قال شيوخ وعلماء دين إن «في هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة، والتي مضى عليها أكثر من 14 قرناً من الزمان دروساً تمثل نبراساً للمسلمين في حياتهم وتعد منعطفاً في تاريخ الدعوة الإسلامية»، مشيرين إلى أن «هجرة الفواحش والمحرمات من أعظم الطاعات، والمهاجر الحق هو الذي يهجر المعاصي ويبتعد عنها بل لا يحوم حولها حتى لا يقع فيها»، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه».وأوضحوا أنه من «أبرز الدروس التي يتعلمها المسلمون من هجرة نبيهم، الأخذ بالأسباب والتوكل على الله، وكيف أن تدبير الله سبحانه وتعالى هزم مكيدة قريش عندما لم يبت الرسول في فراشه ليلة الهجرة وبات بدلاً منه سيدنا علي ابن أبي طالب كرم الله وجهه، إضافة إلى السرية التامة في خطة الهجرة، وتخفي الرسول مع صحابه أبي بكر الصديق رضي الله عنه 3 ليال في غار ثور حتى يهدأ الطلب من قريش في أثره، والله تعالى كان قادراً على أن يخفيه عن أعين قريش تماماً من أول الرحلة إلى آخرها كما فعل ذلك لما خرج صلى الله عليه وسلم من داره وهم على بابه، وقد أخذ الله أبصارهم فلم يروه، وحتى لما وصلوا إلى الغار أعماهم الله عن رؤيته وصاحبه، لنتعلم الدرس». وأضافوا أنه «من الدروس المستفادة أيضاً اتخاذ الدليل، وهو عبدالله ابن أريقط الليثي، وكان على دين قريش لمهارته ودرايته بالطريق، وفي ذلك جواز التعاون مع المشركين بما لا يضر المسلمين».واستشهد العلماء بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم، الذي رواه الإمام البخاري عن أنس عن أبي بكر رضي الله عنهما قال: «كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في الغار، فرفعت رأسي فإذا أنا بأقدام القوم، فقلت: يا نبي الله لو أن بعضهم طأطأ بصره رآنا. قال: «اسكت يا أبا بكر اثنان الله ثالثهما» وفي لفظة «ما ظنك باثنين الله ثالثهما». كما تجلت معجزة الهجرة أيضاً في قدرة الله على تحول موقف سراقة بن مالك، الذي كان يجد في أول النهار ليأتي بالرسول الكريم حياً أو ميتاً، طلباً للدية، فيتحول في المساء إلى حارس للرسول وصاحبه، يقول الله تعالى: «أليس الله بكاف عبده». وأشار العلماء إلى «أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم حول الهجرة، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا هجرة بعد الفتح لكن جهاد ونية». وأشاروا إلى أن «هجرة الفواحش والمحرمات من أعظم الطاعات، والمهاجر الحق هو الذي يهجر المعاصي من فسق وعصيان ويبتعد عنها بل لا يحوم حولها حتى لا يقع فيها». وأوضحوا أنه «من علامات المسلم التي يستدل بها على حسن إسلامه سلامة المسلمين من شره وأذاه بل إحسان المعاملة مطلوب مع الغير».وقالوا إن «المهاجرين فضلوا على من بعدهم برضا الله تعالى، ووعدهم سبحانه بالخلود في الجنة، ووصفهم بالصادقين». وتابع أن «الهجرة بالجسد من مكان لآخر هي الهجرة الظاهرة، والقصد الأعظم منها الفرار بالدين من الفتن، فهي واجبة على من عجز عن إظهار شعائر دينه. وفي مقابل ذلك، هناك هجرة باطنة، هي الأصل والمقصد، وهي واجبة على كل أحد، فهي هجرة ما نهى الله تعالى عنه بترك ما تدعو إليه النفس الأمارة بالسوء، وهذه الهجرة تسمو بالروح على الزمان والمكان والجسد، ويهفو معها القلب إلى الله ورسوله». ولفتوا إلى أن «الهجرة ذات شقين، هجرة إلى الله تعالى، وهجرة إلى رسوله الكريم، وهذا التقسيم مستنتج من قوله «ص»: «فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله». فأما الهجرة إلى الله تعالى فهي هجرة القلب من عبادة غير الله إلى عبادته سبحانه، يقول تعالى: «ففروا إلى الله»، فالفرار إليه تعالى هو الاستغناء به عمن سواه، واستحقاقه وحده تعالى للعبادة، ولهذا قرن الله سبحانه بين الإيمان والهجرة في القرآن في غير موضع، لتلازمهما واقتضاء أحدهما للآخر، وأما الهجرة إلى رسوله فتكون بتمثل أخلاقه في كل صغيرة وكبيرة، بحيث يكون سلوك المسلم موافقاً لشرع الله الذي جاء به نبيه».