأندية الصغيرة في المحرق يدعونا إلى زيارتهم فقمت بتلبية الزيارة سعيداً، فلاحظت أن من أتعرف عليه يحمل بيده فرشاة ألوان كبيرة، تأكد لي أنه فنان تشكيلي، وليس مسرحياً، وتشاء الأقدار أن تكون تلك الزيارة والالتقاء بذلك الفنان وآخرين من هواة الأدب والتمثيل هي الشرارة الأولى لتأسيس مسرح أوال العام 1970.ومن جانبه يقول الشاعر علي الشرقاوي: كل متابع للفن التشكيلي والمسرح في البحرين، يعرف أن عبدالله يوسف شكل محطات مسرحية مهمة، فهو منذ مشروع (الثعلب والعنب) الذي لم ير النور، ومسرحية (أرض لا تنبت الزهور) قد وضع أسساً لمسرح جديد مغاير لما هو مألوف. ثم جاءت مسرحية (البراحة) ثم بعدها (بنت النوخذة) لتضع ملامح التصور الشعبي المختلف أيضاً للمسرح الكوميدي في البحرين محولاً النص إلى فعل ينطق بالكثير على خشبة المسرح البحريني».وكذلك يقول السيناريست أمين صالح: عندما تكتب عن عبدالله يوسف فأنت تستحضر تاريخاً من الرفقة الحميمة، والتعاون المثمر في مجال الفن، والأحلام المشتركة التي استعصى الكثير منها على التحقق لكنها عزّزت روح الصداقة والمحبة والاحترام فينا.. عبر تاريخ يمتدّ من ضفاف السبعينات، حيث كان التواصل شاباً وطرياً وعلى أشدّه، وحتى ضفاف يومنا هذا الذي يعتريه تواصل خجول، لكنه لايزال قوياً في العمق، مثلما يعتريه انقطاع موجع فرضته الظروف، نملؤه مرّة بالحنين والتذكر، ومرة بالسؤال: ماذا يفعل الآن، هذا الصديق الذاهب نحو أكثر من أفق، الخائض في مياه الأمل بقدم، وطين اليأس بقدم، ترافقه أحلام لا تكفّ عن مناوشته وتحريضه».«بنت النوخذة» عشقت النخاستقول الفنانة أحلام محمد: ذات مساء على خشبة مسرح صالة الجفير، كان نخاس يبيع السلطان، فأنقذت رقبته من سيف الجلاد بخدمة بسيطة. فما كان منه، إلا أن أجلسني على عرش الزباء. وإمعاناً منه في تكريمي، وهبني ثلاث دررٍ ملأت حياتي بهجة وسعادة.. فزاد مملكتي ثراءً بوفير حبه ورعايته التي أسبغها علي. عبدالله يوسف.. هذا الكريم الأبي الذي لم يبخل يوماً بوده وعطفه، أكبر فيه الصدق والتفاني والإخلاص عند تصديه لعمله الفني، أياً كان هذا العمل.. ويعطيه من الجهد والوقت والصبر ما ينفي خصلة البرود أو البطء في الإنتاج التي طالما رؤوها نقيصة تلازمه وأراها دقة! ونهاراً متصلاً بليل حتى يغشى عليه لعدم نومه لأيام متواصلة.. حرصاً منه لتقديم الأفضل وفي موعد.. ومع ذلك تكفيه ساعتا زمن ليعاود نشاطه دون ككل أو ملل.