كتب- عبدالرحمن محمد أمين:من جندي في قوة دفاع البحرين- سلاح البحرية الملكي- إلى مستشار ودكتور في القانون، هكذا خط المستشار الدكتور مال الله جعفر عبدالملك الحمادي، حياته ومستقبله من مقاعد الدرس الأولى إلى مقاعد الجامعة، فهو ابن المحرق التي ولد فيها وخرج للحياة في الأول من يونيو من العام 1961.. نشأ وترعرع في فريق العمال شرق الكازينو، ضمن أسرة تكونت من أب وأم وأربع أولاد وأربع بنات، وترتيبه بينهم الرابع.. كان والده يعمل غواصاً ضمن إحدى سفن الغوص، ورغم ضنك الحياة آنذاك وشظف العيش ورغم كون والده رحمه الله أمياً، إلا أنه استطاع القراءة والكتابة من خلال تعلمه وحفظه للقرآن الكريم، واستطاع أن يوفر كل السبل الممكنة لتعليم أولاده وبناته، نتيجة إيمانه الشديد بأهمية التعليم في بناء مستقبل الأولاد والبنات، وهذا بحد ذاته درس كبير تعلم منه الدكتور مال الله الكثير من العبر.المرحلة الابتدائيةدرس الدكتور مال الله الحمادي في مدرسة خالد بن الوليد في منطقة «استيشن» كغيره من أولاد منطقته، وذلك لمدة ست سنوات أي من الصف الأول وحتى الصف السادس من 1967 لغاية 1973، «كان مدير المدرسة آنذاك الأستاذ إبراهيم السيد أطال الله عمره، ومن المدرسين الذين أدين لهم بالفضل الأستاذ علي حساني الله يرحمه والأستاذ صالح صويلح يوسف بوخلف، خليفة عبدالله الجيران، يوسف المناعي، عبدالكريم عبدالرحمن، عبدالله جكنم، ابراهيم الديسي، علي السماهيجي، وغيرهم ممن لا تسع الذاكرة لذكرهم.يتذكر الدكتور مال الله تلك الأيام ويقول « رغم صعوبة الظروف الدراسية في تلك الفترة من جميع النواحي حيث لا مكيفات ولا ماء بارد ولا مرافق صحية جيدة ولا كماليات ولا مصروف مناسب ولا رواتب مناسبة للمدرسين، إلا أن العلاقة بين المدرس والتلميذ كانت بمثابة علاقة الأب بابنه، فكانت فعلاً تربية وتعليم حيث كان المدرسون يحرصون على تربيتنا على حسن الخلق واحترام الغير والتقيد بديننا الحنيف وما فيه من عبادات وأسس التسامح والأمانة وعمل الخير والبر بالوالدين قبل حرصهم على تعليمنا «، ونظراً لإيمان أهلنا بذلك الدور الكبير للمدرسين فقد وثقوا فيهم ثقة عمياء، حتى إن تعرضنا للضرب نتيجة التقصير واشتكينا لهم ذلك، كانوا يقولون لنا « زين سوى فيك، هذا مدرسك ولازم تسمع كلامه وتسوي اللي يقول لك عليه»، حينها كنا صغاراً ولا نعي جيداً ماذا تعني هذه العبارات، بل كنا لا نهتم بها أصلاً، لكن عندما كبرنا ودارت عجلة التطور في الحياة، وطرأ التغيير على كافة المفاهيم والسلوكيات، بدأنا نلحظ ما يقوم به مدرسو المراحل المختلفة في عصرنا الحاضر، أدركنا فعلاً ماذا كان يعني آباؤنا عندما كانوا لا يعيرون شكاوينا لهم من المدرسين أي اهتمام، أما الآن فقد أصبحت العملية تعليم فقط، وللآسف فإن البعض حتى هذه العملية لا يفيها ولا يعطيها حقها بالكامل رغم جهود المسؤولين الحثيثة، لكن كل ذلك لا يقلل في ما وصلت إليه العملية التعليمية في مملكتنا الغالية من تطور يحاكي أرقى ما وصلت إليه الدول التي سبقتنا كثيراً في هذا المجال، وما صاحب هذا التطور من كفاءة عالية في مخرجات مختلف المدارس والجامعات.شقاوة الطلابمن المواقف التي لا ينساها.. يقول مال الله:» في المرحلة الابتدائية كنا في إحدى حصص التربية الإسلامية وكان المدرس منهمكاً في الشرح وخلال سيره بين جنبات كراسي الطلبة «الأدراج»، ورغبة مني في إضحاك زملائي التلاميذ، رحت أوسخ ثوب المدرس عندما كان يمر بجانبي بكافة الألوان من خلال أقلام «المجك كلر»، في اعتقاد مني بأن المدرس لا يشعر بذلك، لكن الطامة الكبرى عندما انتهى الدرس قام المدرس ونظر إلى ثوبه من الخلف ليرى لوحة فنية من الألوان، فما كان منه إلا أن أخذني إلى المدير، الذي بدوره لم يقصر معي وضربني ثلاث ضربات بعصاه جعلتني أبكي حتى وصلت إلى البيت، لكنني مازلت أتساءل أنه طالما الأستاذ كان يعلم بأنني أرسم بالألوان خلف ثوبه لماذا لم يوقفني من البداية بدلاً من الانتظار حتى آخر الحصة حتى امتلأ ثوبه بالزخرفة.المرحلة الإعداديةبعد اجتياز المرحلة الابتدائية انتقل مال الله مع زملائه في الصف السادس إلى مدرسة عمر بن الخطاب لبداية المرحلة الإعدادية وهناك قضى سنة واحدة افترق بعدها الزملاء والأصدقاء، حيث انتقل هو وبعض الزملاء إلى مدرسة طارق بن زياد القريبة من سكنهم، فيما البعض الآخر توجه إلى مدارس أخرى قريبة أيضاً من منازلهم، وقضى الحمادي في هذه المدرسة سنتين» الثاني إعدادي والأول ثانوي» حيث كان آنذاك لم يقرر الصف الثالث إعدادي بعد، وفي هذه المدرسة بدأ النضوج الفكري واتسعت المدارك نتيجة التطورات المتعاقبة في مناهج التعليم وطرقه، كما تشعبت العلاقات نتيجة زيادة عدد التلاميذ الزملاء من مدارس أخرى وتعتبر هذه المرحلة هي مرحلة التحول فعلاً وكان مدير المدرسة في تلك الفترة الشيخ عمر آل خليفة أما المدرسون فكان بينهم الأستاذ أحمد بوهيال رحمة الله عليه والأستاذ محمد خلقون والأستاذ حسن عجلان والأستاذ محمد الجودر والمرحوم محمد عجلان والأستاذ علي المحميد وبعض المدرسين السوريين «عاطف السلطي وبدر الأسدي ولطفي الأسدي وعرفان وغيرهم».مواقف لا تنسىكون مدرسة طارق بن زياد تطل على البحر مباشرة من ناحية الشرق، فقد كانت تكثر في فصل الشتاء طيور النورس وكانت تحط في ساحة المدرسة لتناول بقايا الساندويتشات وغيرها من أنواع الأكل الأخرى وكان صفنا يقع على زاويتين، الشرقية منهما تطل على البحر وبعض الطلبة يصطحب معه خيوط صيد الأسماك ويضعون في الخطاف «الميدار» قطع بعض بقايا الأكل ويرمونه من الصف في الطابق الأول حتى يصل الأرض دون علم المدرس طبعاً الذي هو مستمر في شرح الدرس، حتى إذا علق الخطاف «الميدار» في حلق طائر النورس، إذا به يصيح ويصدر أصواتاً قوية، ويهب الطلبة ليروا الطائر وحجمه، وتحدث فوضى في الصف ويأتي المدرس ليرى ماذا هناك، فيقوم الطالب المعني على طول برمي بقية الخيط حتى لا يوجه له اللوم، وبنهاية الحصة ينزل إلى ساحة المدرسة ليأخذ الطائر ويصطحبه معه إلى المنزل. وكان سور المدرسة من ناحية البحر على شكل شبك من حديد غير سميك، واستطاع بعض الطلبة من قطعه وعمل فجوة تسع لخروج الشخص منها، فكنا نخرج ونذهب إلى الخباز المجاور لشراء الخبز الحار والجبن والبيبسي كولا.ورغم كل ذلك إلا أن العلاقة بين الطلبة والمدرسين والمشرفين كانت جيدة، وتتميز بالاحترام المتبادل والمحبة والأخوة، وفي هذه المرحلة بدأنا نعي جيداً أهمية الحصول على التقديرات العالية والعلامات الكبيرة، فقد اشتد التنافس بيننا، ولله الحمد كنت من المتفوقين دائماً.بقية المرحلة الثانوية بعد اجتياز الصف الأول ثانوي في مدرسة طارق بن زياد انتقلنا لمواصلة المرحلة الثانوية في مدرسة الهداية الخليفية، واخترت المسار العلمي نتيجة حبي للعلوم والرياضيات، وكان مدير المدرسة آنذاك الأستاذ محمد العيد - أطال الله عمره - الذي خلفه لاحقاً الأستاذ محمد عبدالملك، ومن المدرسين المرحوم عبدالرحمن كتمتو، وعزيز مندي، وعادل عفيفي، وجمعة راشد، وجمال أحمد، وماهر محمد، وغيرهم من المدرسين العرب.في مدرسة الهداية الخليفية بدأت تتبلور فكرة التخصص في الدراسة الجامعية وما يجب القيام به من جهود في بعض المواد للحصول على المجموع الذي يؤهلني لذلك، حيث إنها المحطة الأخيرة والسلم الذي سيوصلني لأبواب الجامعة ورسم مستقبلي، لذا كانت المثابرة أكبر، والجهد مضاعف، وتم الاستغناء عن العديد من ملهيات الدراسة، وصار التركيز على كيفية الحصول على أعلى مجموع، كل ذلك نتيجة وازع ذاتي داخلي وبدون ضغوط من أي كان ولله الحمد حصلت على مجموع 71% آنذاك أي في عام 1978.ورغم صعوبة ظروف الدراسة في السابق إلا أنني فعلاً أشتاق كثيراً لأيام الدراسة في جميع مراحلها، لأن فيها ذكريات الطفولة والمراهقة والنضوج الحلوة التي لا يمكن نسيانها.تحمل المسؤولية نتيجة كوني الأكبر من الأولاد في المنزل نتيجة مهاجرة أخويي الأكبر إلى قطر، فقد تحملت المسؤولية في سن مبكرة جداً، فقد كان والدي كبيراً في السن ولدي ثلاث أخوات وأخ صغير حينها، لذا تحملت مسؤولية متابعة أمورهم الدراسية والاجتماعية وأنا في سن مبكرة جداً، وبفضل من الله العلي القدير استطعت أن أحرص متابعة تعليمهم جميعاً، فمنهم من حصل على الثانوية العامة والآخر حصل على الشهادة الجامعية. الخيار بين الدراسة والعمليواصل مالله «كان أخي الأكبر أحمد قد استقر في قطر، وأخي عيسى» رحمه الله بعد اجتيازه المرحلة الجامعية أيضاً استقر معه، وكان أبي رحمه الله قد بلغ من الكبر عتياً، وأحيل إلى التقاعد من وزارة الأشغال نتيجة كبر سنه، وذلك بعد سنوات من الكد والتعب والجهد في سبيل تربيتنا وتعليمنا، لذلك أنا كنت ما بين خيارين إما أن أواصل دراستي الجامعية سواء محلياً أم خارجياً، أو أن أقرر الانخراط في سوق العمل لمساعدة أبي في تكاليف معيشتنا أنا وأخوتي، وقد اخترت الخيار الأخير نتيجة للظروف الصعبة وضحيت بالدراسة.العمل بقوة دفاع البحرين إيماناً مني بأهمية وواجب رد الدين للوطن، ورغبة في خدمة البلد من موقع يعتبر من أهم مواقع العمل على الإطلاق، وهو الذود عن حماها وترابها الغالي، إضافة لإيجاد مورد رزق لي ولأسرتي، فقد التحقت للعمل جندياً في قوة دفاع البحرين، وتحديداً في سلاح البحرية الملكي، وكان أول راتب أستلمه هو 160 ديناراً، وكنت مع زملائي نعتبر من مؤسسي السلاح ونواته الأولى، وخلال العمل في سلاح البحرية التحقت في عدة دورات خارجية، وكنت من ضمن أطقم السفن «الرفاع ، أحمد الفاتح، والمحرق التي أبحرنا بها من ألمانيا إلى البحرين بعد رحلة استغرقت 45 يوماً».بعدها تدرجت في الرتب العسكرية إلى أن وصلت إلى رتبة وكيل أول، وعملت أخيراً مدرساً في المدرسة البحرية، ورغم صعوبة العمل العسكري بصورة عامة والعمل في سلاح البحرية بصفة خاصة، إلا أنني أعتز كثيراً بخدمتي في هذا القطاع حيث كانت هي أساس وبداية تكوين مستقبلي، وفيها تعلمت كل معاني الولاء والوفاء والإخلاص والأمانة والصبر وسعة الصدر، وكيفية التصرف في أحلك الظروف وأقساها، ولولا خدمتي في قوة الدفاع لما وصلت إلى ما وصلت إليه الآن، لذلك فإنني أعتز كثيراً بهذه الخدمة العسكرية.أوسمـة تقدير، فقد حصلت خلال خدمتي في قوة الدفاع على ثلاثة أوسمة هي: وسام تقدير الخدمة العسكرية، ووسام الواجب العسكري وكذلك وسام تحرير دولة الكويت . وبلا شك أن خدمتي في قوة الدفاع هي أساس بداية حياتي العملية التي أفتخر بها كثيراً، وليسانس الحقوق التي حصلت عليها أثناء الخدمة العسكرية هي الجسر الذي قادني نحو الدكتوراه. الدراسة الجامعية خلال خدمتي في سلاح البحرية الملكي، راودتني فكرة مواصلة الدراسة الجامعية بالانتساب، وكانت حينها جامعة بيروت العربية هي الجامعة ذات الصيت القوي على المستوى العربي، خصوصاً في مجال الانتساب، وسألت نفسي مراراً قبل اتخاذ القرار هل بإمكاني أن أوفق بين العمل على ظهر السفن والدراسة الجامعية؟ وعرضت الموضوع على أخي الأكبر الدكتور أحمد الذي شجعني كثيراً وعرض علي تقديم كافة أنواع الدعم، كما استشرت أخواني الضباط والأفراد في السلاح الذين هم جميعاً أيضاً شجعوني ووقفوا معي في هذا التوجه، وأخيراً عرضت الموضوع على قائد السلاح آنذاك أخي الكبير اللواء الركن يوسف أحمد مال الله الذي هو الآخر رحب بالفكرة وشجعها، وحرص على ضرورة تنفيذها إيماناً منه بقدراتي العلمية والعملية ورغبة منه في تبوئي مراكز أفضل في المستقبل، وبفضل من الله وتوفيقه استطعت إنهاء الدراسة الجامعية والحصول على ليسانس الحقوق في أربع سنوات، وذلك بعد جهود مضنية وظروف صعبة سواء من الناحية العملية أو الأسرية أو المادية، ومما لاشك فيه أن هذا الإنجاز يعد بالنسبة لي مفخرة ونقطة تحول في حياتي، فلا أفضل ولا أجمل من أن يضع الإنسان له هدفاً محدداً ويسعى إلى تحقيقه بما أوتي من قوة وإمكانية ويتجاوز كافة الصعاب والمعوقات ويصبر على كافة أنواع المحبطات والظروف ليصل أخيراً إلى هدفه مرفوع الرأس. الخطوة التاليةأثناء حصولي على الشهادة الجامعية وصلت إلى رتبة وكيل أول، وصرت مدرساً لأسس وقواعد الاتصالات البحرية، وكنت شغوفاً وتواقاً للحصول على الترقية التالية إلى رتبة ملازم، وفعلاً تم اتخاذ الإجراءات اللازمة من قبل سلاح البحرية الملكي، إلا أن الله لم يكتب لي ذلك، وحمدت الله على كل حال ومن ثم دخلت في محادثة مع النفس بشأن الخطوة التالية، فإنني الآن أحمل شهادة جامعية في القانون، ولا بد من ممارسة العمل القانوني، لذلك لا بد من اتخاذ قرار مفصلي آخر يتناسب مع وضعي الجديد.وقررت حينها أن انتقل للعمل في مديرية القضاء العسكري، وعندما وصل كتاب طلب النقل إلى القيادة العامة لقوة الدفاع، ارتأى المسؤولون هناك بأن الحاجة ملحة لأكون في قسم التقاعد العسكري بشؤون الضباط والأفراد، نتيجة وجود الكثير من الأمور القانونية التقاعدية فيما يتعلق بتطبيق قانوني التقاعد العسكري والمدني. ونظراً لكوني عسكرياً، ورغبة مني في خدمة وطني في أي موقع كان، إضافة إلى كون العمل هناك قانونياً بالدرجة الأولى فقد نفذت الأمر وامتـثـلت لطلب المسؤولين في القيادة العامة للانتقال للعمل بقسم التقاعد في مديرية شؤون الضباط والأفراد. قضيت حوالي ثلاث سنوات في قسم التقاعد بالقيادة العامة استطعت خلالها الإلمام بكافة أحكام قانوني التقاعد العسكري والمدني، كما عينت كحلقة وصل بين القيادة العامة والهيئة العامة لصندوق التقاعد. وساهمت في حل العديد من الإشكالات القانونية المتعلقة بحقوق العسكريين والمدنيين التقاعدية وغيرها من الحقوق المتعلقة بمزايا القانون الأخرى كاستبدال المعاش وشراء الخدمة الافتراضية وقرض الصندوق والخدمة السابقة وغيرها من المزايا الأخرى.العمل بصندوق التقاعدبعد الغوص في أحكام ونصوص التقاعد العسكري والمدني والتعامل بموجبها طوال السنوات الثلاث التي قضيتها في قسم التقاعد بالقيادة العامة، أحببت هاذين القانونين وفكرت في مدى إمكانية اتخاذ قرار أشد حسماً من سابقه في مسيرتي العملية يتمثل في الانتقال للعمل في الهيئة العامة لصندوق التقاعد ذاتها نظراً لتعامل الهيئة مع عدد كبير من الموظفين المدنيين الخاضعين للقانون، إضافة طبعاً للعسكريين، كما إن الفرصة هناك متاحة بصورة أكبر لتنمية قدراتي القانونية من خلال المشاركة في الندوات وورش العمل وتنظيم المحاضرات التقاعدية، والمشاركة في الاجتماعات ذات العلاقة محلياً وخارجياً، وفعلاً وبعد خدمة عسكرية دامت نحو 16 سنة، قضيتها متفانياً وأميناً ومخلصاً لوطني قررت الانتقال لخدمة الوطن من موقع آخر ومن ثم العمل في الهيئة العامة لصندوق التقاعد، وبجهود كبيرة من مدير عام الهيئة محمد العلوي آنذاك أطال الله عمره توظفت في الهيئة باحث قانوني أول ومسؤولاً عن التقاعد العسكري والمدني، وكان ذلك عام 1995 تقريباً.وعملت بالهيئة مدة خمس سنوات، كنت خلالها أعيش في جو الانضباط العسكري، وشاركت في عدة دورات ومؤتمرات واجتماعات وورش عمل ومحاضرات داخلية وخارجية، إقليمية ودولية، وساهمت في إعداد الكثير من المذكرات والآراء القانونية فيما يتعلق بتطبيق أحكام كل من قانوني التقاعد المدني والعسكري، كما قمت بترجمة العديد من أنظمة الضمان الاجتماعي لبعض الدول الأوروبية والآسيوية والأفريقية ودول أمريكا اللاتينية، وكنت من ضمن المشرفين على نشرة التقاعد وساهمت في الكتابة فيها بالعديد من المواضيع التقاعدية التي تهم الموظفين عموماً.المحطة الأخيرة بعد قضاء خمس سنوات في العمل بالهيئة العامة لصندوق التقاعد، وجهود المدير العام لدائرة الشؤون القانونية سلمان سيادي «آنذاك» انتقلت للعمل في دائرة الشؤون القانونية كمستشار في عام 2000، والعمل في الدائرة «هيئة التشريع والإفتاء القانوني حالياً» يختلف كثيراً عن العمل في أي مكان آخر، فقد تم صقل موهبتي القانونية فعلاً في هذه الدائرة وذلك من خلال الاحتكاك بالمستشارين من مجلس الدولة المصري وتبادل الأفكار والمناقشات المستمرة فيما يتعلق بإصدار التشريعات الجديدة وتعديل التشريعات القائمة وإعداد الآراء القانونية وصياغة المذكرات والاتفاقات والعقود، وخلال العمل بالدائرة «الهيئة» ساهمت مع زملائي في إعداد الكثير من التشريعات المهمة التي جاءت ثمرة للمشروع الإصلاحي لحضرة صاحب الجلالة الملك المفدى، منها قانون مجلسي الشورى والنواب، وقانون مباشرة الحقوق السياسية، واللائحة الداخلية لمجلس النواب واللائحة الداخلية لمجلس الشورى، وقانون ديوان الرقابة المالية والإدارية، وقانون البلديات، وقانون المناقصات والمزايدات، وغيرها من القوانين التي صاحبت ومازالت تصاحب الطفرة والنقلة النوعية التي تمر بها مملكتنا الغالية في كافة المجالات وتمت ترقيتي لعدة مرات خلال فترة عملي بالهيئة إلى أن وصلت حالياً إلى درجة مدير إدارة التشريع والجريدة الرسمية وهذا بفضل من الله وبدعوات الوالدة الله يحفظها وبدعم من رئيس هيئة التشريع والإفتاء القانوني عبدالله البوعينين. الماجستير والدكتوراهنتيجة لعدم وجود حد أقصى لطموحي الدراسي وتنمية قدراتي، ورغبة في تحقيق هدفي الجديد وهو الحصول على الدكتوراه أسوة بأخي أحمد، فقد انتظمت لدراسة الماجستير في القانون أنهيت الدراسة وحصلت على شهادة الماجستير في القانون الإداري عام 2007، ومن ثم تغلبت على كل الظروف التي واجهتني وسجلت في جامعة الدول العربية للحصول على شهادة الدكتوراه في القانون، وبعد ثلاث سنوات ونصف تقريباً من الجهد والتعب والتحصيل العلمي المتواصل، والتوفيق بين كم العمل ونوعيته وكافة ظروف الأسرة وبين الدراسة، وحققت أمنيتي بالحصول على شهادة الدكتوراه في القانون العام بتقدير مرتبة الشرف الأولى، وكانت الرسالة تتعلق بالمناقصات والمشتريات الحكومية تحت عنوان «ضمانات المتعاقد مع الإدارة دراسة مقارنة».وقد تشرفت بمقابلة صاحب السمو الملكي رئيس مجلس الوزراء، وإهدائه نسخة من رسالة الدكتوراه، التي أعتبرها من أسعد لحظات حياتي. كما إن رسالة صاحب السمو الملكي ولي العهد النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء التي أشاد بها بجهودي في حصولي على شهادة الدكتوراه نزلت علي مثل البلسم وأنستني كل تعب السنين. وبلا شك ستبقى توجيهات وإشادة المشير الركن الشيخ خليفة بن أحمد آل خليفة أثناء إهدائه رسالة الدكتوراه أمامي حاضرة في كل درب من دروب حياتي. ولا أنسى وقفة أخي الأكبر الدكتور أحمد معي طوال فترة الدراسة وحضوره شخصياً معي وتشجيعه لي أثناء مناقشة رسالة الدكتوراه. وكم كنت أتمنى مشاركة أخي عيسى رحمه الله فرحتي بحصولي على الدكتوراه، حيث كان دائم التشجيع لي نحو مواصلة التحصيل العلمي، ولذلك فإن وفاته كانت فعلاً صدمة كبيرة لي.البحـوث والكتبالتطور التاريخي لنظام التقاعد البحريني، التعويض عن الأمراض المهنية في قانون التقاعد البحريني، القانون الواجب التطبيق على التحكيم في العقود الإدارية، المناقصة العامة كضمانة من ضمانات العقد الإداري «دراسة مقارنة» «رسالة ماجستير»، ضمانات المتعاقد مع الإدارة «رسالة دكتوراه».الرياضة والعمل التطوعيكأغلبية المواطنين البحرينيين، مارست رياضة كرة القدم منذ الصغر في الحي «الفريج»، وكنت ضمن أشبال فريق الساحل الرياضي الذي احتضن في فريقه الأول العديد من النجوم قبل انتقالهم إلى الفرق الكبيرة ومن هؤلاء: حمود سلطان، ومحمد سلطان، وماجد سلطان، وجاسم ومشعل الخجم، وعبدالله مفرح، وإبراهيم زايد، وهزيم أحمد، ومحمد بودهوم، وسعد غانم، وعبدالرحمن السليطي، وغيرهم من النجوم أمثال عبدالرحمن وإبراهيم سعد، وصلاح محمد، وراشد يوسف، ومرشد شاهين، ويوسف وسلطان الخلاصي، ويوسف الياسي، وجاسم المناعي، ومحمد مال الله، والمرحوم عبدالصالح.وكان لمؤسس الفريق «إسماعيل مبارك» رحمة الله عليه، الفضل بعد الله في لم شباب الفريج وتأسيس هذا الفريق وعمل دورات صيفية كان لها صيت آنذاك ويشارك فيها العديد من الفرق من مختلف قرى ومدن البحرين، وكان رحمه الله بمثابة والد الجميع، كما إن زوجته كانت رحمها الله بمثابة والدة الجميع حيث كنت تخيط لنا الشورتات، وكان بيتهما بمثابة مخزن للشباك وكرات القدم، كما كان مجلس المنزل محل اجتماعات الفريق، وقد سافر الفريق إلى قطر عام 1969 عن طريق البحر وأجرى العديد من المباريات هناك مع بعض الفرق القطرية، وتخليداً لذكرى مؤسس الفريق إسماعيل مبارك، تقدم خالد فهد بفكرة إقامة دورة في كرة القدم، وفعلاً وبجهود الأوفياء من الفريج استطعنا إقامة الدورة الأولى على ملاعب نادي الخليج عام 1994 شارك فيها ما يقارب 120 لاعباً من لاعبي فريق الساحل القدامى وأولادهم وذويهم في جو عائلي جميل وقسمت الفرق إلى عدة مجموعات وحملت الفرق أسماء المتوفيين من رجالات الفريج، وفاز بالبطولة فريق مبارك السليطي، ثم توالت الدورات بصورة مختلفة، حيث حرصت الفرق من مختلف المناطق على المشاركة فيها واستمرت سنوياً، حتى عام 2005 تقريباً فقد انشغل أغلب الشباب بأمورهم الاجتماعية والحياتية، إلا أن فكرة إحياء الدورة من جديد مازالت تراودني وتراود العديد من الإخوة، ويعتبر فريق الساحل رافداً هاماً من روافد نادي المحرق على وجه الخصوص،، فقد كان مؤسس الفريق إسماعيل مبارك محرقاوياً حتى النخاع، وكان إذا لاحظ بروز نجم من نجوم فريق الساحل، فإنه يقوم بنفسه بعرضه على المسؤولين في نادي المحرق لكي ينظم للفريق. وهذا ما حدث لحمود سلطان، ومحمد سلطان، ومحمد بودهوم، وسعد غانم، وعبدالله مفرح، وإبراهيم زايد، وغيرهم كثير، ورغبة مني في لم شمل أعضاء ولاعبي فريق الساحل بمختلف أجياله قمت في عمل مجموعة للتواصل مع بعضنا في كافة المناسبات، كما إننا نلتقي شهرياً تقريباً لتبادل الأحاديث وسماع آخر الأخبار من بعضنا البعض واسترجاع ذكريات الفريق ومختلف المواقف التي كانت تحدث. ونتيجة لحبي الشديد للعمل التطوعي، فقد كنت من ضمن مجلس إدارة نادي الشراع البحريني في الثمانينات عند تأسيسه، كما كنت ضمن مجلس إدارة نادي الخليج لعدة سنوات، وكذلك مجلس إدارة نادي الحالة، ومجلس إدارة اتحاد الرياضة للجميع، وكنت من ضمن أعضاء لجنة الاحتراف المشكلة في الاتحاد البحريني لكرة القدم، كما كنت من ضمن اللجنة المنظمة لحفل اعتزال النجم حمود سلطان، وإبراهيم زايد. كما شاركت في العديد من اللجان ذات الطبيعة التطوعية.والدي مدرسة للعلم حرص والدي رحمه الله على تعليمنا جميعاً رغم أميته وصعوبة الظروف آنذاك، درس كبير تعلمت منه الكثير من العبر، كذلك مقابلة صاحب السمو الملكي رئيس مجلس الوزراء، وإهدائه نسخة من رسالة الدكتوراه من أسعد لحظات حياتي، ولا أنسى رسالة صاحب السمو الملكي ولي العهد النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء، عندما أشاد سموه بجهودي في حصولي على شهادة الدكتوراه، فهذه الإشادة نزلت علي مثل البلسم وأنستني كل تعب السنين، إضافة إلى توجيهات وإشادة المشير الركن الشيخ خليفة بن أحمد آل خليفة أثناء إهدائه رسالة الدكتوراه ستبقى أمامي حاضرة في كل درب من دروب حياتي، وقوف أخي الدكتور أحمد معي طوال فترة دراستي الجامعية وحضوره شخصياً لمناقشة رسالة الدكتوراه في القاهرة موقف لن أنساه أبداً، ووفاة أخي عيسى في سن مبكرة نتيجة إصابته بالمرض الخبيث شكل لي صدمة كبيرة، خدمتي في قوة الدفاع هي أساس بداية حياتي العملية التي أفتخر بها كثيراً، وليسانس الحقوق التي حصلت عليها أثناء الخدمة العسكرية هي الجسر الذي قادني نحو الدكتوراه، وحصولي على الدكتوراه هي الأمنية التي تحققت فعلاً بفضل من الله ثم بدعوات الوالدة الله يحفظها، الإبحار بسفينة المحرق من ألمانيا إلى البحرين خلال 45 يوماً، تعتبر رحلة العمر التي لا تفارق الذاكرة أبداً. المناصب الحالية: مدير إدارة التشريع والجريدة الرسمية بهيئة التشريع والإفتاء القانوني، رئيس لجنة المناقصات والمزايدات في الهيئة، عضو المجلس الأعلى في الهيئة، عضو لجنة الفتوى بالهيئة، عضو لجنة التظلمات في الهيئة، رئيس لجنة التظلمات من قرارات الاستملاك للمنفعة العامة وقرارات التثمين، عضو لجنة المواصفات والمقاييس، عضو لجنة وضع سياسات حظر ومكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب.
مال الله جعفـر.. حكايـة جنـدي «البحريـة»
01 نوفمبر 2013