عظم الإسلام حق الجار، وظل جبريل عليه السلام يوصي نبي الإسلام الرسول محمد صلى الله عليه وسلم بالجار حتى ظن النبي أن الشرع سيأتي بتوريث الجار، فقال «مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه». وقد أوصى القرآن بالإحسان إلى الجار: «واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب». كما حض النبي صلى الله عليه وسلم على الإحسان إلى الجار وإكرامه، فقال عليه الصلاة والسلام «ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره». وعند مسلم: «فليحسن إلى جاره». بل وصل الأمر إلى درجة جعل فيها الشرع محبة الخير للجيران من الإيمان، قال صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده لا يؤمن عبد حتى يحب لجاره ما يحب لنفسه». والذي يحسن إلى جاره هو خير الناس عند الله: «خير الأصحاب عند الله خيرهم لصاحبه، وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره». والجار هو من جاورك، سواءٌ كان مسلماً أو كافراً، وأما حد الجوار فقد تعددت أقوال أهل العلم في بيان ذلك الحد، ولعل الأقرب أن ما تعارف عليه الناس أنه يدخل في حدود الجوار فهو الجار. والجيران يتفاوتون من حيث مراتبهم، فهناك الجار المسلم ذو الرحم، وهناك الجار المسلم، والجار الكافر ذو الرحم، والجار الكافر الذي ليس برحم ، وهؤلاء جميعا يشتركون في كثير من الحقوق ويختص بعضهم بمزيد منها بحسب حاله ورتبته. ويظن بعض الناس أن الجار هو فقط من جاوره في السكن، ولا ريب أن هذه الصورة هي واحدة من أعظم صور الجوار، لكن لا شك أن هناك صوراً أخرى تدخل في مفهوم الجوار، فهناك الجار في العمل، والسوق، والمزرعة، ومقعد الدراسة، وغير ذلك من صور الجوار. وقال العلماء إن للجار حقوق كثيرة، أبرزها: - رد السلام وإجابة الدعوة: وهذه وإن كانت من الحقوق العامة للمسلمين بعضهم على بعض، إلا أنها تتأكد في حق الجيران لما لها من آثار طيبة في إشاعة روح الألفة والمودة.- كف الأذى عنه: وهذا الحق من أعظم حقوق الجيران، والأذى وإن كان حراماً بصفة عامة فإن حرمته تشتد إذا كان متوجهاً إلى الجار، فقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من أذية الجار أشد التحذير وتنوعت أساليبه في ذلك، قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: «والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن. قيل: من يا رسول الله؟ قال: من لا يأمن جاره بوائقه»، ولما قيل له: يا رسول الله! إن فلانة تصلي الليل وتصوم النهار، وفي لسانها شيء تؤذي جيرانها، قال: «لا خير فيها، هي في النار»، و»لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه».وجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشكو إليه أذى جاره. فقال: «اطرح متاعك في الطريق». ففعل، وجعل الناس يمرون به ويسألونه. فإذا علموا بأذى جاره له لعنوا ذلك الجار. فجاء هذا الجار السيئ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكو أن الناس يلعنونه. فقال صلى الله عليه وسلم: «فقد لعنك الله قبل الناس».- تحمل أذى الجار: وهي صفة من شيم الكرام ذوي المروءات والهمم العالية، إذ يستطيع كثير من الناس أن يكف أذاه عن الآخرين، لكن أن يتحمل أذاهم صابراً محتسباً فهذه درجة عالية، يقول الله تعالى «ادفع بالتي هي أحسن السيئة»، ويقول أيضاً «ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور»، وقد ورد عن الإمام الحسن رضي الله عنه قوله: «ليس حسن الجوار كف الأذى، حسن الجوار الصبر على الأذى».- تفقده وقضاء حوائجه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم». وإن الصالحين كانوا يتفقدون جيرانهم ويسعون في قضاء حوائجهم، فقد كانت الهدية تأتي الرجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فيبعث بها إلى جاره، ويبعث بها الجار إلى جار آخر، وهكذا تدور على أكثر من عشرة دور حتى ترجع إلى الأول. ولما ذبح عبدالله بن عمر رضي الله عنهما شاة قال لغلامه: «إذا سلخت فابدأ بجارنا اليهودي. وسألت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن لي جارين، فإلى أيهما أهدي؟ قال: «إلى أقربهما منك باباً». - ستره وصيانة عرضه: وإن هذه لمن أوكد الحقوق، فبحكم الجوار قد يطلع الجار على بعض أمور جاره فينبغي أن يوطن نفسه على ستر جاره مستحضراً أنه إن فعل ذلك ستره الله في الدنيا والآخرة، أما إن هتك ستره فقد عرض نفسه لجزاء من جنس عمله، يقول الله تعالى «وما ربك بظلام للعبيد».