صعد سائق الحافلات السابق نيكولاس مادورو درج السياسة الفنزويلية بعد ان سار حثيثا على خطى الزعيم الاشتراكي الراحل هوجو تشافيز مرددا شعاراته ومنفذا لأوامره.ورشح الرئيس الفنزويلي الراحل مادورو خليفة له قبل أن يخسر معركته مع السرطان تاركا له راية حركة سياسية غيرت وجه فنزويلا البلد الغني بالنفط الذي يعيش فيه 29 مليون نسمة تماما. واستند مادورو في حملته الانتخابية على تعهدات بالاستمرار في "اشتراكية القرن الحادي والعشرين" التي جعلت تشافيز بطلا في عيون الملايين لكنها قسمت البلاد.وقال مادورو وهو يطلق حملته الانتخابية من المنزل الذي قضى فيه تشافيز طفولته "نحن جميعا في حافلة أرض الآباء.. ولها سائق..ها هو سائق تشافيز."لكن تسمية تشافيز لمادورو خليفة له ومشاعر الحزن التي هزت البلاد بعد وفاة الرئيس الراحل بالسرطان في الخامس من مارس اذار لم تكن كافية ليفوز مادورو في الانتخابات التي جرت أمس الاحد بفارق كبير.وإذا ظلت نتيجة الانتخابات كما هي سيتعين على مادورو شق طريقه الخاص وهو يخوض في بيئة اقتصادية صعبة ويواجه انقسامات محتملة داخل الائتلاف المتنوع الذي بناه تشافيز وتماسك بفعل سياسات ذكية وكاريزما طاغية.وستقدم الأسابيع الأولى لمادورو في الرئاسة لمحة عن رؤيته الخاصة لفنزويلا التي لم يكشف عنها أثناء توليه وزارة الخارجية ومنصب نائب الرئيس حين اكتفى بترديد خطب "قائده الأعلى" المثالية واللاذعة. وسيرا على نفس النمط أهدى مادورو فوزه في الانتخابات لتشافيز في الخطاب الذي أعلن فيه الفوز ورفع صورة للزعيم الراحل مركبة على صورة للسيد المسيح.ويواجه مادورو الان مجموعة من المشاكل الاقتصادية المعقدة تشمل ارتفاع التضخم وتباطؤ النمو والتنافس الحاد داخل الحزب الاشتراكي الحاكم المنقسم وشكاوى متزايدة من واحدة من أعلى معدلات الجريمة العنيفة في العالم.ويعرف عن مادورو (50 عاما) تفضيله للحوار وكون لنفسه سمعة بأنه وسطي يمكن أن يساعد التشافيزية -وهو الاسم الذي أطلق على الحركة السياسية لتشافيز- حتى تتخلص من بعض عدائها الطائفي وفكرها الاقتصادي الجامد.وتحدثت تقارير عن ان مادورو يفكر في ازالة بعض القيود الاقتصادية الثقيلة ويبحث التقارب مع واشنطن.ولا يزال التكهن بسياسات مادورو ضربا من التخمين من قبل المتخصصين في شؤون الدول الشيوعية والذين يحاولون قراءة ما بين السطور وما وراء خطب المديح لقائده الراحل.وقد يتفق ذلك مع حقيقة ان مادورو لعب الجيتار فترة مع فرقة لموسيقى الروك تعرف باسم (انيجما) أو اللغز.وتبقى العلامة الأكثر بروزا في مادورو هي شاربه الشهير الذي أقدم أنصاره من الرجال والنساء على السواء على تقليده بوضع رغوة سوداء فوق شفاهم العليا ووصفوا الشارب بأنه "شارب أرض الآباء."وخلال حملته الانتخابية أطلق مادورو على نفسه وعلى وزراء حكومته اسم "حواريي تشافيز" ووصف المعارضين بأنهم "فريسيون" في إشارة إلى الطائفة اليهودية التي جاء في الانجيل أنها جادلت السيد المسيح.وحكى مادورو كيف أنه تبادل التغريد مع طائر بينما كان يصلي في ضريح بمسقط رأس تشافيز مما جعله يوقن بأن روح الزعيم الراحل زارته.وسخر معارضو مادورو من الامر واستغل رسامو الكاريكاتير الحكاية دون رحمة واستخدموا أيقونة تويتر الشهيرة على شكل طائر وصورا من لعبة الفيديو الشهيرة (انجري بيردز) ليسخروا منه.وظهر مادورو في وقت لاحق على المسرح أمام حشد انتخابي وقد ارتدى قبعة من القش وعليها نموذج لطائر صغير ثم أطلق عشرات الطيور في مظاهرة ضخمة لانهاء حملته الانتخابية.وحذر مادورو معارضيه أيضا من لعنة تعرف باسم (ماكارابانا) ولها علاقة بمذبحة ارتكبتها قوات الاستعمار الاسباني ضد القبائل الأصلية في القرن السادس عشر.وقال أمام حشد في ولاية الامازون على الحدود النائية مع كولومبيا والبرازيل "إذا صوت أي شخص من الناس ضد نيكولاس مادورو فإنه يصوت ضد نفسه وستحل عليه لعنة ماكارابانا."وقبل ساعات من وفاة تشافيز اتهم مادورو الأعداء "الامبراليين" بالتسبب في إصابة الرئيس السابق بالسرطان. وكان تشافيز كثيرا ما يستخدم مثل تلك المزاعم التي تتصدر عناوين الصحف ضد خصوم أقوياء لحشد أنصاره طوال فترة حكمه التي استمرت 14 عاما.ويصف المنتقدون في المعارضة مادورو بأنه مسخ لتشافيز وإن خطاباته ترديد لخطابات الرئيس الراحل لكنها تفتقر إلى السحر والفكر المستقل.وقال منافس مادورو في الانتخابات الرئاسية انريكي كابريليس لرويترز في مقابلة أثناء الحملة الانتخابية "أكبر نقاط ضعف نيكولاس هي أنه يبدو وكأنه غير موجود أصلا والشيء الوحيد الذي ترونه في الحملة الانتخابية هو صورة الرئيس (تشافيز).. لا يصلح نيكولاس لها (الرئاسة)."وبعد انتخابات أمس الاحد قال كابريليس إن مادورو أصبح زعيما "غير شرعي" في لمحة للعلاقات المتأزمة التي يرجح أن تربط بين الرئيس والمعارضة في فنزويلا.ولا يعرف الكثير عن حياة مادورو قبل انضمامه إلى تشافيز حين ظهر ذلك الضابط وكان حينها برتبة ليفتنانت كولونيل على الساحة السياسية في فنزويلا بانقلاب فاشل.وقال مدون إنه بعد التدقيق في عشرات النصوص السياسية والحركات الاشتراكية اليسارية في أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات لم يجد سوى إشارات عابرة لمادورو.وكتب شخص في موقع على الانترنت أطلق على نفسه اسم ادجار بي "كل التفاصيل الشخصية والحميمة (الخاصة بتشافيز) كانت معروفة في العلن."لكن بالنسبة لنيكولاس مادورو.. لا شيء.. فراغ معلوماتي تام وكامل.. وفي بعض الاحيان يرد ذكره وسط الحواشي ولكن في معظم الحالات لا يظهر في أي مكان."وفي عام 1992 عندما سجن تشافيز بسبب فشل الانقلاب الذي أكسبه شهرة نزل مادورو إلى الشوارع وطالب بالافراج عنه وزاره في السجن.وقادت سيلسا فلوريس شريكة مادورو منذ وقت طويل الفريق القانوني الذي ساعد في الافراج عن تشافيز في غضون عامين. وكان ينظر إلى مادورو وسيليا على أنهما ثنائي قوي في السلطة.وكان مادورو نائبا برلمانيا تصدى لانقلاب قصير على تشافيز في عام 2002 ثم صعد إلى منصب رئيس الجمعية الوطنية وتخلى عن ارتداء القمصان المزركشة والجينز وأصبح يرتدي الملابس الرسمية.وحتى بعد ان غير حلته اعتاد مادورو ان يزاحم الصحفيين ليصل أولا إلى طاولة المقبلات قبل المؤتمرات الصحفية الرئاسية.ويعلق مادورو في أحد مكاتبه صورة للزعيم الروحي الهندي الراحل ساي بابا الذي زاره هو وسيليا عام 2005 .وعندما كان وزيرا للخارجية كانت صورة مادورو باهتة كمناصر لم يحد قط عن خط تشافيز إلا أن من يعرفونه يقولون إنه يجب عدم الاستهانة به.