كتب- حذيفة إبراهيم:تستأنف جلسات الحوار الوطني اليوم فيما يرى سياسيون ومتحاورون أن» تعطيل الجمعيات الخمس للجلسات مرجعه فشلها في فهم معنى التوافقات». وأضافوا إن «الجمعيات الخمس تحاول إغراق الحوار بجبل من الأوراق، في محاولة منهم لإقصاء المكونات الأخرى». وأكدوا أن الجمعيات الخمس تحاول تفريغ الحوار من مضمونه لارتباطها بأجندات خارجية واضحة لا تخفى على شعب البحرين».وشكل إعلان الجمعيات الخمس، تعليق مشاركتها في حوار التوافق الوطني منذ الجلسة الخامسة والعشرين للحوار في الـ 18 من سبتمبر الماضي، حجر عثرة في طريق استكمال الحوار، الذي تم الاتفاق منذ البداية على أن يتم اتخاذ القرارات فيه بالتوافق، وهو ما يعني ضرورة وجود جميع الأطراف المشاركة فيه، بينما شكلت خطوتهم في الانسحاب تناقضاً كبيراً، حيث أكد المتحدث الرسمي سيد جميل كاظم سابقاً أنه لا انسحابات من الحوار. وخلال 26 جلسة للحوار الوطني، تم إلغاء 4 جلسات بسبب انسحاب فريق الجمعيات الخمس للحوار، بينما استغرقت 12 جلسة في نقاشات عقيمة، ولم يتم التوصل في نهاية الجلسة إلى أي نتيجة.وجاء إعلان الجمعيات الخمس، عقب الإجراءات القانونية، التي تم اتخاذها بحق القيادي في جمعية الوفاق خليل المرزوق، وهو ما يتناقض مع تصريحات قيادات الوفاق في الحوار سابقاً عن ضرورة إبعاد ما يجري في الشارع عن الطاولة للوصول إلى الحل.ولم تكن خطوتها في الانسحاب من الحوار هي الأولى من نوعها، حيث عمدت سابقاً في الجلسة الـ 21 في يونيو الماضي إلى «انسحاب ضمني» لممثليهم من داخل الجلسة، الذين رفضوا الدخول فيها، وتواجدوا في ردهات قاعة مركز عيسى الثقافي، رافضين حينها التوقيع على محضر الاجتماع، إثر رفض بقية الأطراف لمحاولاتها في فرض النقاشات حول «التمثيل المتكافئ».وشهد الحوار تعطيلاً للجلسة الـ 19 منه في مايو الماضي، حيث لم يحضر ممثلو الجمعيات الخمس إلى مقر انعقاد الحوار، إلا بعد مضي أكثر من 45 دقيقة من الوقت الأصلي لبدء الجلسة، ما أدى إلى رفعها من قبل بقية الأطراف نظراً لتغيبهم.وتذرع ممثلو الجمعيات الخمس حينها بأن «انشغالاتهم» هي التي أدت إلى التأخير، بينما رأت بقية الأطراف أن «ذلك ينم عن عدم جدية الجمعيات الخمس بالحوار، واعتبروه إهانة للأطراف الحاضرة كافة».كما شهدت المواضيع المطروحة في الحوار، جدالاً حاداً، استمر لعدة جلسات نتيجة لإعادة طرح المواضيع، التي لم يتم التوافق عليها مسبقاً، حيث كان أبرزها «تمثيل الحكم» و«التمثيل المتكافئ»، رغم إعلان الديوان الملكي أن جلالة الملك المفدى، يقف على مسافة واحدة من الجميع في مسألة تمثيل الحكم، فضلاً عن اعتماد مبدأ التوافق، الذي ينفي الحاجة إلى وجود تكافؤ في الأطراف.وطالبت في السياق ذاته، الجمعيات «الخمس»، مـــراراً بإعادة «ترتيب طاولة الحوار»، بينما هاجمت ممثلي السلطة التشريعية معتبرة إياهم «أداة بيد الحكومة» وهو ما اعتبره الجميع تجاوزاً على ممثلي السلطة في الحوار.وعلى الرغم، مما اعتبره ممثلو السلطة التشريعية بأنها «إساءات» إلا أنهم حافظوا على هدوئهم خلال الجلسات بشكل عام، إلا أن جلسات «العرين»، شهدت مشادات كلامية بين سيد جميل كاظم من جانب، ولطيفة القعود، وعبدالحكيم الشمري من جانب آخر، في حادثتين منفصلتين.ويرى المراقبون أن «الجمعيات الخمس، تسعى لتفجير الحوار من الداخل بعد فشلهم في فرض ما يريدونه، فضلاً عن سعيها لما أسموه «إقامة حوار ثنائي مع السلطة»، بعد تهميش ومهاجمة باقي الأطراف، إلا أنهم غيروا صياغة الأمور لاحقاً. ويؤكدون، أن ليس له هدف إلا إخراج البحرين من أزمتها إلا أن ما تسعى له الجمعيات الخمس ليس ذلك». وتقول الجمعيات الخمس أمام الوفود الخارجية التي تزور البحرين، أو خلال سفراتهم الخارجية إلى دول الغرب بأن مطالبهم لا تلبى في المملكة،في حين يشهد سير الأحداث على طاولة الحوار بإضاعة فرص كثيرة للحصول على أي إصلاحات.وأعادت الجمعيات الخمس بالحوار، مرات عديدة إلى المربع الأول، في المواضيع التي تم طرحها، بينما شهدت الجلسات تراجعاً كبيراً في العديد من المواضيع المتوافق عليها والمدرجة في محضر الاجتماعات.ويشكل اختلاف السقوف بين مختلف الأطراف المتحاورة عقبة أمامهم، يتم جلاؤها من خلال الوصول إلى حلول وسطية في حال عدم اقتناع أي طرف بوجهة نظر الآخر، إلا أن الجميع أكدوا أن «لا انسحابات» من الحوار، كونه المخرج الوحيد للأزمة التي تعصف بالبلاد منذ فبراير 2011، فضلاً عن أن جميع المطالب سيتم تنفيذها مباشرة.وكان سيد جميل كاظم، أكد عقب انتهاء الجلسة الأولى أن «مشاركة الحكومة كانت معقولة ومتوازنة» وأنه «تم التوافق على البدء بالآليات، وبين أنه «تم حسم نقطة التمثيل السياسي المتكافئ، حيث اتخذ مبدأ التوافق بدلاً من التصويت»، ودفعت تلك التصريحات المواطنين البحرينيين إلى التفاؤل حول الحوار وأنه سيخرج الوطن من الأزمة التي ألمت بها طوال العامين الماضيين، وذلك باعتراف سيد جميل كاظم، وباقي أطراف الحوار.وعلى الرغم من التوافق في الجلستين الأوليتين على عدة نقاط بين المتحاورين، إلا أنه يبدو أن التوافق لم يكتب له الاستمرار، حيث لم يتم الاتفاق على إصدار بيان يدين أعمال العنف التي جرت خلال الذكرى الثانية لأحداث 14 فبراير.ولم تكن إدانة العنف هي العقبة أمام التوافق الوحيدة في تلك الجلسة، حيث نقضت الجمعيات الخمس ما تم التوافق عليه، وأعادت النقاش في كون «حوار أم توافق» فضلاً عن تمثيل وزير العدل.وشكلت الجلسة الثالثة بداية المخاوف لدى الشارع البحريني من جدية المعارضة في الدخول للحوار، حيث لم يمض سوى جلستين حتى أعادت فتح الملفات المتوافق عليها.وأثارت التصريحات المتشنجة لعضو الجمعيات الخمس عبد النبي سلمان في الصحف المحلية بأن «هناك عدم جدية رسمية في إنجاح الحوار، والسلطة غير مكترثة بالحوار»، بينما وصف باقي المتحاورين بـ «الإمعة»، زوبعة لدى المواطنين، حيث أعادت إلى الأذهان ما طرحته الجمعيات سابقاً من أنها هي «ممثلة الشعب» والمتحدث باسمهم، بينما علّق آخرون على عدم إدانة العنف بأنه موقف مؤيد من الجمعيات الخمس لأعمال العنف، فيما قال البعض إن داعمي العنف لن يدينوه متهمين جمعية الوفاق بشكل خاص بأنها «الراعي الرسمي للإرهاب».ويرى المتحاورون، أن «على الرغم من كون الحوار يمضي بالتوافق، إلا أن الجمعيات الخمس تحاول فرض آرائها من خلال إصرارها على وجود ممثل عن «عاهل البلاد في الحوار» رغم صدود باقي الأطراف الأخرى حيث أكدوا أن ذلك تم الاتفاق عليه ولا يمكن العودة إلى الوراء».ومن بين ما اعترضت عليه الجمعيات الخمس هو رفع وزير العدل مخرجات الحوار إلى جلالة الملك المفدى، بالرغم من تصريحات أعضاء الجمعيات الخمس السابقة بأنه تم حسم تلك النقاط وما تبقى هو هل «تكون المخرجات للمؤسسات الدستورية القائمة أم الاستفتاء الشعبي».ووصف وزير العدل الشيخ خالد بن علي آل خليفة الأوضاع حينها بأن الجمعيات الخمس المعارضة، وصلت إلى مرحلة المراوحة في الحوار، مشدداً على أن الحوار سيمضي كونه الطريق الوحيدة للحصول على المطالب.وأدان مواطنون تصريح المتحدث باسم الجمعيات الخمس المعارضة عبر قناة «اللؤلؤة الفضائية»، التي تبث من لندن، قوله، إن: «ائتلاف الجمعيات الخمس والمستقلين من المجلس التشريعي تتحكم بهم الحكومة، وليسوا سوى أدوات بيدها»، ليقول لاحقاً إن الحوار غير جاد، لكنهم مستمرون فيه». ويرى المتحاورون أن الجمعيات الخمس تحاول إغراق الحوار بجبل من الأوراق، مؤكداً أنهم يحاولون إقصاء الآخرين». ورفضت الجمعيات الخمس مقترح أن يسير الحوار بمسارين، حيث يكون يوم الأحد للنقاط المختلف عليها، ويوم الأربعاء لمناقشة جدول الأعمال، ويرى المراقبون والمواطنون والصحافيون أن جلسات الحوار طالت دونما تحقيق أي نتائج حتى الآن، حيث وعلى الرغم من مرور 28 جلسة وعدة اجتماعات للجنة العمل المصغرة إلا أن المتحاورين مازالوا يتحدثون في الآليات ورفع المخرجات دونما توافق.ويحاول من جانب آخر، ائتلاف الجمعيات السياسية المضي قدماً في الحوار من خلال طرح الحلول جلسة بعد أخرى لتحريك عجلة الحوار، إيماناً منهم بأن لا خروج للأزمة بدونه. ويشاركهم في ذلك الرأي ممثلو الحكومة، الذين حافظوا على هدوء أعصابهم طوال الجلسات على الرغم من المشاحنات التي طالت بعض الأطراف، ورغم الانتقادات والتجريح الذي يواجهونه سواء من طرف الجمعيات الخمس أو الأبواق الإعلامية في الخارج، إضافة إلى ممثلي السلطة التشريعية على طاولة الحوار، حيث يرى الطرفان أن مصلحة البحرين فوق جميع الاعتبارات الشخصية أو الحزبية.وتنظر الحكومة بتفاؤل إلى الحوار القائم، وترى أن هناك فرصاً جدية لتحقيق المزيد من التوافقات في مجال التطور السياسي، وأن الحوار، السبيل الوحيد لإدارة الرؤى المختلفة من خلال القنوات الدستورية.كما ويرى المراقبون أن «الوفاق تسعى لـ «المغالبة»، من خلال فرض رؤاهم كشروط مسبقة، ومحاولة فرض قبولها وفقاً لمنطق المغالبة لا التوافق. وفي الوقت الذي تتحدث به الجمعيات الخمس عن ثقافة الحوار إلا أنها تستخدم بعض الكلمات باستخدام غير صحيح كـ «وجود انتصارات» أو «أبطال الحوار والميادين»، وهو ما يستفز الشارع البحريني الرافض لأعمال العنف كافة».وضع العراقيلويرى عضو فريق ائتلاف الجمعيات السياسية، أحمد سند البنعلي أن «المغزى من الحوار، يتمثل بالجلوس على طاولة واحدة لمناقشة المشاكل وحلها، وإيجاد مشروع معين لتجاوز الأزمات من خلال التوافق على أمور محددة».ويضيف أن «الحوار يتطلب الجدية وطرح النقاط الخلافية فعلاً، وليس وضع العراقيل الواحد تلو الآخر، والامتناع عن الدخول في صلب الموضوع، مبيناً أن عدم الدخول في النقاط الخلافية يؤكد أن الجمعيات الخمس تحاول سحب البساط من تحت المتحاورين، وتفريغه من مضمونه».ويوضح البنعلي، أن «الحوار يتطلب امتصاص ردات فعل الآخرين، وليس افتعال التشنج ورفع درجة حرارة طاولة الحوار، وإعاقة الآخرين، مشيراً إلى أن الحوار يعاني من إعادة نقاش الأمور المتفق عليها سابقاً، حيث يؤكد عدم جدية الجمعيات الخمس فيه، ويؤكد ضرورة التحلي بروح المسؤولية لإخراج البحرين من أزمتها».أجندة تأزيميةوتقول ممثلة السلطة التشريعية في الحوار عضو مجلس الشورى جميلة سلمان، إن: «الجمعيات الخمس لديها أجندة واضحة لا تخفى على شعب البحرين أو المشاركين في الحوار، من خلال محاولة عرقلة الطاولة وعدم الوصول إلى توافقات، وهو ما بدا جلياً منذ بداية الحوار».وتابعت «نشعر بوجود نية مبيتة لإيقاف عجلة الحوار، وأن دخولهم كان شكلياً فقط نظراً لوجود ضغوطات داخلية وخارجية، أما أسباب انسحابهم المختلفة فهي ليست سوى محض ادعاءات لا أساس لها من الصحة».وتشير سلمان إلى أن «الجمعيات الخمس تبتدع أسباباً لتعطيل الحوار وعدم الدخول في الأجندة، مؤكدة أنها «أسباب لا تمت للحوار بصلة»، بل هي مواقف تأزيمية فقط.وأوضحت أن عودتهم للحوار لن تكون إلا بسبب الضغوط الخارجية، كما إنهم سيستمرون في عملية المماطلة في الحوار».
الحوار.. فرص «الخمس» الضائعة
30 أكتوبر 2013