تصدرت مؤخراً قضايا التمكين بشتى أشكاله، من تمكين اقتصادي وحقوقي وإعلامي وثقافي -وخصوصاً فيما يتعلق بالتمكين السياسي- العناوين الرئيسة للصحف المحلية والإقليمية والعالمية، واستحوذت على اهتمامات الرأي العام الخليجي والعربي والدولي، وهيمنت على أجندات مختلف المؤسسات المعنية بنشر مفاهيم الديمقراطية السليمة ودعم عمليات التحول الديمقراطي في كافة أنحاء العالم النامي، باعتباره حجر الزاوية للمبادرات الرامية لمعالجة مواطن الاختلال في علاقات القوة بين مختلف فئات المجتمع.اهتمت العديد من الدول بقضية التمكين السياسي، وعلى رأسها مملكة البحرين، فجعلتها ركيزة أساسية تقوم عليها خطط واستراتيجيات لوضع السياسة العامة للدول، والتي تهدف إلى إتاحة الفرصة للأفراد لأخذ زمام المبادرة والمشاركة الإيجابية في عملية صنع القرار، وهو الأمر الذي يؤدي إلى خلق مجتمع مدني ديمقراطي متعدد الأطياف تسوده قيم وممارسات العدالة والمساواة والاحترام المتبادل.والتمكين عموماً كممارسة فردية وسياسة مؤسسية عامة هو عملية ضرورية ومطلب لا يمكن الاستغناء عنه على مستوى الفرد والمجتمع، لما ينتج منه مواطنين أصحاب أفق واسع قادرين على التفاعل الإيجابي مع محيطهم السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وذلك من خلال إمدادهم بالأدوات الكافية والكفيلة بتعزيز دورهم كمواطن الفضاء العام.ولعل من أبرز الأدوات الجوهرية المساهمة في تحقيق مفهوم التمكين السياسي للمواطنين -لاسيما لفئاته الأقل حظاً في التمثيل البرلماني العادل والمشاركة السياسية المتساوية- هو الإعلام بوجهيه التقليدي والجديد، لما له من أولوية كبرى في إثراء الرأي العام وإصلاح الخلل حيثما وجد. إذ من خلال الإعلام يمكن استغلال طاقات المجتمع البحريني، ولاسيما النساء والشباب، وتأهيلهم على نحو يمكنهم من الانخراط في بنية إعلامية سياسية ديمقراطية سليمة، كي تعزز من قدراتهم ومهاراتهم العملية حتى يكونوا في صدارة العمل الإعلامي السياسي، ويتمكنوا من وضع خطط للاستراتيجيات والسياسات على مستوى مؤسسات المجتمع المدني، إلى جانب المؤسسات الرسمية التشريعية والتنفيذية والإعلامية.ومن هنا جاءت أهمية المحور الإعلامي الذي اختتم به معهد البحرين للتنمية السياسية برنامج إعداد الكوادر الواعدة الذي نظمه المعهد بالتعاون مع المجلس الأعلى للمرأة في الفترة من مارس إلى أكتوبر 2013م، وذلك باعتباره محوراً أساسياً لتأهيل الكوادر وتدريبها لتتمكن من المشاركة في الشأن العام وتقديم الدعم الفعال للمرأة والشباب البحريني بشكل خاص، ويأتي المحور الإعلامي مكملاً للمحاور الثلاثة التي سبقته والساعية في مجملها إلى نشر وتنمية الوعي السياسي والحقوقي بين شتى فئات المجتمع، وفقاً لأحكام الدستور ومبادئ ميثاق العمل الوطني والمشروع الإصلاحي لجلالة الملك المفدى حفظه الله ورعاه.وقد هدف المحور الإعلامي إلى تحقيق مجموعة من الأهداف المتوافقة مع الهدف العام للبرنامج، إذ سعى إلى تمكين المشاركين من إعداد استراتيجيات الاتصال العامة، وإدارة خطط الاتصال المؤسسية والإلكترونية وكيفية ربطهما بعضهما ببعض، إضافة إلى إدارة الاتصال في أوقات الأزمات، والتعرف على سبل الإقناع عبر الاتصال اللفظي، وماهية القدرة على الدفاع عن الأفكار والمشاريع، وأخيراً التعرف على أمثلة حية للأساليب الحديثة في التواصل الناجح على المستوى المحلي والعالمي، في أوقات السلم والأزمات. ومن أجل تحقيق هذه الأهداف الطموحة، تناول هذا المحور باقة واسعة ومتنوعة من المواضيع الإعلامية بشيء من التفصيل، حيث قدم مدخلاً مختصراً إلى علوم الإعلام والاتصال، والإطار القانوني الذي يحكمه تشريعات الإعلام والاتصال في مملكة البحرين. ومن ثم انتقل بعدها إلى البحث في محور الاتصال المؤسسي وما يتصل به من استراتيجيات وخطط الاتصال الخارجي والإلكتروني، ودراسة المفاهيم المتعلقة باستراتيجيات الاتصال وقت الأزمات لما لها من خصوصية، وفنون الإقناع عبر الاتصال اللفظي وتكتيكات الدفاع عن الأفكار والمشاريع. تلا ذلك دراسة لمحور مفصل للعلاقات الإعلامية وأساليب التواصل مع وسائل الإعلام، وكيفية تطوير العلاقات الإعلامية في العالم الافتراضي، وفنون التواصل مع وسائل الإعلام وقت الأزمات، وطرق إعداد معارض الصحافة المكتوبة والإلكترونية، ومهارات إعداد الملفات والبيانات الصحافية، وإجراء المقابلات الصحافية التقليدية والإلكترونية، وأخيراً تسليط الضوء على المعايير والأدوات الموضوعية لقياس مدى نجاح العلاقات الإعلامية.وفي ختام المحور الإعلامي تشرف المعهد باستضافة شخصيتين من أعمدة العمل الإعلامي في مملكة البحرين وهما سعادة الأستاذة سميرة بنت إبراهيم بن رجب وزيرة الدولة لشؤون الإعلام وسعادة الأستاذ محمد بن إبراهيم المطوع وزير الدولة لشؤون المتابعة لعرض تجاربهما القيمة في المجال الإعلامي على المشاركين في البرنامج ونقل خلاصة خبرتهما العلمية والعملية لهذا الجيل الواعد، لذا نأمل أن يأتي ما تحقق من إنجازات كبرى في سياق هذا المحور متناغماً مع متطلبات مسيرة مملكة البحرين نحو التنمية المستدامة ودعم الشباب والتقدم المستمر في إطار المشروع الإصلاحي لجلالة الملك والذي يعد تمكين المجتمع البحريني سياسياً واقتصادياً وإعلامياً ركيزة أساسية له، كما نتمنى أيضاً أن تتفق هذه الإنجازات مع النموذج الإعلامي البحريني القائم على المهنية الإعلامية والمسؤولية المجتمعية، والذي يرفض أي انحراف إعلامي يمس قيم المجتمع وتراثه وعقائده ومقدساته.سارة مسيفر- معهد البحرين للتنمية السياسية