كتب - عبدالرحمن محمد أمين: كانت البسيتين أيام خمسينات القرن الماضي مختلفة تماما من حيث عدد السكان والمساحة والعمران. واليوم تشكل البسيتين موقعاً جميلاً وهادئاً تجمع فيها العديد من الأسر المحترمة والمثقفة والمسؤولة التي أضافت الحداثة والتقدم والدعم للمنطقة حتى تغير شكلها ومساحتها وتحولت من قرية إلى منطقة كبيرة زاخرة بالمنشآت الخيرية والاجتماعية والحكومية والأهلية والمدنية ولها شوارعها الجميلة. وسعى أهالي البسيتين إلى زيادة مجالسها الاجتماعية التي يتناقش روادها في الشأن البسيتيني والمحلي واتفق الجميع لتطوير المنطقة والصمود أمام المؤامرات التي تحاك لبحريننا الغالية والوقوف معاً جنباً بجنب مع القيادة في هذا الوطن.نكهة خاصة «إن للماضي عند أغلب الناس وجود رهيب وذكريات لها حرمتها فلا تمس بالأكاذيب التي يأتي بها من لا يعرف مصدرها أو لم يلمسها أو تعايشها بنفسه أو من لم يكن جزءاً منها، والجميع يتحسرون على رحيل الأيام الماضية ويتغنون بالزمن الجميل، ولدي أنا شخصياً ولع كبير بماضي البسيتين لأني ولدت وترعرعت ولعبت على رمالها وفي بحرها وعلى سواحلها ومع ناسها وتعايشت فيها خطوة بخطوة. وها أنذا والحمد لله في الستينات من عمري ومازلت فيها والزمن الجميل هو أن تؤمن بالشيء الذي تحبه إلى حد اليقين إلى حد التضحية إلى حد الفناء والموت فيه، وهذا هو شعوري إلى من أحببت فيها! أليست هي ذكرى عطرة تستحق التوثيق والكتابة عنها لأنها هي البسيتين» ذلك ما يقوله يحي المجدمي أحد أبناء البسيتين الذين يتحسرون على تلك الأيام ويتمنون عودتها، وهو يروي بعضاً من ذكرياته عن البسيتين التي ولد وترعرع فيها، ويملي عليه الحنين للماضي بالرجوع لسنوات ليست بقريبة من هذا الوقت. حكاية المجدمي يقول المجدمي: تفتحت عيناي وأنا أرى الناس المجتهدين والمخلصين لقريتهم وأهلها الطيبين فسيظل هناك دائماً الحب الذي أحسبه من أنقى الصفات المعلقة في الصدور، فلا عجب أن يبقى مواطنوها في بيوتهم الضيقة فهم مازالوا يسلكون كل الطرق الممكنة وغير الممكنة لتحقيق تلك الأمنية العزيزة إلى نفوسهم وهي الحصول على سكن لائق من وزارة الإسكان لأنهم هم الأولى بها. فأبناؤها صابرون لعل وعسى هناك موعداً للعودة لتأكيد الاستمرارية في العيش على أرض الأجداد والآباء، البسيتين الحلوة الجميلة الرائعة بناسها قرية صغيرة مستطيلة الشكل تحدها من الشرق مقبرة المحرق الكبرى والقاعدة البريطانية ومن الغرب البحر، أي أن طول غربها كله ساحل ومن الشمال أيضاً البحر، وجزء كبير من سكن القاعدة البريطانية ومن الجنوب المدينة الأم «المحرق». ويضيف: ما أكثر البساتين والخضرة في هذه القرية ومن أشهر البساتين بستان الشيخ عبدالله بن عيسى، وفي ما بعد بستان الشيخة ثاجبة والبستان الغربي ويوجد فيهما أكبر عدد من النخيل وأشجار الكنار اللذيذ ويزرع فيهما الكثير من الخضروات، بستان سيادي ويتميز هذا البستان بكثرة أشجار لترني وهو من الحمضيات الحلوة الذي يستخدم في صناعة المربى وفيه أيضاً كثير من أشجار الليمون والمنكة - همب - و الرمان - بستان بوزبون ويشتهر هذا البستان بزراعة التوت الأحمر وزراعة ألجت -- المؤيد والشيرازي توجد فيهما أشجار النخيل وتزرع فيهما الخضروات. وقد تمتع أبناء البسيتين كثيراً في السباحة في برك هذه البساتين ولكن أكثرهم كان بستان سيادي، ويوجد في معظم بيوت أهالي البسيتين أكثر من أربع إلى تسع نخلات (النخيل) أو أكثر في البيت الواحد. 3 مساجد وبشأن المساجد يقول المجدمي: وجدنا في بداية العمر ثلاثة مساجد فقط في منطقتنا (الجامع الكبير- الخير حالياً والمسجد الجنوبي ومسجد بن صفر) كان عدد بيوتها لا تتعدى 220 بيتاً تسكنها عائلات معروفة لها تاريخها الطويل والحافل بالمروءة والكرم مع أهلها ولها تاريخ واسع مع البحر معظم أهلها نواخذة وأهل بحر فكان هناك عدد منهم يملكون مصائد الأسماك (المساكر والحضور الكراكير وشباك الصيد - القزل وسفن الصيد) والدي رحمه الله كان يمتلك حضرتين(واحدة تسمى نعموة والثانية مسكر) وهناك الكثير من الأسماء التي تطلق على الحضور منها: الرمسية، امدقش، النباعة، منيظرة، العظم، براحو، نعموة، الساية، المسكر، القيد، الفشتية والكثير الكثير، وكان أهل القرية يتجمعون على السواحل الجميلة ويفترشون التراب البحري الناعم النظيف وينتعشون بالهواء الطلق ويتمتعون بأكل التمر وشرب الشاي والقهوة وبالماء البارد الذي وضع في (الحب) وأعد له الأصدقاء الثلج الذي جلب من المحرق من مصنع الثلج الكائن بالقرب من مجلس بن هندي مستمتعين بأنغام أمواج البحر الذي أحبوه وأحبهم. ويبين أن معظم بيوت أهل البسيتين كانت مبنية من سعف النخيل وكانت أسوار هذه البيوت محاطة بالسعف وتسمى «رادة» وكان الأهالي يعيشون في أكواخ من البرستية والكوبر والطفاح والعريش ولكن هناك بيوتاً لا تتعدى عدد الأصابع مبنية من الطين والفرش البحري -- كانت معظم الأسر تمتلك الماعز والدواجن وتربى في هذه البيوت نفسها لكن في الصباح تطلق من المنازل لترعى في المقبرة وتأتي إلى المنزل قبل المغرب لتأخذ نصيبها من أكل ألجت وشرب الماء ومن ما يلفت النظر في بيوت أهل البسيتين هو وجود بئر (جليب) يستخرج منه الماء لاستخدامات عدة منها للغسيل والاستحمام والنظافة الأخرى ونفس هذه المنازل يحرص أصحابها بوجود قطعة من أرض البيت تخصص للضيوف وكثيراً ما تكون هذه القطعة مفروشة بالصبان الذي يأتي به من ساحل البحر(السيف) عندما كانت الشوارع غير مرصوفة والإنارة غير موجودة وتتراكم أكوام الزبالة في كل مكان (داعوس)، وكانت هناك عادات وتقاليد لتخويف الأطفال الصغار من الابتعاد عن أماكن بيوتهم فمن الأمهات من كانت تستخدم التخاريف والحكايات والقصص الخرافية لمنع أطفالهم الذهاب إلى المقبرة أو البحر أو السير واللعب تحت حرارة الشمس أو مرافقة الكبار غير المعروفين في القرية فكانوا يخوفهم من الغول في مياه البحر حيث يخرج مسرعاً ليصطاد الطفل وما هو إلا عمود شراع السفينة (دكل) وهناك من يمنع أطفاله الذهاب إلى المقبرة حين يقولون لهم إن ذهبت إلى المقبرة فإن السوس سيأكلك وما هو إلا رجل أسود مسالم وطيب يحب المشي في المقبرة ولا يؤذي أحداً كما وعند منع الأطفال الخروج من بيوتهم فإن الأمهات تحذرهم من أم حمار وما كانت هذه المرأة إلا امرأة كبيرة في السن عرجاء تخرج في الظهيرة وفي الليل تبحث عن كلبها الضال وهكذا فالحكايات الخرافية كثيرة فهي موجودة في معظم المناطق والقري البحرينية ولكن بحسب طبيعتها ومواقعها وأناسها - كما وإن هناك أيضاً المجالس التابعة للنواخذة والتي تطل نوافذها على شاطئ البحر الجميل ويكون التلاقي فيها صباحاً ومساء حيث يكرم الضيوف بأكل الغداء وأحياناً العشاء. فرق شعبية وبحسب المجدمي فإن زمان أول كان هناك فرق شعبية، وعن ذلك يقول: لا ننسى أن هناك مجموعة تحب الفن والأصوات الشعبية لها ديوانياتها الفنية - دورها - أتذكر اثنتين من هذه الدور الأولى في الوسط والأخرى في شمال البسيتين ويجتمع الأولاد في مجموعات في أحد البيوت التي تملك جهاز التلفزيون ويشاهدون التلفاز حيث إنهم يعرفون أوقات ومواعيد البرامج والأفلام العربية والأجنبية التي تبثها محطة أرامكو وهي الوحيدة في المنطقة ومن الأفلام والمسلسلات المشهورة أذكر التي كنا نشاهدها، منها بوناكو ورعاة البقر والهارب والمظليون والمصارعة الحرة وأفلام الكارتون وكنا نسميها (الينانوة) وتمتاز هذه القرية بوجود مقهى (عبدالرحمن) شمال القرية والذي تجمع فيه الشباب وكونوا فريقاً لكرة القدم أطلقوا عليه اسم (الكوكب) حيث يلعبون في المساء مباريات ودية مع فرق من المحرق، وكثيراً مع الإنجليز الذين كانوا متواجدين في شرق وشمال البسيتين ضمن أعضاء القاعدة البريطانية آنذاك وبعد المساء يتوافد نفس الجمع في المقهى ليلعبون الكيرم والدامة والبتة – لعبة الورق --- وبعضهم يتسلى بالحديث ويحتسون الشاي ويشربون النامليت والكاكولا ويتناولون الأحاديث في الشؤون المحلية والعربية وأكثرهم يستمعون للراديو خصوصاً إذاعة صوت العرب من القاهرة و إل بي بي سي من لندن، وكانت هذه البداية العام 1948 حتى تحول الشباب من هذه المقهى إلى أكثر من مبنى كناد مؤجر. نادي الكوكب ويشير إلى أن أول رئيس للنادي هو مال الله خلقون ومن ثم المرحوم إبراهيم الشبعان ومازال الأستاذ حسن محمد راعياً وأباً روحياً للنادي منذ تأسيسه إلى الآن وفي العام 1968 اندمج فريق النصر بالمحرق بنادي الكوكب (معظم لاعبيه من مدينة المحرق) وفي سنة 1969 اندمج مقر شباب البسيتين بنادي البسيتين، وكان مقر الشباب في بيت والدي رحمه الله حيث شارك الشباب باستخدام جزء من بيتنا الكبير بحدود مساحة دكانين وحقق لهم مطلبهم حيث مكثوا يزاولون أوقات فراغهم في دكانين مدة طويلة وكان يرأس المقر المرحوم الشيخ أحمد بن سلمان الخليفة ويساعده عدد من أبناء البسيتين منهم المرحوم صقر راشد المعاودة والسيد عبدالله علي المجدمي والأستاذ المرحوم سويد سعد العميري والأستاذ المرحوم محمد يوسف وعبدالرحمن حسن وإبراهيم عيسى ومحمود علي وأخوه أحمد علي وهو أصغر الأعضاء سناً والسيد عيسى موسى والسيد إبراهيم النعار والأستاذ محمد الخشرم وغيرهم من الشباب وكان الفريق متفوقاً وحصل على دروع دورة بوسمرة الصيفية وكان من أبرز الدفاع هو المرحوم (محمد الجبن) و بعد عملية الدمج أصبح اسم النادي هو ((البسيتين). ويضيف: اليوم نادي البسيتين وبعد التطور والتقدم وبسواعد أبناء المنطقة من الشباب أصبح من الأندية المتطورة ويحتل المراكز الأولى في معظم النشاطات الرياضية وخاصة كرة القدم وألعاب القوى وتنس الطاولة والطائرة، وكان لهذا النادي دور كبير في الأمور الاجتماعية والخيرية والخدماتية نأخذ منها الثقافية، حيث تمكنت إدارة النادي في ذلك الوقت أن تأتي بسينما شركة بابكو كل يوم ثلاثاء لتعرض أفلام تثقيفية في الصحة والسلامة والبحوث العلمية وغيرها من البرامج المفيدة للشباب، وكان الحضور كبيراً حيث يتجمع الصغار والشباب والكبار في «حوش» النادي ليشاهدوا برامج سينما بابكو المتنقلة. الذهاب للمدارس ويقول المجدمي: ما أجمل الصباح حين الذهاب إلى المدرسة فمعظم الطلبة كانوا يدرسون إما في المدرسة الشمالية الابتدائية (عمر بن الخطاب) أو في مدرسة الهداية الخليفية فالتجمع للانطلاق إلى المدرسة يكون عند المسجد الجنوبي، فصغار السن أي الذين في الابتدائي يمشون سيراً على الإقدام مع الكبار الذين يدرسون في الهداية ويراعونهم حتى الوصول إلى الشارع الذي يأخذهم إلى المدرسة الشمالية. وأتذكر جيداً إخواننا أهل عمان الذين يقطنون في البسيتين بأعداد كبيرة ففي الأعياد يخرجون في فرقة شعبية أمام بيتنا ويضربون الطبول ويغنون الأهازيج العمانية احتفالاً بالعيد ومشاركة منهم للأهالي بأفراح العيد السعيد، وهكذا مرت الذكرى العطرة لنتذكر أيضاً القلاف الكبير أحمد بوحسان رحمه الله وهو يصنع (يوشر) البانوش أو الشوعي أمام منزلة وهناك عدد كبير من الصغار والكبار يتفرجون على هذه المهنة الصعبة والتي تحتاج إلى الخبرة والحرفية الفنية والصبر ولندرة المياه الصالحة للشرب. فقد أخذ بعض قاطني البسيتين حرفة السكاي (الكلندر) حيث يضع السكاي جربتين مملوءتين بالماء الحلو على عصا أفقية ويحملها على كتفيه ويوصلها إلى البيوت ويصب الماء في قارورة كبيرة تسمى (ايحلة) ويصب الفائض من الماء في قارورة صغيرة تسمى (حب) ومن ثم تلف بقطعة من الخياش للمحافظة على البرودة وبعض العائلات تعطر القارورات بالبخور ليخرج الماء البارد بالوعاء الذي كنا نسميه (بالدي) معطراً حلواً وكان ثمن جربتين من الماء أربع أنات. المياه المعدنية وبحسب المجدمي فإن للمياه المعدنية حكاية، ويقول: لا يفوتني هنا أن أذكر بأن هذه المياه العذبة كانت متوفرة في البسيتين حيث وجود عيون المياه في مكانين إحداهما في الجنوب – قرب المسجد الجنوبي والأخرى قريبة من مسجد الخير وكانتا مقسمتين إلى قسمين (للرجال والأخرى للنساء) وكان الماء يتدفق بغزارة سنوات طويلة بدون وجود صنابير لإغلاقها فهي تستخدم للشرب والاستحمام وغسل الثياب بدون مقابل، وكانت المياه المستخدمة تصب في البحر مباشرة وذلك لقرب هذه العيون من البحر – كان معظم أهالي البسيتين يعملون في البحر ولكن بعد اندثار مهنة الغوص وتوفر العمل بأجر مقبول في السعودية اتجه معظمهم للعمل في خطوط التابلاين في (عريبية) كما كانوا يسمونها، وكان والدي أحد الأهالي الذين عملوا في السعودية مدة 15 سنة وكان ضمن مجموعة المرحوم الشيخ ماجد بن ناصر الخليفة ومع عدد كبير من رجال القرية وبعدها أنهوا عملهم هناك ليستقروا في بلدهم يعملون في القاعدة البريطانية (الاريف) ومنهم في بابكو(اليبل) وغيرها من الشركات والمؤسسات الحكومية والأهلية – إنها رحلة شقاء وتعب ولكنها جميلة وتوفي بالمتطلبات وتسير الأمور المعيشية بالراحة والاطمئنان والأمن والسلام والعيش الرغيد. الأعراس والأفراحوللأعراس في البسيتين طابع خاص، وفي ذلك يقول المجدمي: يتصاهر الشباب من فتيات القرية ومعظم التزاوج يتم بين الأقارب أو من الفتاة الجارة أي أن منزلها قريب من منزل الشاب أو من خلال صداقة أخ الفتاة بصديقة وطالما تكون ليلة الدزة يوم الجمعة ويحرص أهل العريسين أن يكون يوم الخميس ليلة سمر(سمرة) حيث يقوم مطربون متطوعون من شباب القرية بأداء الطرب والأغاني وأداء الرقص الشعبي، وكم كان التجمع كبيراً وكم كانت الفرحة عارمة بين أبناء المنطقة ويسمر الجميع حتى الساعة الواحدة ليلاً وفي اليوم التالي – الجمعة - وبعد صلاة الجمعة مباشرة يتقدم المدعوون إلى وجبة الغداء التي أعدت بهذه المناسبة وهي تتكون من لحوم البقر والعجل العربي والرز المعطر والفواكه الطازجة، كما توزع الصحون بالرز واللحوم وبعض الحلوى من أول بيت إلى آخر بيت في القرية ويتم الزواج ويفرح الجميع بهذه المناسبة وتكون زفة المعرس مشياً من بيت والده إلى بيت العروسة وتسمى هذه العادة بالعاشوري. رسالة حب ويضيف: عثرت على إحدى رسائل الزمن الجميل فيها الحب والمودة ومن ثم العتاب للحبيبة التي أصبحت من نصيب شاب آخر يقول فيها (حبيبتي الغالية--- شتان بين اليوم والأمس – الأمس الذي كنت أخشى فيه أن تغيب شمسه لئلا يطلع فجر يوم جديد يوقظنا من أحلامنا الوردية التي كانت تطوف بنا في سماء سندسية وتحلق بنا روابي الحب المزركشة كانت كلها مجرد أحلام – فتحنا عيوننا فإذا بنا لا نملك إلا القدر – و ضاعت أيامنا الحلوة – هل تعلمين أن بعض المحبين يسيئون إلى الحب تماماً كما يسئ الجناة إلى المجتمع – لست الآن في موقف العتاب وأنا أرسل إليك آخر رسالة يا مخيلتي العزيزة – كلامك – همساتك – ضحكاتك – حركاتك – سكتاتك – زعلك – كلها اليوم أمام عيني أحبك من كل جوارحي من قلبي – من فؤادي – كبدي – روحي – كياني وفي النهاية اتضحت لي الحقيقة المرة – أين وعودك لي أين أحلامنا التي رسمناها على شاطئ قريتنا الجميلة التي جمعتنا طويلاً صحيح. يا حبيبتي إن الفراق صعب ولكني سأتجاوز هذا القدر المشؤوم يا حبيبتي اليوم أريدك أن تفهمي أني لن ولم أفقد الرمق الأخير من حياتي فلم أموت من أجل حب زائف قلما يوجد فيه التضحيات – صدقيني لم تؤثر أو تعطل هذه الصدمة مسيرة حياتي فها أنا اليوم أنهض ثانية وسأحب مرة أخرى واحدة غيرك جزاك الله خيراً فأنت علمتني شيئاً واحداً لن أنساه وهو ألا أحب فتاة بعينها فقط بل سأحبها بقلبها ولذا فإنها لن تخونني أبداً – وداعاً) هكذا كانوا يحبون وهكذا كانوا يبتعدون وهكذا كانوا يعبرون ويكتبون ولكنهم لا يسيئون. شباب محبّون ويؤكد المجدمي أن معظم شباب منطقة البسيتين بماض وذكريات جميلة طالما تكون خالدة في أذهانهم وتفكيرهم وفي مداولاتهم وخاصة الذين هم الآن في سن الستين عاماً وما فوق - ذكرياتهم حافلة بالأحداث والقصص الرائعة وفي ذلك الزمن الجميل الذي مر هنا في (البسيتين) العزيزة فدمغت بدمغة لا تنسى أبداً في الذكرى، بسجل هائل من هذه الذكريات وكنز من العادات والتقاليد والأعراف سجلها الناس في الماضي وزينت الحياة في اليسيتين في تلك القرية الصغيرة الوديعة الرائعة خصوصاً في المناسبات والأعياد الدينية وحفلات الأعراس، وكانت تلك المناسبات تحمل معها التراث الشعبي وتعكس حب أهل المنطقة من خلال منهجية التعامل الأخوي بين الشباب والصغار والكبار من بنات وأولاد والحافلة بالتلاحم والمروءة والتواصل والفزعة لما لها من موروثات شعبية في الفنون الزاخرة والرائعة والأساليب التراثية الغنية بالمنوعات من الأكل والشرب وطريقة الضيافة والتلقائية وتلك الألعاب الشعبية التي تؤديه المجاميع من الكبار والصغار بملابسهم وأزيائهم ومعداتهم الخاصة في المناسبات، وكيف كانوا يرون ويحكون من خلالها قصصاً ومشاهد ترتبط بهذه القرية الطيبة بأهلها ويسجلون مجد الآباء والأجداد وتراثهم الثري الغني بالقيم والمبادئ والأعراف والتقاليد الحميدة ليربطوا الماضي بالحاضر فكانت تلك العادات حقاً عفوية تعبيراً عن المشاعر والأحاسيس الحاضرة في ذلك الوقت الجميل.عامرة بالحياة ويضيف المجدمي: كانت تلك المناسبات نبضاً للحياة والحركة والنشاط حيث تتكاثر مجاميع الأصدقاء ولكل مجموعة خصوصياتها ومكانها وطريقتها في فن تجمعاتها، ثم يخرج الأطفال في زرافات يلبسون الثياب التقليدية ويطفون البيوت والأزقة يلعبون ويمرحون في جو آمن يلعبون بكرة اشتروها من حصيلة مصروف المدرسة التي لا تتعدى أكثر من أربع أنات أو نصف روبية ويلعبون على جائزة من البسكويت ((بستوك)) أو ((نامليت)) أو ((بيبسي)) وينظمون أنفسهم في مجموعات على شكل مباريات ودية وكانت تقام في الفرجان استعراضات ترفيهية معظمها من الفنون الشعبية التي كانت سائدة في ذلك الوقت، ففي المناسبات كانت هناك فرق شعبية متنقلة تحمل معها نغمات ترضى نزعتنا المختلفة وتبعث فينا الراحة والمتعة حين يستولى علينا التعب والعناء، وهناك نغمات راقصة وغيرها من الألعاب الشعبية – الخشيشة والصرقيع والكلينة والماطوع ولعبة التيلة والدوامة وجمع صور الممثلين والمفاخرة بأكثر عدد وهناك لعبة البلبول والجديري والبنات يلعبون السكينة ولا ننسى عب والسباحة في مياه البحر التي كانت قريبة جداً لبيوتنا/ فعندما تكون المياه (سكي) ندخل إلى البحر في جماعات نلهو ونلعب سوياً - ونمارس رحلة التكري أي المشي على سطح البحر عندما تكون مياه البحر(ثبر) وكان الوصول إلى جزيرة الساية صعباً ولكن الشباب كانوا يحبون المغامرة ويصلون إليها بعناء ويقومون بالطبخ ويأكلون غداءهم تحت خيمة بسيطة ويتمتعون بالراحة في جو هادئ ويشربون من المياه الحلوة التي كانت تنبع من وسط الساية في مياه البحر وكثيراً ما تحتفل العائلات البسيتينية على جزيرة الساية بعد تطهير ابنها (الختونة) أو للنذر أو عند التعافي من المرض وكذلك للنزهة (الكشتة). كان هناك الأولاد الذين تبلغ أعمارهم ما بين السابعة والرابعة عشرة من العمر يتجهون شرقاً في الصباح ليلعبون على أكوام التراب الضخمة التي تبلغ طولها أكثر من عمود الكهرباء لكنها مفروشة يسهل الصعود إلى أعلى قمة سطحها فترى الأولاد يتدحرجون من القمة إلى أسفل كومة التراب وبأيديهم حبات من المراري الملونة حصلوا عليها من هذه الأكوام – أذكرها و كأني ألمسها الآن - إنها في اللون الأحمر والأبيض والأصفر والأسود وكنا نستخرجها من باطن تربة هذه الأكوام الضخمة وكانت حبات المراري موجودة ولكنها قليلة العدد ربما لفتيات كانوا يلعبون هناك وتساقطت منهن أو إنها تابعة للقوم الذين كانت جماجمهم متناثرة على تلك الأكوام الترابية -الله أعلم- كما و إن هناك الآلاف من الجماجم والهياكل البشرية متناثرة على هذه الأكوام الترابية أتذكر تماماً عندما نلمسها تتفتت في الأيادي وتوجد محاذاة هذه الأكوام الترابية قبور مبنية من الصخور من كل الجوانب وبالتأكيد لم تكن لموتى مسلمين لأنها عشوائية الاتجاهات منها من رأسه في الشمال ومنها في الجنوب ومنه في الشرق وأخرى في الغرب. ويأسف المجدمي «لم نقرأ أو نعرف من هم هؤلاء القوم وماذا حدث ولماذا ماتوا كلهم على هذه الأكوام الترابية. هل حدث من هذه الجهة غزو خارجي من جهة الشمال وبالتأكيد من خلال البحر الذي كان قريباً من موقع المعركة وقتل من قتل ودفن موتاها تحت هذه التحصينات لأنهم لم يصمدوا وانهزموا وقتل كل المدافعين أم أن هناك قصة أخرى. لا أحد يعرف ماذا حدث لأن التاريخ لم يذكر شيئاً وأزيلت هذه الأكوام واندثرت معها الحقيقة، وبالمناسبة كانت مواقع هذه الأكوام الترابية متمركزة أمام بستان سيادي جنوباً وبالتحديد في المقبرة من جهة الشمال أي في البسيتين وبالضبط في موقع نادي البسيتن القديم. كانت أيام تزخر بشتى الانفعالات الإنسانية فكان الجميع يفيض بمشاعر الثقة والاعتزاز والمحبة». تراث حي إن المحافظة على تاريخ المناطق وتراثها شيء مهم وملهم عند حياة الشعوب حتى تبقى تلك الذكريات تاريخاً للتقاليد والعادات الطيبة والصفات الحميدة وتكون مدونة ولصيقة دائمة مع الأجيال المقبلة، ولتكن كالبذور إذا زرعناها فإنها تنمو وتصبح نباتاً من نوع النبات الأصلي وكذلك كالأطفال يشبهون الأبوين وتتصف صفاتهم بهم، وهكذا تنتقل الصفات من جيل إلى جيل فالدجاج الذي يضع كثيراً من البيض تتصف فراخه بالصفة نفسها تضع بيضاً كثيراً حين تكبر، لكن أين نحن الآن من هذه الموروثات والأعراف التراثية التي تخرج في المناسبات، فلقد اختلط الحابل بالنابل وكان لا بد من المناسبات وعاداتها أن تتأثر وأن تطرأ عليها عوامل جديدة وتسير بها في مراقي التغيرات. وفي هذه السنوات اندفعت علينا الثقافات الأجنبية عن طريق الاتصالات والإنترنت والفضائيات وغدت هذه المناسبات بكل معانيها الوردية منحصرة في بيئة ضيقة تحاصرها أداة التجديد والهيمنة الإعلامية الدخيلة. إذن نحن نواجه مشكلة أكثر تعقيداً فهي من عمري وعمرك أياً كان عمرنا ولدنا وورثنا العادات ومات معها أناس وسنموت نحن أيضاً، لكن ستبقى الذكريات مستمرة طالما دونت ووثقت ولكنها بدون رجالاتها ومؤثراتها الطبيعية وسيفقد الأطفال الجدد أسمى معانيها لأن صروف الزمن قد عبثت بنبل التراث ومقوماته الحبيبة الوردية عبثاً شديداً، وقد بدأت بالفعل إزالة هذه الوراثة التراثية عن معظم المدن والقرى والعائلات وخلعتها من الإنسان نفسه حيث تداخلت عادات وتقاليد وقوميات مختلفة واختلطت مع الأصل بالمورثات والعادات المستوردة وأغرقت طبيعة الإنسان عن مكانتها نتيجة التطورات والمدنية السريعة من خلال العولمة الثقافية والاجتماعية والسياسية وكما قيل – لكل شيء ثمن -, لقد فقدنا الزمن الجميل في مناسباتنا التي ذكرناها سالفاً ووصلت بنا الأمور إلى مرحلة الانكسار الذي بلغ مدى الانحدار وقتل كل شيء جميل نعم لقد نزعت الفرحة التلقائية من على وجوه الأطفال وحلت مكانها الفرحة الاصطناعية المنبثقة من الإنترنت والبلي ستشين.
«بسيتين» الخمسينات.. ماض مطرز بالهدوء والألفة
08 نوفمبر 2013