كتب - منصور محمد سرحان:في مثل هذه الأيام من عام 1913، جلبت أول مطبعة إلى البحرين، سابقة بذلك العديد من إمارات الخليج العربي آنذاك، ومحدثة صدمة أولية في مجال الاحتكاك بالوسائل الحديثة المستخدمة في دول غرب أوروبا في مجال الطباعة.ويعد وجود المطابع في البحرين من العوامل التي ساهمت بشكل كبير وفاعل في تطوير الحراك الفكري والثقافي في المملكة، فقد كان للمطابع في البحرين دورها المميز في عملية طبع الكتيبات، والدعوات، والعقود، والمطبوعات الرسمية، إضافة إلى طبع ونشر الكتاب البحريني.وتؤكد المصادر التاريخية المتوفرة لدينا الدور الكبير والمهم الذي لعبته المطابع في الثلاثينات والأربعينات والخمسينات في طبع الصحف والمجلات الصادرة حينذاك.بدأت الحاجة إلى وجود المطابع في البحرين منذ بداية القرن العشرين، وكانت البحرين شأنها شأن بقية الإمارات الخليجية تحصل على مطبوعاتها الرسمية وغير الرسمية من مطابع الهند الحجرية، كما كانت ترسل بعض المواد للطباعة في مطابع البصرة والقاهرة.وكانت المواد المطبوعة تصل البلاد بعد مرور فترة طويلة من الزمن نظراً لظروف المواصلات التقليدية آنذاك، وعدم وجود وسائل اتصال حديثة.استمر الحال هكذا حتى مطلع عام 1913 أي منذ 100 عام، حين جلبت أول مطبعة حجرية إلى البلاد أطلق عليها مطبعة البحرين، واشترك في جلبها كل من ميرزا علي جواهري وأحمد عبدالواحد فلامرزي، وأخذت المطبعة تطبع القرطاسيات التجارية والحكومية، والكراسات الدينية والتعليمية، وبطاقات الدعوات الخاصة بالمناسبات المختلفة.بعد نجاح تجربة طبع المواد القرطاسية التجارية والحكومية وبقية الكتيبات والمواد الأخرى، قرر صاحبا المطبعة العمل على طباعة الكتب، ما أدى بهما إلى جلب آلة طباعة صغيرة مع حروفها من مدينة ليبزج الألمانية، بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى عام 1919، وإثر ذلك باشرت المطبعة طبع بعض الكتب ومنها كتاب «مجاري الهداية»، وهو عبارة عن دليل بحري من تأليف راشد بن فاضل البنعلي وذلك عام 1923. ويعد طبع الكتاب أول محاولة جادة لمطبعة البحرين التي تم جلبها عام 1913 للدخول في مجال طباعة الكتب ونشرها. وتم طبع مئة نسخة «بالزنكغراف»، وأرسلت نسخة منه إلى الملك عبدالعزيز آل سعود عاهل المملكة العربية السعودية حينذاك الذي كان من بين الأوائل الذين قرأوا الكتاب، وكتب رسالة إلى المؤلف يبين فيها وجهة نظره، ويسدي له بعض النصائح إن رغب في إعادة طبعة ثانية قائلاً «حقاً أن الكتاب جاء في إبان الحاجة إليه، إذ لا أتذكر أن أحداً سبقكم في طبع كتاب على شاكلته، وأما الذي ننتقده من الكتاب فهو عدم إعطائه قسطه من متانة اللفظ العربي ووجود بعض عبارات ركيكة فيه قد تشين سمعته».وحاول الملك عبدالعزيز أن يوجه المؤلف للاهتمام بذكر الطرق المستخدمة لاستخراج اللؤلؤ بالقول «ونود لو أنكم جعلتم لكتابكم مقدمة بينتم فيها كيفية الطرق المستخدمة لدى العرب لاسترجاع اللآلئ وأوقات استخراجها وما شاكل ذلك»، منهياً نصائحه بقوله «حسناً لو عنونتم الكتاب بـ(الدليل البحري) بدلاً من (مجاري الهداية)».بقيت المطبعة بقسمها اللآلئ الصغير بدكاكين تقع بشارع ولي العهد بمدينة المنامة العاصمة منذ جلبها عام 1913 وحتى أوائل العشرينات من القرن المنصرم، وتم بعد ذلك نقلها إلى بيت «الكازروني» بالمنامة، حيث بدأت تباشر عملية الطباعة بشكل أفضل.ويعد كتاب «مجاري الهداية» أول وآخر كتاب يطبع بمطبعة البحرين، فقد توقفت المطبعة رغم محاولات بذلت من أجل بقاء المطبعة، إلا أن الظروف شاءت غير ذلك، فقلة التأليف وشحه في تلك الفترة جعل فرصة استمرارها كدار للطباعة والنشر أمراً مستحيلاً، ما أدى إلى إفلاس صاحبيها وتوقفها عن العمل. وبيعت حروفها إلى صاحب المكتبة الكمالية سلمان أحمد كمال الذي كان عازماً على تأسيس مطبعة آلية في البحرين، إلا أنه ألغي مشروعه عندما علم أن عبدالله الزايد يسعى هو الآخر لتأسيس مطبعة، فقام ببيع المطبعة إليه. وبهذا أسدل الستار على أول تجربة رائدة لم يكتب لها النجاح، إلا أنها كانت البداية الحقيقية لجلب أول مطبعة إلى البحرين منذ مائة عام.