بنا: عروبة البحرين حقيقة لا مراء فيها، وانتماؤها الجذري للمنطقة أمر لا يقبل الجدل، ووقوفها بجانب دول العالم العربي، خاصة تلك التي قد تتعرض لأزمات تهدد وحدتها، قضية لا يمكن التشكيك فيها، ولعل مواقف المملكة الحيوية والواضحة إزاء العديد من ملفات الإقليم يثبت هذا المعنى ويرسخه، فقد بات للبحرين وزنها ومكانتها التي لا يمكن لأحد أن ينكرها أو ينزعها عنها.والمدقق في تحركات العاهل المفدى الدبلوماسية، والتي تتنوع بين الشرق والغرب، وتتوزع ما بين دول العالمين العربي والإسلامي، فضلاً عن القارة الآسيوية وغيرها، ومباحثاته العديدة هنا وهناك، يمكن أن يستوعب لماذا هذا الاهتمام التي أضحت الكثير من الدوائر السياسية توليه لمواقف البحرين المختلفة وتحركات قادتها واتصالات مسؤوليها، التي وضعتها جميعها على قائمة الدول الأكثر قدرة في تشبيك تحالفاتها ودعم علاقاتها وتعزيزها مع دول العالم كافة.وفي وقت لم تمر فيه إلا أيام معدودات عقب زيارته للصين، التي حظيت باهتمام كبير، جاءت زيارة العاهل المفدى للقاهرة، لتؤكد على أن توسيع وتأطير علاقات المملكة بقادة النمو الجديد في آسيا وفي غيرها، لا يعني الانفصال مطلقاً عن دائرة الانتماء الأولى والأساسية لها، وهي الدائرة العربية، وأن البحرين نظراً لما تعرضت له من أحداث على وعي بما يحاك ضد دول المنطقة من مؤامرات وما يهددها من أخطار، وأنها لا يمكن أن تبخل بأي جهد قد يساعد في وقف التدهور الحاصل في موازين قوى دول المنطقة، لاسيما الكبرى منها كمصر، ومقومات القوة التي تتمتع بها، وعلى رأسها الاستقرار.وواقع الأمر، أن هذا الاستقرار جاء على رأس أولويات العاهل المفدى في مباحثاته مع الرئيس المصري المؤقت عندما أشار جلالته إلى أن: «استقرار مصر هو استقرار للجميع كون مصر هي العمق الاستراتيجي للوطن العربي على مر التاريخ وستبقى كذلك»، ولعل هذه الرؤية التي أبرزها العاهل المفدى في تصريحه تعكس جملة من الدلالات الاستراتيجية المهمة، منها «أن موقف البحرين مما يحدث في الدول العربية وملفاتها الساخنة بأسرها، وفي مصر خاصة، موقف راسخ لا يتزعزع قوامه الوقوف بجانب أية دولة عرضة للتهديد بفعل أية تدخلات خارجية في شؤونها».ويرجع هذا الموقف الثابت الذي أبداه العاهل المفدى تجاه مصر، في الحقيقة، إلى إدراك القيادة الرشيدة بمخاطر التحديات التي تواجه دول المنطقة بأسرها نتيجة للتوتر الذي باتت تحدثه أذرع وامتدادات القوى الخارجية التي تعمل كـ»واجهات» في الدول العربية، وتستهدف تنفيذ أجندات معروفة لدول تضمر الشر لكيان العالم العربي برمته، وتحاول العبث فيه فساداً تحت دعاوى الربيع والحريات التي لم تجد لها دليلاً يدعمها، خصوصاً أن البحرين تعرضت لما تتعرض له القاهرة حالياً من محاولات للابتزاز والنيل من وحدتها واستقرارها نتيجة مثل هذه التوترات المدفوعة من الخارج.كذلك، ونتيجة للمكانة التي تحملها البحرين للقاهرة باعتبارها الشقيقة العربية الكبرى، التي لم تبخل عليها بأي دعم خلال الأحداث التي مرت بها قبل سنتين، وإلى الآن، التي أشاد بها العاهل المفدى، نتيجة لذلك كان لزاماً على المملكة، ألا تتخلى عن مصر في وقت هي أحوج ما تكون فيه إلى الدعم ضد أية محاولات للعب في ساحتها الداخلية بفعل هذه الامتدادات والأذرع التي تعمل بمثابة «طابور خامس» في الكثير من دول المنطقة، وأن تبذل كل جهد من شأنه أن يعزز استقرار الدولة المصرية ضد محاولات العبث بوضعها الأمني ووحدة مكونات نسيجها الاجتماعي.ولا ينفي كل ما سبق، أن أحد أهم الأهداف التي يمكن استخلاصها من الزيارة تعود إلى حاجة البلدين لإعادة تصحيح جملة من الأفكار ترددت خلال الفترة السابقة بخصوص ما قد يجري بهما من أحداث، إذ مازال الخلط قائماً لدى البعض بين ما يندرج تحت اسم الحريات، وهو أمر مكفول دستورياً وقانونياً في كلتا الدولتين ويتم الحث عليه بكل السبل الشرعية المتاحة، وبين مهددات الأمن القومي التي تتعرض لها كل من مصر والبحرين، ويجب التصدي لها بكل ما يفرضه القانون من حسم، فعمليات الإصلاح جارية على قدم وساق في البلدين، سواء في ما يتعلق بخارطة الطريق المصرية أو بالحوار الوطني البحريني، ولا يعطل أي منهما إلا ممارسات تلك الفئات المغرضة الممولة والمحكومة من الخارج.
تحركات الملك تضع البحرين بقائمة الدول الأكثر قدرة بتشبيك تحالفاتها
06 أكتوبر 2013