قال علماء ودعاة إن «التقوى حاجز من الأعمال الصالحة يحول بين الإنسان وبين غضب الله وسخطه»، مشيرين إلى أن «المعنى الشرعي للتقوى هو أن يجدك الله حيث أمرك، ولا يجدك حيث نهاك»، فيما أوضحوا أن «تقوى الله هي التي تصاحب الضمير في السر والعلن، وهي التي تكف عن الشر في الحالات التي لا يراها الناس، ولا تتناولها يد القانون». وذكر العلماء أن «التقوى ذكرت في القرآن 258 مرة، في 258 آية، وقد فرض الله أحد أهم عباداته وهو الصيام لتحقيق التقوى، فما فرض شهر رمضان إلا لأجلها». من جهته، قال الداعية عمرو خالد إن «كلمة «لعلكم» التي وردت في الآية الأولى لفرض الصيام في قوله تعالى «يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون» تفيد اليقين، أي أنه إذا صمتم فيقيناً أنكم تتقون»، مضيفاً أن «الآيات تتولى حتى نصل إلى الآية الأخيرة في الصيام فيقول تبارك وتعالى «كذلك يبين الله آياته للناس لعلهم يتقون»، وكأن الله بذلك يخبرنا أن هدف الصيام في البداية والنهاية هو التقوى، وتكون قد حققت صيامك إن نلت التقوى، فما كان الجوع هو الهدف والمراد من الصيام، إنما هي التقوى، فإن لم تتحقق ذهب الصيام هباء». وتابع خالد «التقوى هي حاجز يحول بين الإنسان وبين غضب الله وسخطه، فعند قول «اتق الله» أي اجعل بينك وبين غضب الله وقاء، هذا الحاجز المطلوب هو التقوى، مثلاً «اتق النار ولو بشق تمرة» أي اجعل بينك وبين النار حاجزاً ولو كان هذا الحاجز صدقة بسيطة «شق تمرة» تأتى لك مانعاً من النار يوم القيامة»، وفي سورة المدثر يقول الله تعالى «هو أهل التقوى وأهل المغفرة»، أي هو أهل التقوى أي أنه أهل أن يتقى، هو أهل أن تجعل بينك وبين غضبه حاجزاً»، والرجل التقى هو من كثرت أعماله الصالحة فتقوم له كحاجز يحول بينه وبين غضب الله»، والمعنى الشرعي للتقوى هو «أن يجدك الله حيث أمرك، ولا يجدك حيث نهاك»، فيجدك حاضراً في صلاة، ورعاً في صيام، قائماً بالأسحار، ولا يجدك في بيت معاصٍ، ولا في موقف قسوة أو إيذاء لزوجة أو لجار، يجدك في كل موضع أمرك به ولا يجدك يوماً في موضع نهاك عنه، بهذا تكون قد وضعت الحاجز الذي يقيك من غضبه وناره».التقوى والمعاملات وفي ما يتعلق بالتقوى في المعاملات، يفسر الداعية عمرو خالد الأمر بقول الله جل وعلا «يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا»، فقد اختار الله الربا ليربطه بأمر التقوى وهو أصعب أنواع المعاملات المالية، فما أصعب تجنب الربا في المال، فإن أمرنا بالتقوى فيه فما بالنا بباقي المعاملات. وفي المعاملات الاجتماعية يتخير الله أصعب أنواع العلاقات لتطبيق التقوى فيه ويقرنه بالتقوى، فيختار الله جل وعلا الطلاق ليأمرنا فيه بالتقوى كما ورد في سورة الطلاق التي ذكرت فيها التقوى 4 مرات، فمن استطاع أن يتقي الله في أصعب المواقف الإنسانية وهو الطلاق سهل عليه اتقاء الله فيما دون ذلك من المعاملات، فالله يأمرنا بالتقوى ويعدنا إن اتقينا أن يرزقنا رزقاً حسنا إذا نحن اتقيناه، يقول تعالى «ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب». وتأتي التقوى في باب الأخلاق في أصعبها وهي الغيبة يقول تعالى «أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم». وأوضح الشيخ خالد أنه «بالنسبة لباب العبادات، فيتخير الله عبادة تدوم 30 يوماً وهى من أشق العبادات، يقول تبارك وتعالى «يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون»، فقد يظن البعض أن التقوى قد تكتمل بركعتين كاملتي الخشوع، لكن الحقيقة أن التقوى لا تكتمل إلا بإتباعها في المعاملات كافة، وإذا كان الله قد قرنها بالأصعب فالأوجب أن تراعى في الأيسر».وذكر الشيخ خالد أن «الله قد جمع كل مناحي التقوى في آية جليلة بسورة الحج بقوله جل وعلا «ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب»، فربما تقف دقيقة تردد فيها الآذان وتدعو من حولك لترك ما هم فاعلوه لترديده، فهذه دقيقة تعظم فيها شعائر الله».أمر الله بالتقوىوأشار الداعية عمرو خالد إلى أن «القرآن ربط التقوى بكافة مناحي الحياة، فيقول تبارك وتعالى: «وتزودوا فإن خير الزاد التقوى»، كما يقول جل وعلا «يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباساً يواري سوآتكم وريشاً ولباس التقوى ذلك خير»، فقد جعل الله التقوى للناس زاداً خير من أي زاد يشبعهم أو يقيهم، ولباساً يكسوهم ويحميهم فضله على كل ما خلق لهم من الكساء، وأساساً لكل عمل مراد له النجاح، فهي أساس لكل بناية، ولكل عمل، ولكل زيجة، ولتربية لأولاد، هي أساس لحياة كل منا إن أرادها قويمة ترضي الله عز وجل». وقد أمر الله نبينا الكريم بالتقوى، وأمر بها زوجات النبي، وتوجه بها إلى المؤمنين في قوله تعالى «يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون»، وما أصعبه من أمر، فحق تقاة الله أن يجدك حيث أمرك ولا يجدك حيث نهاك ولكن على الدوام.وتابع الشيخ خالد «وأمر التقوى لا يقتصر على المؤمنين فحسب، إنما هو أمر للعالمين، فيقول تبارك وتعالى «يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيءٌ عظيم يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديدٌ». ويخاطب الله الجاهلين بتعجب فيقول: «وله ما في السماوات والأرض وله الدين واصباً أفغير الله تتقون». وفي حديث الرسول حينما جاء رجل إليه يقول: «أوصني يا رسول الله»، فقال: «أوصيك بتقوى الله فإنها رأس هذا الأمر». فإن كانت التقوى هي رأس الدين وجل أهدافه أفلا نتقيه، ولأن التقوى هي رأس الأمر فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو بها في سفره فجاء دعاؤه «اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى ....».التقوى بالسر والعلنمن جهته، قال الداعية والباحث د.محفوظ ولد خيري إن «الحديث عن التقوى ورد في القرآن الكريم في سياقات كثيرة لدلالات متعددة، فقد أثنى الله سبحانه وتعالى على المتقين، وعلى جميل خصالهم التي يتحلون بها، وتحدث عن الصفات التي ينبغي أن يمتازوا بها إضافة للتقوى، قال تعالى: «ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناحٌ فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا»، وأوضح كذلك الصفات التي تقرب صاحبها من التقوى، قال تعالى: «وأن تعفوا أقرب للتقوى»، «اعدلوا هو أقرب للتقوى»، والصفات التي تباعد بين العبد والتقوى». وذكر د.خيري أن «القرآن تحدث عن ثمرات التقوى في العاجل والآجل، والتي منها أنها سبب في تفريج الهم، وسعة الرزق، وتيسير الأمر، وأنها سبب لمعية الله، ومحبته، ونصرته، وولايته، وفسيح جناته، قال تعالى: «ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب»، «ومن يتق الله يجعل له من أمره يسراً»، «ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجراً»، «إن تتقوا الله يجعل لكم فرقاناً ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم»، «ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض»، «إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون»، «والله ولي المتقين»، «إن أكرمكم عند الله أتقاكم»، «تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقيا».وقال إن «الخوف ينبغي أن يكون من الله لأن ذلك هو الخوف اللائق بكرامة الإنسان أما الخوف من عقوبات مجردة فهو منزلة هابطة لا تحتاج إليها إلا النفوس الهابطة، والخوف من الله أولى وأكرم وأزكى، على أن تقوى الله هي التي تصاحب الضمير في السر والعلن، وهي التي تكف عن الشر في الحالات التي لا يراها الناس، ولا تتناولها يد القانون، ولا صلاح لمجتمع يقوم على القانون وحده، بلا رقابة غيبية وراءه، وبلا سلطة إلهية يتقيها الضمير، يقول المولى عز وجل «أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرةٌ وأجرٌ عظيمٌ».
علماء: التقوى تصاحب ضمير المؤمن في السر والعلن
29 نوفمبر 2013