منذ إقرار ميثاق الأمم المتحدة (1945) أصبح مبدأ «تعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات للناس جميعاً، والتشجيع على إطلاقها بلا تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين ولا تفريق بين الرجال والنساء» إحدى الغايات الأساسية التي يسعى المجتمع الدولي إلى تحقيقها، وعليه فقد تضمن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1984) أول تفسير رسمي لمصطلح «حقوق الإنسان» الوارد في الميثاق. إلا أنه وللصفة العامة غير الملزمة لتلك المبادئ الواردة في الإعلان، صدر جنباً إليه العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، باعتبارهما من المعاهدات الدولية متعددة الأطراف الملزمة، إذ يشكل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهدين الدوليين مقترنين بالبرتوكولات الاختيارية الملحقة بهم في مجموعه ما يسمى «الشرعية الدولية لحقوق الإنسان».وقد اعتمد العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة في 16 ديسمبر 1966، ويتكون فضلاً عن الديباجة من ستة أجزاء، تضم (53) مادة، قائمة في مجملها على ثلاثة محاور أساسية ترتكز على بيان الحقوق الإنسانية المدنية والسياسية العامة، إلى جانب تحديد آليات تنفيذ ومراقبة أحكام العهد، دون إغفال الجوانب الشكلية والإجرائية ذات الصلة بالتوقيع أو التصديق أو الانضمام ودخوله حيز النفاذ.لذا جاء العهد مؤكداً على مبدأ الكرامة الإنسانية والمساواة وعدم التمييز بسبب العرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو غير ذلك، ومقراً لحق الفرد في الحياة وعدم جواز حرمانه من حريته تعسفاً، كافلاً الحق في عدم تعرض أحد إلى التعذيب أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة أو الحاطة بالكرامة الإنسانية. ولم يغفل العهد أيضاً الإقرار صراحة في ضمان حق الفرد في الحرية والأمان الشخصي، ولزوم تمتعه بكافة ضمانات المحاكمة العادلة، مع ضمان تمتعه بحرية الفكر والوجدان والدين وحرية الرأي والتعبير.وجنباً لذلك، تضمنت أحكام العهد جملة من الحقوق السياسية للأفراد والجماعات، إذ أكد على الحق في تشكيل الجمعيات والنقابات والانضمام إليها مع بيان الضمانات الكفيلة لممارستها، مقراً الحق في التجمع السلمي، غير غافلٍ لحق مشاركة الأفراد في إدارة الشؤون العامة سواء بالترشيح أو الانتخاب، صائناً إلى حق اكتساب الجنسية والتمتع بها، معطياً الأفراد حق التنقل واختيار محل الإقامة، غير متجاهل لحقوق الأقليات الإثنية أو الدينية أو غير ذلك داخل الدولة.أما في معرض ضمان تنفيذ ومراقبة أحكام العهد، فقد جاء الأخير داعياً الدول التعهد باتخاذ كافة التدابير لتعديل أو إلغاء النظم القانونية المعمول بها والتي تتعارض من أحكام العهد إعمالاً للحقوق والحريات العامة الواردة فيه، مع اعتبار تلك الأحكام المنصوص عليها في مجموعها تشكل الحد الأدنى للحقوق والحريات الواجب التمتع بها من قبل الأفراد أو الجماعات.ولغرض إيجاد رقابة فعالة على الدول الأطراف في العهد، أقرت نصوصه إنشاء (لجنة) تسمى (اللجنة المعنية بحقوق الإنسان) والتي تتكون من (18) خبيراً مستقلاً لغرض التأكد من التزام الدول الأطراف بما جاء فيه، من خلال آلية منتظمة على شكل تقارير دورية تقدمها الدول، لتخلص اللجنة فيها إلى توصيات وملاحظات ختامية على الدولة مراعاتها وإثبات العمل بها في تقاريرها المستقبلية، كما إن لهذه اللجنة دور مهم آخر في اعتماد التعليقات والتوصيات العامة والتي هي بمثابة تفسير لأحكام العهد.وبينت أحكام العهد الدولي الجوانب الشكلية والإجرائية المتعلقة بالتوقيع أو التصديق أو الانضمام إليه، والأحكام الختامية المتعلقة بالإيداع لدى الأمم المتحدة، مع تحديد الجوانب ذات الصلة بدخوله حيز النفاذ.وإلحاقاً بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية صدر برتوكولان اختياريان مرافقان له، جاء الأول منه بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة المؤرخ في 16 ديسمبر 1966، متضمناً أن الدول متى ما أصبحت طرفاً في هذا العهد، تصبح طرفاً في هذا البروتوكول، وأن تقر باختصاص اللجنة المعنية بحقوق الإنسان في استلام ونظر الرسائل المقدمة من الأفراد الداخلين في ولاية تلك الدولة، والذين يدعون أنهم ضحايا أي انتهاك من جانبها لأي حق من الحقوق المقررة في العهد.وتضمن البروتوكول الاختياري الثاني منه والمعتمد من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة في 15 ديسمبر 1989، على ضرورة قيام الدول الأطراف في هذا البروتوكول اتخاذ كافة التدابير اللازمة لإلغاء عقوبة الإعدام داخل نطاق ولايتها القضائية، على اعتبار أن ذلك يسهم في تعزيز الكرامة الإنسانية والتطوير التدريجي لحقوق الإنسان كونها تدابير رامية تدفع للتمتع بالحق في الحياة.ولقد انضمت حكومة مملكة البحرين إلى العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية بموجب القانون رقم (56) لسنة 2006 الصادر في 12 أغسطس 2006، وقد أوردت تحفظاتها على عدد من أحكامه، خصوصاً تلك المقرة للمساواة التامة بين الرجال والنساء في جميع الحقوق الواردة في العهد، أو تلك المنظمة لشؤون الزواج بين طرفي العلاقة، أو الأخرى ذات الصلة بحرية اعتناق الدين أو المعتقد الذي يختاره الفرد، كونها تتعارض مع مبادئ الشريعة الإسلامية باعتبارها مصدراً رئيساً للتشريع وفقاً لما ورد في الدستور.أما في ما يتعلق بالبروتوكولين الاختياريين المرافقين للعهد فلم تقم حكومة مملكة البحرين بالانضمام إليهما حتى تاريخه، إلا أنها أبدت من خلال ملاحظاتها على توصيات المراجعة الدورية الشاملة في العام 2012 بخصوص البروتوكول المعني بإلغاء عقوبة الإعدام، بأنه يتعارض مع الدستور ومع قانون العقوبات اللذين يقضيان بعقوبة الإعدام وينصان على ضرورة توفير الضمانات المناسبة لكفالة إنزال هذه العقوبة بصورة عادلة في حالة الجرائم الخطيرة.