كتبت - عايدة البلوشي: لاتزال مملكة البحرين مكاناً نموذجياً للتسامح والسلام، ورغم محاولات المؤزمين فرض واقع مختلف إلا أن أهل البحرين عصيون على التغيير، وقادرون على الاحتفاظ بالصورة التي تميزهم كدعاة تسامح ومحبة. تقول المدرسة منى عبدالله: إن المجتمع البحريني أساساً تربى على هذه القيم الجميلة والتي ربما تأثرت بعض الشي نتيجة الظروف والأحداث إلا أنها مازالت موجودة، فالطفل تربى على أن يسامح أخاه إذا أخذ منه لعبته، والطالب يسامح صديقه في حال الاختلاف معه نتيجة أمر ما، والموظف أيضاً سرعان ما يذوب جليد الغضب ويعود ليشارك زميله في العمل الذي اختلف معه بسوء تفاهم، وبطبيعة الحال هذه السلوكيات تجعل الإنسان يرتقي كثيراً. وتؤكد أن تربية الأبناء على القيم والمبادئ الذي حثنا عليها ديننا الإسلامي اليوم في غاية الأهمية ومنها قيمة التسامح، لما لها من آثار إيجابية على المجتمع، وهذه التربية ثمارها يجب أن تنتج في كل مكان (مواقع العمل، الجامعة، المدرسة، الشارع.. إلخ)، ويجب أن تبدأ هذه التربية من البيت (الأسرة) ومن ثم (الروضة) و(المدرسة) من خلال التعامل اليومي المباشر والمناهج الدراسية أيضاً، فمناهج الدراسية تتطرق إلى مفهوم التسامح في كثير من المقررات وخاصة (مواد التربية الإسلامية) وألا تكون هذه المناهج مجرد عبارات وكلمات ودروس تحفظ في المدرسة فقط، بل يجب أن تمتد إلى الواقع وتصبح كسلوك عند الطالب. واجب شرعي وإنساني بدوره يعتبر ولي الأمر عبدالله علي أن التسامح من بين الخصال الحميدة التي دعا إليها الإسلام وشدد عليها بقوة لما تخلفه من آثار عميقة في النفوس، فتنزع منها الغل والحقد، وتزرع محلهما المحبة والوئام بين الناس. ونظراً لأهميته العظيمة في بث روح الإخاء بين المسلمين، مشيراً إلى الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة بهذا الشأن: «يقول الله تعالى في كتابه العزيز: (ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم). وأيضاً نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن هجر الناس لبعضهم البعض فوق ثلاث ليال، واعتبر البادئ بالسلام أخيرهم كما جاء في الحديث. عن أبي أيوب الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(لا يحل لرجل أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، يلتقيان فيعرض هذا، ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام). ويضيف أن كثيراً من الناس قد تحصل بينهم مشكلات بسيطة، لكن عنادهم وضيق نفوسهم قد يكونان سبباً لتفاقمها، فتنقطع الصلة بينهم فيسود بذلك الحقد والبغضاء التي قد تدفع ببعضهم أحياناً إلى الانتقام، وهو ما يترتب عليه حتماً ضرر في بادئ الأمر على الشخص نفسه لأن الحقد يولد الأمراض، حيث إن انتشار البغضاء والحقد وعدم التسامح لا ترتقي بها المجتمعات. لذلك علينا أن نعزز قيمة التسامح بصورة أكبر حيث دعانا إليه ديننا الحنيف. لانزال غافلين ومن جانبه يرى ولي الأمر عبدالرحمن علي أننا غافلون عن قيمة التسامح ونعتبره شيئاً بديهياً ولا نعلم أبناءنا عليه بالشكل المطلوب مع الأحداث الراهنة، فاليوم المجتمع بحاجة إلى تعزيز قيمة التسامح من أي وقت مضى، فالطالب في المدرسة والموظف في العمل بحاجة إلى تعزيز هذه القيمة الإنسانية خاصة بعد الأحداث التي مرت بها البلاد والشرخ الذي حصل.ويشير إلى أن الطالب في المدرسة يتعامل للأسف بمفهوم الطائفية وهو أخطر أنواع التعامل، والموظف لا يثق في زميله نتيجة الطائفية، بالتالي هذه الأحداث والظروف التي وقعت في الدول العربية كافة سبب في تعزيز قيمة التسامح وغرسه في نفوس الأبناء. سلوك متوارث ومن جهته يقول التربوي السابق منسق برامج التطوير المهني بكلية البحرين للمعلمين مفتاح الدوسري: تعلمنا من التربية الإسلامية الرفق بالأبناء، وعندما ننتقل إلى مجال التربية، فهؤلاء الأبناء يقضون أكثر من 7 ساعات في المدرسة، ولابد أن تغرس في نفوسهم مبادئ وقيم يتعلمونها في هذه البيئة التعليمية، لذلك يجب دائماً أن نأخذ التسامح أساساً في التعامل مع الناس وأبنائنا الطلبة، وذلك لنبني علاقة سليمة مع جميع الأطراف، خصوصاً في المجال التربوي، فلابد أن تقوم هذه العلاقة على قيمة التسامح لبناء أجيال تنقل هذه القيمة إلى الأجيال الأخرى وهكذا، والتسامح لا يعني أن نترك الحبل على الغارب ولكن لابد أن يشعر الابن بالتسامح، والتسامح يبنى على قوة. ويضيف: على المعلمين في المدرسة والأب في المنزل، أن يغرسوا هذه القيمة بقناعة، لأنه مهما كان العنف فإنه لا يولد إلا العنف، فنحن يجب أن نؤسس التسامح -المبني كما ذكرت على قوة- في المدارس، بالتالي إن عاملت الطرف الآخر بالتسامح فلابد أن يعاملك بالمثل. فالعلاقة تكون حتماً متبادلة، بالتالي تسود هذه القيمة في المجتمع، لكنه يشير إلى أننا في المجال الأسري نفتقد قيمة التسامح وأيضاً في المدارس، حيث إن المعلم والأب في كثير من الأحيان يفرضان آراءهم على اعتبار أنها الصواب دائماً لأن الابن والطالب أصغر منهما وأقل معرفة، إلا أن الديمقراطية الحقيقية تبنى على التسامح على أن يكون هذا التسامح قوياً، كما قال رسولنا الكريم (العفو عند المقدرة). ويؤكد الدوسري أن الأحداث التي مرت بها المملكة أثرت على قيمة التسامح بشكل كبير لأنها كانت تتعلق بالوطن والمواطن، «قد لا تكون هناك دراسة عن مدى تأثيرها ولكن نؤكد حتماً بأنها أثرت بشكل أو بآخر، وأحدثت شرخاً اجتماعياً كبيراً، حيث هناك من ينظر إلى المكون الثاني بنظرة الشك والريبة فالثقة مفقودة». ويتابع: علينا اليوم أن نعزز قيمة التسامح، حيث إنها تعود على المجتمع بآثار إيجابية. فهي تغير النفوس، وتخلق من العدو صديقاً، والصديق تقوى علاقته بصديقه، وتنشر المحبة والألفة بين الناس، فالعلاقات المتوترة دائماً نبررها بضغوطات الحياة اليومية، ولكن لا نعي بأنها نتيجة الابتعاد عن قيمة التسامح، فكل إنسان يمكن أن يخطئ ولكن علينا بالتسامح.