محلل: القرار اعتراض على قبول أمريكا تدخل إيران بشؤون البحرين والعربعواصم - (وكالات): اعتذرت السعودية في خطوة مفاجئة وغير مسبوقة أمس عن قبول عضوية مجلس الأمن الدولي واتهمته بازدواجية المعايير، معبرة بذلك عن أقصى درجات الاستياء إزاء فشل المجتمع الدولي في حسم قضايا رئيسة أبرزها القضية الفلسطينية والأزمة السورية.وأشارت الخارجية السعودية في بيان إلى أن اعتذار المملكة غداة انتخابها لشغل مقعد غير دائم في الهيئة الدولية، سببه فشل المجلس في حل القضية الفلسطينية والنزاع السوري وجعل الشرق الأوسط خالياً من أسلحة الدمار الشامل.وذكر بيان للخارجية السعودية نشرته وكالة الأنباء الرسمية أن «آليات العمل وازدواجية المعايير الحالية في مجلس الأمن تحول دون قيام المجلس بأداء واجباته وتحمل مسؤولياته تجاه حفظ الأمن والسلم العالميين على النحو المطلوب». وأشارت الخارجية إلى «بقاء القضية الفلسطينية بدون حل عادل ودائم لخمسة وستين عاماً» معتبرة أن ذلك نجم عنه «عدة حروب هددت الأمن والسلم العالميين».كما أشارت إلى «فشل مجلس الأمن في جعل منطقة الشرق الأوسط خالية من جميع أسلحة الدمار الشامل سواء بسبب عدم قدرته على إخضاع البرامج النووية لجميع دول المنطقة دون استثناء للمراقبة والتفتيش الدولي أو الحيلولة دون سعي أي دولة في المنطقة لامتلاك الأسلحة النووية»، في إشارة ضمنية إلى إسرائيل وإيران.كما شددت الخارجية السعودية على أن «السماح للنظام الحاكم في سوريا بقتل شعبه وإحراقه بالسلاح الكيماوي على مرأى ومسمع من العالم أجمع وبدون مواجهة أي عقوبات رادعة لدليل ساطع وبرهان دافع على عجز مجلس الأمن عن أداء واجباته وتحمل مسؤولياته». وتعد السعودية من أهم الداعمين للمعارضة السورية.وأكد بيان الخارجية أن المملكة العربية السعودية «وانطلاقاً من مسؤولياتها التاريخية تجاه شعبها وأمتها العربية والإسلامية وتجاه الشعوب المحبة والمتطلعة للسلام والاستقرار في جميع أنحاء العالم لا يسعها إلا أن تعلن اعتذارها عن قبول عضوية مجلس الأمن حتى يتم إصلاحه وتمكينه فعلياً وعملياً من أداء واجباته وتحمل مسؤولياته في الحفاظ على الأمن والسلم العالميين». وانتخبت السعودية أمس الأول للمرة الأولى عضواً غير دائم في مجلس الأمن الدولي.وفازت السعودية بالمقعد إلى جانب تشاد وتشيلي وليتوانيا ونيجيريا التي انتخبت أيضاً أعضاء غير دائمين في مجلس الأمن.وانتخبت هذه الدول الخمس من قبل أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة لدورة من سنتين تبدأ في الأول من يناير 2014.ويجدد المجلس المؤلف من 15 عضواً كل سنة 5 من مقاعده العشرة للأعضاء غير الدائمين بناء على قاعدة إقليمية. ونالت السعودية 176 صوتاً من أصوات الدول الأعضاء الـ193.ويعد الاعتذار السعودي غير مسبوق في تاريخ الأمم المتحدة ومجلس الأمن، والسوابق التاريخية في هذا السياق اقتصرت على اعتماد الاتحاد السوفيتي عام 1950 سياسة «المقعد الفارغ» بسبب الحرب الباردة، وشغور المقعد الـ15 بسبب خلاف بين الدول في 1980.ويأتي قرار السعودية بعد أن رفض وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة التحدث من على المنصة احتجاجاً على عدم تحرك المجلس في الشأن السوري والأراضي الفلسطينية، فيما اعتبر حينها علامة استياء واضحة من المملكة.وفي تعليق على القرار السعودي، قال المحلل السياسي ورئيس مركز الخليج للأبحاث عبدالعزيز بن صقر إن المملكة «أرادت أن تظهر للعالم أولاً أن لها وزنها الكبير من خلال حصولها على 176 صوتاً وبعد أن ظهر هذا الوزن اختارت السعودية أن تظهر موقفها بقوة». وذكر بن صقر أن السعودية «بمراجعتها للقرارات التي اتخذها مجلس الأمن بالذات المتعلقة بسوريا، وجدت أن الدول في مجلس الأمن ستمارس سلطتها بدون حق مشروع ضد شعوب لا تملك قدرة الدفاع عن نفسها». وسبق أن عبرت الرياض باستمرار عن امتعاضها من الفيتو الروسي والصيني المتكرر إزاء أي قرار في مجلس الأمن ضد النظام السوري إلى أن اعتمد قرار يتعامل فقط مع جانب الأسلحة الكيماوية ويغفل مطالب المعارضة. لكن بحسب بن صقر، فإن قرار السعودية يعبر خصوصاً عن «عدم ارتياح للسياسة الجديدة في واشنطن وبالذات مواقف الرئيس باراك أوباما في المواضيع الخاصة بالمنطقة» من إيران إلى اليمن مروراً بسوريا ومصر والعراق والبحرين. وأضاف «عندما تكون أمام دولة حليفة وقريبة، ويكون هناك عدم تنسيق وعدم احترام للعلاقة القديمة والمتجذرة، فهذا بالطبع يدفع المملكة إلى الاعتذار عن الجلوس في مجلس الأمن».وشدد المحلل على أن «السعودية ترى أن إيران تتدخل في البحرين وسوريا والعراق ومع الحوثيين في اليمن، وتطالب بأن يكون لها دور، في ظل كل هذا، أمريكا تقبل بمنح إيران دوراً في قضايا المنطقة».وإذا كانت السعودية ودول الخليج لا تمانع من حيث المبدأ حصول تقارب بين الولايات المتحدة وإيران، إلا أنها ترى أن ذلك «لا يجب أن يكون على حسابها» حسب ما قال بن صقر.وأضاف أن السعودية أرادت أن تعبر عن «الاستياء الشديد»، خاصة إزاء حليفتها الكبيرة واشنطن التي تتقارب مع إيران وتوافق على منحها دوراً في شؤون المنطقة بينما تدعم إيران النظام السوري و»تتدخل» في شؤون دول المنطقة بحسب قوله.وتمثل هذه الخطوة بحسب بن صقر تكريساً «لانتقال المملكة من الدبلوماسية الهادئة التي تنتهجها تقليدياً إلى الدبلوماسية الواضحة» التي تعبر بوضوح عن مصالحها.وفي إطار ردود الفعل الدولية على القرار السعودي، اعتبرت تركيا التي انتقدت قصور الأمم المتحدة حيال الأزمة السورية، أن رفض المملكة العربية السعودية الدخول إلى مجلس الأمن الدولي يجعل المنظمة الدولية «تفقد من مصداقيتها».ونقلت وكالة أنباء دوغان عن الرئيس التركي عبدالله غول قوله للصحافيين في إسطنبول إن «الأمم المتحدة تفقد الكثير من مصداقيتها» معتبراً أنها تفشل في الرد بفعالية على الأزمات في العالم. وأضاف «على حد علمي، أن قرار المملكة العربية السعودية يهدف إلى لفت نظر المجتمع الدولي إلى هذه الحالة، ينبغي احترام قرارها».كما أعلنت وزارة الخارجية الفرنسية أن فرنسا تشاطر العربية السعودية «إحباطها» إزاء شلل مجلس الأمن في مواجهة الأزمة في سوريا.وقال المتحدث باسم الخارجية الفرنسية رومان نادال «نشاطر المملكة إحباطها أمام شلل مجلس الأمن، إلا أن لدينا بالتحديد للرد على ذلك اقتراحاً إصلاحياً لحق الفيتو».كما أعلنت مصر تأييدها التام للاعتذار السعودي عن عضوية مجلس الأمن الدولي. وقال السفير المصري في المملكة عفيفي عبدالوهاب «نقف بجانب المملكة في وجهة نظرها بتفادي ازدواجية المعايير والكيل بمكيالين، واستجابة تطلعات الدول النامية ومن بينها مصر من هذا المجلس».وأضاف «البيان السعودي قوي وشجاع، ويستند إلى عبارات موضوعية وعملية تتماشى مع واقع الحال». وشدد عفيفي على أن موقف المملكة يضاف إلى المواقف القوية الأخيرة لمواجهة المحاولات الخارجية للتدخل في شؤون المنطقة». من جهته أشاد المجلس الوطني السوري، أبرز ائتلافات المعارضة السورية، بموقف السعودية بالاعتذار عن عدم تسلم مقعدها في مجلس الأمن واصفاً إياه بـ «التاريخي» ومنوِّها بوقوف الرياض إلى جانب الشعب السوري. وشكل رفض السعودية شغل مقعدها في مجلس الأمن سابقة فاجأت عدداً كبيراً من الدبلوماسيين في المجلس.وطرح عدد منهم فرضية تراجع المملكة عن قرارها الذي لم يبلغ إلى المجلس رسمياً.وأعلن الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون أن السعودية لم تبلغ الأمم المتحدة بعد بشكل رسمي رفضها تسلم مقعدها في مجلس الأمن. وقال دبلوماسي في المجلس «إنه أمر غير متوقع تماماً، ولقد بحثنا جميعاً في سجلات المجلس لإيجاد سابقة فلم نجد». وأضاف أن ترشيحاً إلى المجلس «يستغرق سنوات من الاستعداد»، وهذا ما يجعل خطوة الرياض بالتالي مفاجئة. ولأن انتخاب الأعضاء العشرة غير الدائمين في المجلس يتم على قاعدة إقليمية، فإذا ما تمسكت السعودية بقرارها، يعود للمجموعة العربية في الجمعية العامة إيجاد مرشح جديد يفترض أن يوافق عليه أعضاء الجمعية خلال عملية تصويت، كما حصل لدى اختيار الرياض.واعتبر دبلوماسي آخر أنه «قد يحصل انتخاب جديد لكن من الممكن أيضاً إقناع الرياض بتغيير موقفها».وذكر أن «الحكومة السعودية أبدت في الأسابيع الأخيرة قلقها الصريح في شأن سوريا والمسألة الفلسطينية». وتعرب الرياض أيضاً عن قلقها من التقارب الحاصل بين البلدان الغربية الأعضاء في المجلس وخصوصاً الولايات المتحدة وإيران.