كتب - جعفر الديري: تشكل المنامات بالنسبة لكثير من الروائيين، رافداً غير مباشر لصور لا تقدر بثمن معنوي، و»تجربة أداء» مجّانية وطاقة خيالية تخترق المستحيل. وبالنسبة للروائية السعودية زينب البحراني، فان الأحاسيس التي خلفتها الروايات بعد استيقاظها كانت السبب لتغيير خطها الأدبي، والإحساس بآثار بعض الأفعال وردودها كان ومازال كنزاً عظيماً لها ولأي أديب. وبحسب الروائي عبدالعزيز الموسوي فإن المنامات تعتمد على زمكان وحركة مختلفة لا يمكن الاعتراض عليها، لكن يبقى التجريب متعلقا بكيفية التقاطنا للأشياء منامات أو مشاهدات أو ذكريات. كذلك يعترف الروائي أحمد المؤذن أن (طاقة الحلم) كثيراً ما أنقذته ومنحته دافعاً ومحفزاً للكتابة، غير أنه ليس بوسع الكاتب الاعتماد كلياً على عنصر الحلم. تقول الروائية والكاتبة زينب البحراني لـ «الوطن: أعتقد أن بعض أحلام النوم تشكل رافدًا غير مباشر في تجاربي الإبداعية، إذ يبدو لي أحيانًا أن سلسلة طويلة من أحلام اليقظة تنصب مُجتمعة بكل تعقيداتها لتكتمل صورتها في نهايات غرائبية أو غير متوقعة خلال النوم. وتضيف: أحيانًا أرى في نومي روايات طويلة كاملة أحظى فيها بدور المُشاهد السلبي لا أكثر، وأعترف أن الأحاسيس التي كانت تخلفها تلك الروايات في نفسي بعد استيقاظي هي السبب في تغيير خطي الأدبي، لأن السعادة التي كانت تبثها نهايات الأحلام السعيدة في يومي كله بعد استيقاظي جعلتني أكثر إدراكًا لتأثير الروايات ذات النهايات السعيدة على نفوس القارئات بوجه خاص.وحول مسألة نقل مشاهد من أحلامها إلى صيغة مكتوبة للقراء؛ لا تظن البحراني أن ذلك قد يحدث عن تعمد، «لأنني لا أجد الوقت الكافي لنقل تلك الأحلام إلى دفتر مذكرات خاص فور استيقاظي، فتذوب مشاهدها وتتلاشى من الذاكرة خلال زمن وجيز، ولا يبقى غير إحساس داخلي عميق بآثار بعض الأفعال وردود الأفعال، وهذا الإحساس بحد ذاته كنز عظيم لأي أديب أو فنان، لأنه يثري جانبًا من جوانب تجربته الإنسانية تجاه مواقف قد لا يواجهها على أرض الواقع، فيكون الحلم بالنسبة له «تجربة أداء» مجّانية تغذي ثروته من الصور التي لا تقدر بثمن معنوي».لست مهووساً بها بدوره لا ينكر الروائي عبدالعزيز الموسوي أن عالم المنامات –إن صح ذلك- هو عوالم متباينة ومختلفة، قد تختلف أو تتفق –وهذه ميزتها- من مرء لآخر مهما تناقض أو اتفق أسلوب حياتهم، تعدّ من الروافد التي توظف بشكل جيد في الكتابة الإبداعية.ويضيف الموسوي: بالنسبة لي لست مهوساً بهذا الأمر رغم معرفتي بأن أعمالاً إبداعية كانت تعتمد على تدوين الأحلام بشكل دقيق ثم توظيفها بشكل من الأشكال داخل العمل وهي تفتح بذلك مخيالاً واسعاً قد يكون غير مطروق، فالمنامات تعتمد على زمكان مختلف وحركة مختلفة لا يمكننا الاعتراض عليها كونها ميتافيزيقيا مختلفة بصيغتها وشكلها عن الواقع.ويشير الموسوي: «كانت لي تجربة في توظف إحدى المنامات في مجموعتي القصصية الأولى، كل ما أتذكره من هذا المنام الذي لا يزال عالق كأني رأيته بالأمس « أشعر بي في سرداب طويل يسحبني فيه ملكين لا أبصرهما ولكن أشعر بوجودهما، السرداب يمتد، ويتفرع وهما يسرعان وينعطفان في أفرع يعرفانها مسبقاً، إلى أن أطلت أمامنا كوّة من ضوء، اقتربت، فكانت الجنة، شجرة تفاح يتيمة، حولها نسوة يدخنّ «القدوة» معهم جدتي التي قالت لهم أتركوه أنه طيب»، هكذا وصل بي الحال للجنة ذات الشجرة التي كلما أكل منها الناس نبتت ثمراً من جديد».ويشيد الموسوي «بتوظيف المنامات بشكل ملفت في رواية البحريني «أحمد المؤذن» «وقت للخراب القادم» التي تناول فيها منامات لأغلب شخوص الرواية وكانت ثيمة المنامات واضحة جداً و مميزة وتستحق الإشادة»، مشيراً إلى أن «مسألة التجريب تبقى تتعلق بكيفية التقاطنا للأشياء منامات أو مشاهدات أو ذكريات، فالأمر مرهون بكيفية توظيف الأمر لا الأمر نفسة». تتيح أبعاداً مختلفة للبناءمن جانبه يؤكد الروائي أحمد المؤذن توظيفه المنامات في عمله الروائي، «بلا شك.. فالكاتب حتى يقدم عطاءه يحتاج إلى رافد الخيال، هنا تكمن أهمية ( الحلم ) وما يمكن أن يمر بذاكرتنا في ثنايا هذا العالم الجميل، الحلم تتفجر فيه طاقة خيالية تخترق المستحيل وتجعل كل ما هو أمامك ممكن وطبيعي، مشيراً إلى أنه «مرات كثيرة تنقذني (طاقة الحلم) وتعطيني دافعاً محفزاً للكتابة بحيث أحفر عمق الحدث والشخصية ضمن أبعاد مختلفة في البناء». ويضيف المؤذن «في تجربتي الروائية الأولى (وقت للخراب القادم) شكل عنصر الحلم أحد أعمدتها الهيكلية، لكن طبعاً عنصر الواقع هو الجناح الآخر من عملية الكتابة والمتمم لرؤية أكثر شمولية تسبغ لمستها هنا فيتحقق للكتابة ألقها الذي يجذب المتلقي في نهاية المطاف ، فنقول: إن هذا النص به روح من لحم و دم أو العكس». لكن المؤذن يستدرك بالقول «رغم مما سبق وأشرت إليه، ليس بوسع الكاتب الاعتماد كلياً على عنصر الحلم، خصوصاً حينما تكون الرؤية مشوشة و ضبابية، هناك ما يصلح لأن نوظفه ضمن عملية الكتابة فنقوم بعجنه مع عناصر أخرى وأحياناً قد لا تكلل هذه العملية بالنجاح المرجو، عندما لا يقتنع الكاتب بالنص الذي أنجزه، وما أكثر النصوص التي كتبتها شخصياً ولم أقتنع بمستواها الفني فتركتها متراكمة في ملفاتي الورقية أو الإلكترونية، لكن الكاتب الحاذق بمداخل ودهاليز فنه، يستطيع أن يخلق مناخات الحلم في إبداعاته دونما الحاجة لعوالم حلمه الداخلي، عند هذا المنحى تكمن أصالة التجربة في تمكن المبدع من السيطرة على حبره، كتاب كبار عبروا هذه المساحة بما قدموه من مؤلفات أدبية عظيمة. عندما يسأل أحد القراء.. هل هذا حصل فعلاً في الواقع ؟! لنتأكد أن المضمون وصل وأن الكاتب عندما يبلغ هذه المرحلة، فهو يمضي نحو نضج تجربته الإبداعية وهو يزاوج بين الحلم و الواقع، يبحث في حياة البشر من حوله، يعري أوجاعهم وأفراحهم.. إلخ من حالات تكتنف حياة الإنسان».