بدأ مئات الآلاف من الحجاج أمس الأربعاء في أول أيام التشريق وثاني أيام عيد الأضحى رمي الجمرات الثلاث الصغرى ثم الوسطى، والعقبة الكبرى بعد أن رموا يوم أمس الأول الجمرة الكبرى، في حين دعا العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز إلى عدم رفض الآخر لمجرد اختلاف الدين. وأكد أن الأمة الإسلامية لا تسمح لأي كائن أن يمس سيادة أوطانها أو التدخل في شؤونها الداخلية والخارجية.وقال خادم الحرمين الشريفين في كلمة له ألقاها بالنيابة عنه ولي العهد الأمير سلمان بن عبدالعزيز خلال حفل الاستقبال السنوي للرؤساء ووفود بعثات الحج في مشعر منى: «من أرض الرسالة ومهبط الوحي، نقول للعالم أجمع، إننا أمة لا تقبل المساومة على دينها، أو أخلاقها، أو قيمها، ولا تسمح لكائن من كان أن يمس سيادة أوطانها، أو التدخل في شؤونها الداخلية، أو الخارجية».وأضاف «وليعي العالم أجمع أننا نحترمه، ونقدر مساهمته الإنسانية عبر التاريخ، ولكن لا خيار أمام من يحاول أن يستبد، وفق نظرته الضيقة، أو مصالحه، فنحن أمة سلامتها من سلامة دينها وأوطانها، وتعاملها مع الآخر الند للند».وأوضح العاهل السعودي «ولذلك نأمل أن يكون الاحترام فيما بين الأمم والدول مدخلاً واسعاً للصداقة بينها وفق المصالح والمنافع المشتركة، إدراكاً منا بأن هذا العالم وحدة متجانسة في عصر تنبذ فيه الكراهية، وترفض سطوة التسلط والغرور، فمن أدرك ذلك فقلوبنا تتسع لكل مفاهيم ومعايير الصداقة، ومن رأى غير ذلك فهذا شأنه، ولنا شأن آخر نحفظ فيه عزتنا وكرامة شعوبنا الأبية». وشدد على أن «من الواجب علينا جميعاً، نبذ الخلافات والتناحر بين المسلمين أنفسهم، وعلى هذا الأساس دعونا لإنشاء مركز الحوار بين المذاهب الإسلامية في المدينة المنورة والذي تبناه مؤتمر التضامن الإسلامي الذي عقد في مكة المكرمة في شهر رمضان المبارك سنة 1433هـ، هدفنا من ذلك صلاح أمر المسلمين، وخشية من الفرقة، والشتات، قناعة منا بأن الحوار بين المذاهب الإسلامية، هو بعد الله -جل جلاله- وبقدرته، المدخل السليم لفهم بعضنا بعضاً، فما اتفقنا عليه فالحمد لله فضلاً ومنة، وما اختلفنا عليه يجب ألا يكون طريقاً لهدم وحدة الأمة الإسلامية».ويقضي الحجاج القادمون من 188 بلداً ثلاث ليال، أو اثنتين للمتعجل، في مشعر منى. ويرمي الحاج الجمرات الثلاث طوال الأيام التي يقضيها في منى مع التكبير رمزاً لرفض غواية الشيطان.وساعدت قلة أعداد الحجاج قياساً على الأعوام السابقة على التحرك بسهولة بينما أتاح تطوير جسر الجمرات المكون من ستة طوابق، رمي الجمرات بطمأنينة دون أي عوائق.وفي هذا السياق، قال رئيس مركز المراقبة الإلكترونية في المملكة العربية السعودية العميد عبدالله الزهراني إن «انخفاض عدد الحجاج والتطبيق الصارم للإجراءات الأمنية ساعدت في تنظيم أفضل للحج السنة الحالية». وأشار إلى وجود حوالي خمسة ألاف كاميرا مراقبة بينها 1200 في المسجد الحرام كما تحلق ثلاث طوافات فوق المكان تكملة للمراقبة. وفي المركز عدد كبير من شاشات المراقبة التي تسمح للقوى الأمنية بالتحرك سريعاً في حال حدوث أمر طارئ. ومن أراد التعجل من الحجاج يومين وجب عليه رمي الجمرات الثلاث يوم الثاني عشر من شهر ذي الحجة أي الخميس، ثم يغادر منى قبل غروب الشمس، فإذا غربت عليه الشمس لزمه البقاء للمبيت فيها لاستكمال الرمي الجمعة.ويبلغ طول جسر الجمرات 950 متراً وعرضه 80 متراً وصمم على أن تكون أساسات المشروع قادرة على تحمل 12 طابقاً وخمسة ملايين حاج في المستقبل. وينتشر رجال الأمن بشكل منظم لتقسيم الحجاج إلى مجموعات وفصلهم يميناً ويساراً تجنباً للازدحام أو المضايقة. وبعد رمي الجمرات في آخر أيام التشريق يتوجه الحاج مرة أخرى إلى مكة المكرمة للطواف حول البيت العتيق بعد أداء الحجاج مناسكهم باأكانها وواجباتها وفرائضها، ليكون طواف الوداع آخر العهد بالبيت. وطواف الوداع آخر واجبات الحج التي ينبغي أن يؤديها قبيل سفره مباشرة، ولا يعفى منه إلا الحائض والنفساء.وبعد الرمي يواصل الحجيج سيرهم بالاتجاه ذاته نحو مواقع بعثاتهم أو خيامهم بدون أن يشكلوا عبئاً على القادمين الجدد لرمي الجمرات. وتعتمد السلطات السعودية تنظيماً دقيقاً لتفويج الحجاج لرمي الجمرات من أجل استيعاب التزاحم الشديد وتواجد الحجاج في وقت واحد بالمكان ذاته، حيث يفوج حجاج كل دولة وفقاً لجدول وتوقيت محددين مسبقاً. وأوضحت مصلحة الإحصاءات أن «عدد حجاج الداخل بلغ 600 ألف، فيما بلغ عدد حجاج الخارج مليون و380 ألفاً» مؤكدة أن «الغالبية العظمى من حجاج الداخل هم من المقيمين غير السعوديين».