دعا المشاركون في المؤتمر الاستراتيجي الخليجي في ثاني أيامه، دول الخليج العربية إلى الاحتراز من نووي إيران، وتهديدات الفضاء الإلكتروني الرقمي، واتخاذ التدابير الوقائية اللازمة حيالها. وقال المشاركون في المؤتمر الذي ينظمه مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة «دراسات»، إن مبادرة إنشاء منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل يظل هدفاً قوياً ومشروعاً، لافتين إلى أن مخاطر هذه الأسلحة تزداد مع وجود 17 ألف سلاح نووي بـ9 دول حول العالم.وأكدوا أن برنامج إيران النووي مشكلة لأمنها القومي أولاً والإقليمي والدولي ثانياً، داعين دول التعاون إلى طرح مبادرات لبناء الثقة مع إيران وفتح باب التفاوض معها.وحذر المشاركون من أن استخدام الوسائل الإلكترونية في الإرهاب والجريمة المنظمة لا ينبئ بخير، مضيفين أن امتلاك الإرهابيين لتقنيات الفضاء الإلكتروني يكلف العالم مليوني ضحية سنوياً، وأن من السهل خرق قوانين البلدان وصناعة المتفجرات عبر الفضاء الرقمي.وتناولت المدير التنفيذي لمعهد «أكرونيم» لدبلوماسية نزع السلاح د.ربيكا جونسون من المملكة المتحدة، البرنامج النووي الإيراني وأمن منطقة الخليج، طارحة أسئلة حول إمكانات تجنب الصراع.وأوضحت جونسون في كلمتها خلال الجلسة العامة «تحديات استراتيجية معاصرة» حول «البرنامج النووي الإيراني وأمن منطقة الخليج.. هل بالإمكان تجنب الصراع؟»، أنه حان الوقت لوضع حد لانتشار الأسلحة النووية في المنطقة والعالم، لافتة إلى أن التهديدات النووية تزداد حالياً مع وجود 17 ألف سلاح نووي في 9 دول حتى الآن.وبينت أنه من الممكن والضروري للغاية منع انتشار السلاح النووي واستخدامه لتفادي وقوع مآس إنسانية وأمنية على مختلف الصعد المحلية والإقليمية والدولية.ولفتت إلى أن البرنامج النووي الإيراني يعتبر مشكلة لأمنها القومي قبل أن يكون مشكلة للأمن الإقليمي والدولي، منوهة إلى أن انتخاب حسن روحاني رئيساً جديداً للجمهورية الإيرانية الإسلامية قد يوفر فرصاً جديدة لتطبيق حلول دبلوماسية وسياسية للملف النووي.وذكرت أن تزايد مخاوف دول الخليج العربي من الملف النووي الإيراني نابعة من أسباب وحوافز تطورات البرنامج النووي الإيراني الذي يذهب لمستوى أبعد من المخاطر الإقليمية، فيما تكمن مخاوف الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن البرنامج النووي الإيراني في المقاومة المستمرة لعنصر الشفافية والإفصاح الجزئي وليس الكامل للملف النووي، واعتراض إيران المتكرر على دخول فرق التفتيش الدولية إلى مرافقها النووية.وقالت جونسون إن دول مجلس التعاون الخليجي مطالبة بوضع مبادرات وآليات جديدة لبناء الثقة مع إيران، وفتح الباب أمام التفاوض المباشر معها، وألا تترك مسألة المفاوضات على اجتماعات (5+1).وأشادت بتوقيع دول الخليج على المعاهدة الدولية لحظر انتشار السلاح النووي، فيما أكدت عدم التزام إسرائيل بالشفافية والإفصاح الكامل لملفها النووي ونشاطها في مجال التخصيب، ولكنها غير ملزمة بأية ضمانات كما هو حال إيران.ودعت إلى عملية هلنسكي جديدة بالشرق الأوسط لمنع انتشار أسلحة الدمار الشامل والنووية بشكل خاص، في وقت يسبق اللجنة التحضيرية في العام المقبل 2014، بحيث تشمل الموضوعات الفنية والتشريعية والدبلوماسية المرتبطة بالتخلص من الأسلحة ومواد التسليح كالصواريخ، إضافة إلى القوانين والالتزامات والمسؤوليات الإقليمية.وأكدت ضرورة التركيز على مبادئ الأمن المشترك وحقوق الإنسان واللاجئين والحقوق السياسية والقضايا الإنسانية، وموضوعات مشتركة أخرى مثل الموارد الخاصة بالمياه وإدارة الحدود ومكافحة الإرهاب والاستجابة للحالات الطارئة مثل التهديدات النووية والكيماوية والبيولوجية، والحوادث، والتعاون البيئي والتكنولوجي والاقتصادي والعلمي، إلى جانب ترويج التبادل الثقافي والتعليمي لزيادة الفهم الإقليمي والحد من استخدام القوة بالنزاعات.وترى جونسون أن إيران ليس لديها حاجة حالياً إلى الوقود أو البرنامج النووي، لأنها لا تحتاج إليه بصورة عاجلة، وهي قادرة على رفع معدل التخصيب من 3.5% إلى 20%، لافتة إلى أن تصدي الدول الإقليمية للبرنامج النووي الإيراني يتسبب بزيادة المشكلة الأمنية وزيادة الحوادث النووية والإضرار بالأمن القومي لكافة الدول.من جانبه قال السفير محمود كارم من جمهورية مصر العربية، إن هناك تحديات كبيرة تواجه دول مجلس التعاون الخليجي على مواجهة مساعي بعض القوى الإقليمية لنشر أسلحة الدمار الشامل.وذكر كارم في ورقته أن منطقة الشرق الأوسط تعرضت لمحاولات مستمرة للتدخل في شؤونها، بما يؤثر على حالة الأمن والاستقرار فيها، مشيراً إلى أن هذه المحاولات لم تهدأ لكنها تأخذ أنواعاً جديدة من التهديدات.واستشهد ببعض الأمثلة على ما وصفه بالتهديدات «الأقل تسيساً» وتشمل حاجة دول مجلس التعاون إلى العمالة الأجنبية والتحويلات المالية خارج دولها وكذلك ندرة المياه، مؤكداً ضرورة السيطرة على مثل هذه التهديدات الماسة بالوجود والبقاء.وأضاف أن هناك تحدياً آخر لا يتعلق ببقاء الدول ووجودها فقط، وإنما بالتغيرات الهائلة التي تشهدها دول المنطقة، واستغلال الجماعات المتطرفة العابرة للحدود لتلك التغيرات والثغرات، لافتاً إلى أهمية تضافر مختلف الجهود لمواجهة تهديدات تشكلها جماعات متطرفة لا تؤمن بحدود وحكومات وأنظمة.وأشار إلى أن الولايات المتحدة قد تقدم على إجراء مفاوضات مع أطراف في المنطقة مثل إيران، تتعارض مع مصالح دول أخرى وهو أمر لابد من الاحتراز منه على حد وصفه.وتوقع ألا تتنازل إيران عن برنامجها النووي، لافتاً إلى أنها نفذت حملة كبيرة لإرباك خصومها وتخفيف الضغط والتهديد عليها، وأنها استخدمت السياسات الداخلية للوصول لتوافق رأي داخلي حول برنامجها النووي وتحقيق تطلعاتها الإقليمية والدولية.واعتبر أن مناورات إيران دفعت ثمنها باهظاً، وهو العزلة، حيث كانت تعمل لصالحها دون مراعاة لشركائها الخليجيين، ما يتعين أن تضعه إيران في الاعتبار لطمأنة جيرانها خاصة الخليجيين وبالتحديد الإمارات وجزرها المحتلة الواجب حلها عبر الحوار والتفاوض، مشيراً إلى أن مصر يمكن أن تلعب دوراً لتحقيق السلام الإقليمي في الخليج، لاسيما أنها اعتبرت أن أمنها هو من أمن الخليج.ورأى أنه يمكن المشاركة بين القوى الإقليمية للعمل من أجل إجراءات لبناء الثقة فيما بينها، من خلال التدريب والتطوير وبناء القدرات بشفافية في المجال النووي مما يحد من الأخطار.وأكد أن إسرائيل هي الوحيدة الآن بموقفها «المتعنت» تعوق بناء منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل، وأفاض في الحديث عن سلسلة انسحاباتها ومواقفها من الجهود العربية المبذولة في هذا الصدد، داعياً إلى موقف عربي واحد لإخلاء المنطقة من السلاح الشامل.وقال كارم إن حاجة الولايات المتحدة لإرسال رسائل واضحة وشفافة للمنطقة عن أي اتفاق أو صفقة مستقبلية مع إيران لن تأتي على حساب أمن دول مجلس التعاون الخليجي، بات أمراً ضرورياً.وذكر أن وقت المساومات الدبلوماسية الماهرة انتهى، وتوجد الآن حاجة ماسة لرسالة مطمئنة من إيران إلى شركائها دول مجلس التعاون الخليجي، خاصة بشأن التدابير الأمنية الإقليمية المحتملة للمساعي التعاونية.وأكد كارم أن التهديدات من أسلحة الدمار الشامل ووسائل إيصالها بقت ولاتزال واحدة من أخطر التهديدات التي تؤثر ليس فقط على السلم والأمن الإقليمي وإنما الدولي أيضاً، معتبراً أن مبادرة إنشاء منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل يظل هدفاً قوياً جداً ومشروعاً.وفي ورقته عن عصر الفضاء الرقمي وأشكال الحروب الرقمية الجديدة ومخاطرها، نبه المدير التنفيذي لمركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة «دراسات» د.خالد الرويحي، إلى زيادة المخاطر الناتجة عن صراعات الفضاء الرقمي بالمقارنة بالحرب التقليدية.واستشهد الرويحي بإحصاءات عالمية تقدر الخسائر البشرية بسبب استخدام التقنيات الحديثة بأكثر من مليوني شخص يلقون حتفهم سنوياً. وأرجع السبب إلى التطور التكنولوجي الحاصل على مستوى العالم، وسهولة امتلاك الجماعات المتطرفة والإرهابية التقنيات العالية المدمرة، لافتاً إلى أن أي مستخدم عادي اليوم يمكنه الحصول على تقنيات متطورة عشرة آلاف ضعف عما كانت عليه التقنيات الحاسوبية التي استخدمها الإنسان في للوصول إلى القمر في ستينات القرن الماضي.وأضاف أنه نتيجة لهذا التطور زادت خطورة ومستوى تدمير الأسلحة، لاسيما منها المستخدمة للفضاء الرقمي ساحة لها، واصفاً إياه بأنه تطور تقني مخيف أصبح متاحاً للجميع.ولفت إلى أن الدول النامية ومنها دول عربية لا تملك القوة في هذا الفضاء الرقمي كدول وحكومات، مشيراً إلى ضعف المحتوى العربي على الإنترنت الذي يشكل نسبة ضئيلة جداً من المحتوى الإلكتروني العالمي.وأكد الرويحي أن استخدام الأفراد والجماعات للوسائل الإلكترونية في الإرهاب والجريمة المنظمة بات أمراً خطيراً ينبئ بمستقبل لا يبشر بخير، إذ إضافة إلى خطورة التداخل عبر الحدود وتجاوز القوانين والحكومات، أضحى من السهل انتشار وتداول الممنوع والبعيد عن الرقابة والتشجيع على خرق الأنظمة الداخلية للبلدان وصناعة المتفجرات وغيرها عبر الفضاء الرقمي.وقال إن هناك تحولاً كبيراً في عمل الأجهزة والمعدات بمختلف أشكالها والتي أصبحت تعتمد على أنظمة تشغيل إلكترونية مؤكدة خطورة الحصول على التحكم في أنظمة التشغيل من قبل قوى بمقدورها شل حركة أنظمة التشغيل والدخول على أنظمة الحاسوب وتعطيلها، مشيراً إلى أبرز الحروب الإلكترونية في إستونيا عام 2007 عندما تم استهداف حكومتها الإلكترونية وتخريب أجهزتها، وهناك الفيروس المطور في إسرائيل والولايات المتحدة لإطلاقه على المفاعل النووي الإيراني.وأضاف أن خطورة الجرائم عبر الفضاء الرقمي تتمثل في سهولة إدارة الشبكات الإرهابية عبر الإنترنت، وصعوبة ملاحقة أنشطتها جغرافياً، إذ ليس لها وجود ثابت جغرافي ويتم الاتصال فيما بين أعضاء تلك الشبكات عبر برامج مشفرة، ما يصعب من وصول الأجهزة الأمنية للمتورطين.ودعا الرويحي إلى تطوير مؤسسات النظام العالمي الذي وصف بعضها بالهشة لكونها غير قادرة على تحقيق مرئيات وتطلعات الشعوب في العيش بأمن وسلام، لافتاً إلى ازدواجية المعايير في تلك المؤسسات.وأكد أهمية تطوير النظم العالمية الجديدة التي تحافظ على سيادة الدول في عصر الفضاء الإلكتروني، مع الأخذ بعين الاعتبار الفجوة الرقمية الواسعة بين المجتمعات المتقدمة والنامية.