يروي فيلم «مريم» للمخرج الفلسطيني السوري باسل الخطيب معاناة ثلاث نساء في خضم ثلاث أزمات مرت بها سوريا في تاريخها الحديث، وينجحن، بفضل الحب، بتجاوز المحن والحروب.ويبدأ الفيلم بعبارة للشاعر الراحل يوسف الخطيب، والد باسل الخطيب، «لقد فقدنا كل شيء ولكن يبقى لنا الحب»، وهي عبارة لا تمر من دون أثر في بلد يشهد منذ أكثر من سنتين حرباً مدمرة أوقعت أكثر من 110 آلاف قتيل وشردت الملايين، وترتدي كل يوم شكلاً جديداً من أشكال الوحشية والحقد.ويقول الخطيب الذي كتب سيناريو الفيلم مع شقيقه تليد، لوكالة فرانس برس إن فيلمه «ينتصر لقضية الحب والسلام والتسامح لتجاوز المحن التي نعيشها»، مضيفاً أنه «دعوة لتحريك الجانب النبيل لدى الناس».وتختصر مريم، إحدى بطلات الفيلم اللواتي يحملن كلهن اسم «مريم»، ذلك بالقول «مثلما تخرج الحرب أبشع شيء لدى الناس، فهي لدى غيرهم تخرج أجمل شيء».وحاز الفيلم الجائزة الكبرى مناصفة مع الفيلم المصري «هرج ومرج» في مهرجان وهران للفيلم العربي والجائزة الكبرى في مهرجان الداخلة في المغرب ويشارك حالياً في مهرجان الإسكندرية.ويرى الخطيب أن سبب نجاح الفيلم هو تركيزه على «الجانب الإنساني».ويقول لوكالة فرانس برس إنه استقى اسم فيلمه من اسم السيدة العذراء، موضحاً أنه «إضافة إلى دلالاته الدينية، فإن معنى الاسم باللغة السريانية القديمة هو السيدة المعلمة».ويقول إن كل «بطلة في الفيلم سيدة ومعلمة ضمن تجربة الاختبار الإنساني والتاريخي التي وجدت فيها».ويتابع أن اسم مريم «يختصر الحالة السورية والمعاناة والمرأة المحملة بالجراح والآلام».ويتناول الفيلم مرارة الحرب وانعكاساتها في حياة النساء السوريات الثلاث من دون أن «يخسرن قدرتهن على الحب والتضحية والاختيار». وفيه «تحية للمرأة السورية».وتغطي الحكايات الثلاث فترة مائة عام من تاريخ سوريا. وتدور أحداث الحكاية الأولى في عام 1918 عند نهاية الحرب العالمية الأولى. ويرى مخرج الفيلم أن هذه الحقبة «كانت مفترقاً تاريخياً، إذ لم يكن مستقبل المنطقة واضحاً بعد خروج الاحتلال العثماني ودخول دول الحلفاء إليها».أما الحكاية الثانية فتروي انعكاس حرب يونيو في 1967 «التي صنعت شرخاً كبيراً بالوجدان العربي»، على الواقع السوري، من خلال أرملة ترفض أن تترك منطقة القنيطرة الحدودية مع هضبة الجولان التي احتلتها إسرائيل في تلك الحرب وفاء لزوجها الذي قتل فيها.وتقول مريم في تلك القصة (تؤدي دورها سلافة فواخرجي) «هذه الحرب ليس هدفها أن تخرب البيوت ولكن أن تخرب روحنا من الداخل... فلا يتمكن أحد في العالم من أن يرفع رأسه ويقول كلمة».وتتناول الحكاية الثالثة قصة رجل تخلى عن أمه في مأوى للعجزة في ظل النزاع الحالي القائم في سوريا، فتواجهه مرأة أخرى هي ابنته لتقول له «عندما يتخلى ابن عن والدته (...) فإنه يتخلى بذلك عن ذاكرته وعن وطنه وكل القيم النبيلة».ولا يقول المخرج مباشرة إن المقصود بهذه القصة الأخيرة الحرب الحالية، لكن الناقد سامر محمد إسماعيل يتوقف عند ما أسماه «الحلول الإخراجية»، والتي يكمن أحدها في «تصوير المغيب تباعاً في لقطة بانورامية من أعلى جبل قاسيون المشرف على دمشق، في وقت تتصاعد في الأفق أعمدة الدخان».وواجه فريق العمل خلال تصوير مشاهد الفيلم الذي تم بميزانية بسيطة جداً وسط شح كبير في الإنتاج السينمائي وأزمة لم تشهد لها البلاد مثيلاً من قبل، صعوبات كثيرة وإخطاراً. ويقول المخرج إن بعض المشاهد صورت «في مواقع خطيرة جداً بعضها قريب من أماكن شهدت معارك»، مضيفاً «كنا كل يوم نخرج للتصوير ولا نعرف إن كنا سنعود أحياء إلى منازلنا أم لا».وتم التقاط مشاهد الفيلم في بانياس وطرطوس (غرب) ومشتى الحلو (وسط) والقنيطرة (جنوب) ودمشق.وشارك في التمثيل إلى جانب فواخرجي، عابد فهد وديمة قندلفت وأسعد فضة ونادين خوري وصباح جزائري ولمى الحكيم وميسون أبوأسعد وريم علي ومجيد الخطيب وآخرون. و«مريم» الفيلم الروائي الطويل هو الثالث للخطيب بعد فيلميه القصيرين «مسارات النور» و«قيامة مدينة». والخطيب معروف كمخرج تلفزيوني، ومن أعماله مسلسل «أيام الغضب» و«الغالبون» و«هوى بحري» و«هولاكو» و«عائد إلى حيفا» و«أنا القدس».ويروي المخرج أنه شاهد فتاة سورية تبكي بعد عرض فيلم «مريم» في مدينة لاهاي الهولندية. وعندما توجه إليها ليسألها عن السبب، أجابته «تذكرت مدرستي في سوريا» التي غادرتها إثر اندلاع النزاع.ويقول إن الرسالة التي أراد إيصالها من خلال فيلمه هي «أننا ضد الحرب بكافة أشكالها».ويرى الناقد إسماعيل في الفيلم «سيمفونية بصرية توجه نداء صادقاً لتلتقي كل أطياف المجتمع السوري».ويقـول إن «مريم» بالتأكيد «أنشودة للحــب» فــي زمــن الحرب.
الفيلم السوري «مريم» أنشودة للحب في زمن الحرب
22 أكتوبر 2013