تحتفل البحرين بأعيادها الوطنية يومي 16 و17 ديسمبر إحياءً لذكرى قيام الدولة البحرينية الحديثة في عهد المؤسس أحمد الفاتح ككيان عربي إسلامي عام 1783م، والذكرى 42 لانضمامها إلى الأمم المتحدة كدولة كاملة العضوية، والذكرى 14 لتسلم جلالة الملك المفدى مقاليد الحكم.وفي ذاكرة شعب البحرين أيام مجيدة لا تنسى، منحتها الدولة كل اهتمام وتقدير، أيام لا يمكن لأحد أن يتجاهلها أو يغض الطرف عن فحواها ودلالاتها، إذ تعد رسالة قوية تعزز قيم الولاء والانتماء لأرض المملكة، ومقياساً لما أنجز في فترات سابقة من عمر البلاد، ومعياراً لمدى التقدم المنتظر تحقيقه من قيادة البحرين وشعبها حاضراً ومستقبلاً.ولعل أكثر هذه الأيام أهمية لدى شعب البحرين، ويجلها إجلالاً يناسب ما تحظى به من مكانة في قلوبهم، هو اليوم الوطني، حيث يرنو إليه الجميع بشغف باعتباره إعلاناً جهورياً لميلاد الدولة وحضورها، لاسيما أنه يتزامن مع تولي جلالة الملك المفدى مقاليد الحكم في البلاد.هاتان المناسبتان، لا تعكسان فقط الاحتفاء بما تحقق من طموحات وآمال في سبيل النهضة على مدار السنوات الماضية، ولا باعتبارهما تمثلان تجسيداً حياً لحلم يتشبثون به في الرقي، وإنما لأنهما تقدمان سجلاً حافلاً بما تحقق وما ينتظر تحقيقه، وترسخان أركان الهوية البحرينية كدولة عربية مسلمة منذ فتحها عام 1783، ووشائج صلة تربط مواطني هذه الأرض وقيادتها منذ آلاف السنين.اليوم الوطني وتولي العاهل مقاليد الحكم لا يمكن اعتبارهما إلا مناسبة واحدة تستحق كل إعزاز وتقدير وجهد، مناسبة تحتفل بها البحرين وقيادتها الرشيدة اليوم لتؤكد أنها سائرة على درب خطته لنفسها بعيداً عن الأهواء، وأنها تمضي قدماً في طريقها رغم كيد الكائدين في مشروعاتها الإصلاحية وخططها وبرامجها التنموية، ونذرت نفسها لها لتسمو بالوطن وشعبه إلى المكانة المرجوة في مصاف الدول الكبرى المتقدمة وفق نهج قويم لن تحيد عنه، وبرنامج عمل يستند لدعائم متينة قوامها أن مشروع الإصلاح حجر الزاوية وشرط أساس للنجاح التنموي في المجالات كافة.ولم يكن ممكناً أن تحقق البحرين ما حققته خلال العام الماضي، إلا باتباع عدة مبادئ مثلت رؤية قيادتها الرشيدة لتوسيع ديمقراطيتها الوليدة وتعميق جذورها لتصل بنتائجها المختلفة، الاجتماعية منها والاقتصادية والسياسية، إلى كل مكونات المجتمع البحريني بكافة فئاته وشرائحه ومستوياته.ومن بين أبرز هذه المبادئ الحاكمة، الجهود الدؤوبة لتفعيل شراكة الدولة مع المجتمع باعتباره عنصراً حيوياً لنجاح أي عمل في الخطط والمشروعات المتبناة، وكان نبراساً للدولة تعمل وتهتدي به منذ ما قبل استقلالها وحتى الآن.ولا شك أن إرساء البحرين لهذا المبدأ القويم يمكن تلمس ملامحه في توجيهات العاهل المفدى السديدة، ورعاية الحكومة برئاسة سمو رئيس الوزراء لها، في كافة برامجها وفعالياتها وسلوكياتها، الداخلية منها والخارجية، يؤكد الكثير من الأشياء، ويفسر العديد من النجاحات، لعل أبرزها الإصلاحات الديمقراطية الجذرية والشاملة في البحرين بغضون هذه الفترة القصيرة في عمر الشعوب.هذه الإصلاحات تتواصل حتى اليوم، بداية من إصلاح النظم الانتخابية والتعديلات الدستورية وتوسيع صلاحيات المجلس الوطني واستمرارية قيامه بدوره والأعباء المنوطة به دون انقطاع، وغير ذلك الكثير مما تعكسه إنجازات مختلف القطاعات والمجالات.وساهم في إبراز هذه النجاحات وتحسين مردودها أنها كانت بمشاركة فاعلة من جانب المجتمع وممثليه من الأفراد وجمعيات المجتمع المدني وفعالياته في الكثير من المناسبات، وكان من شأنها ـ حسب دارسي العلوم السياسية والنظم المقارنة ـ ضمان استمرارية الاحترام العام لقواعد اللعبة السياسية، وتلاشي مبررات معارضتها، وقناعة الجميع بمواصلة العمل من أجل تعزيز ممارسة العملية الديمقراطية وتبني قيمها التي لا يمكن لها أن تستقر وتترسخ قواعدها إلا إذا كان الجميع يشارك فيها بفاعلية وتحظى بالقبول والتوافق العام في أوساطهم.وبقدر أهمية مشاركة المجتمع للدولة في إدارة الشأن العام، حظي المبدأ الثاني الحاكم لرؤية المملكة بالأهمية ذاتها، بل وفاقها في تقدير كثير من المراقبين، علاوة على التقارير الدولية والسمعة الحسنة التي اكتسبتها المملكة في تقييماتها.ويرتبط هذا المبدأ الحاكم بالجهد الحكومي المبذول من أجل بناء مؤسسات قوية لأداء العمل المنوط بها على أكمل وجه، وبحيث تكون قادرة على الوصول بخدماتها للمواطنين والمقيمين على السواء.ولم تقتصر مثل هذه المؤسسات على السياسية منها فحسب، وإنما الاقتصادية والاجتماعية أيضاً، باعتبار أن بناء المؤسسات كالبرلمانات والجمعيات والقضاء والأجهزة الإدارية والتنفيذية وغيرها، واستكمال مقوماتها التنظيمية والإدارية وتوفير ما يلزم لها لأداء دورها، كفيل أن يحقق للمشروع الإصلاحي والتنموي للعاهل المفدى النجاح المطلوب. ومن المهم هنا الإشارة إلى قرارات وإجراءات وفعاليات استهدفت دعم وبناء المؤسسات في المملكة خلال العام الماضي، ولا يتسع المجال هنا لذكرها جميعاً، وإن كان يمكن الإشارة لأبرزها من قبيل إعادة تشكيل المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان، وتعيين سمو ولي العهد نائباً أول لرئيس مجلس الوزراء لتطوير أداء أجهزة السلطة التنفيذية، وتشكيل الهيئة العليا للإعلام والاتصال والمجلس الأعلى للبيئة، ومفوضية حقوق السجناء والمحتجزين، واختيار سمو رئيس الوزراء للفوز بالجائزة الأوروبية للشخصية العالمية في العلاقات الدولية 2013 الممنوحة من اتحاد الاقتصاديين والإداريين العرب في الاتحاد الأوروبي.وساعدت كل هذه الإجراءات في تكوين وصياغة العناصر الرئيسة المشكلة لبنية وتجربة الديمقراطية البحرينية ذاتها، وكان بمقدورها الوفاء باستحقاقات عملية التنمية من جميع جوانبها، من تعليم وصحة ومشاركة وحرية، وإنهاض المجتمع والارتقاء به، وإتاحة الفرص لفاعليه في التحرك والمناقشة والأخذ والرد بشأن الأداء العام، وبناء القدرات الوطنية في القطاعات المختلفة ورفع قدراتها عندما تتعاطى مع الآليات والمؤسسات والتقارير الدولية المعنية بهذه القضايا.ويبدو مهماً إبراز عدة مؤشرات تعكس نجاح البحرين والسياسات المتبعة فيها على تلبية الاحتياجات المجتمعية عامة، واحتياجات هذه الفئات بشكل خاص على مختلف المستويات القانونية والاجتماعية والتربوية والثقافية، منها جهود تطوير الاقتصاد الوطني باعتباره الأكثر تنوعاً في الخليج، وأحد أكبر الاقتصادات في تحقيق معدلات نمو عالية خلال 2013، ومد مظلة الدولة الرعائية والاجتماعية ورفع سقفها لتشمل حتى المقيمين، وجهود الأجهزة واللجان المعنية بشؤون المرأة والطفل لإقرار وسن تشريعات تحمي حقوقهم كالمرسوم بقانون رقم 32 بشأن حقوق الطفل، وتدشين الاستراتيجية الوطنية للطفولة للسنوات الخمس المقبلة، وعضوية المملكة في لجنة حقوق الطفل الأممية للفترة 2013 -2017.ويضاف إلى حزمة المكاسب ارتفاع مشاركة المرأة في اقتصاد المملكة حتى عام 2020 بنسبة 5% لتصل إلى 45.6% بالمقارنة مع مستواها في الوقت الحالي، حسب دراسة لمجلس التنمية الاقتصادية الذي أشار إلى نمو عدد النساء في سوق العمل جزئياً، وانخفاض معدل البطالة في صفوفهن، وارتفاع عدد السجلات التجارية المسجلة باسمهن إلى 29%، وغيرها من مؤشرات تعكس جميعها مدى نجاح سياسات الدولة وارتفاع نتائجها.وهناك إنجازات عديدة أخرى في مجالات الصحة والتعليم للجميع، إذ فازت البحرين خلال عام 2013 بعضوية المجلس الدولي الحكومي لبرنامج المعلومات للجميع، والمجلس الدولي الحكومي لتنمية الاتصال، فضلاً عن جهود مكافحة الإتجار بالأشخاص واحترام كرامة الفرد والعمال الأجانب وكفالة الحريات الدينية للمواطنين والمقيمين على السواء.البحرين كانت وتظل دولة مستقلة ذات سيادة، وهي تجربة تثبت منذ فتحها عام 1783 أنها بأيدٍ أمينة برؤية قيادتها الثاقبة في إشراك مجتمعها في الشأن العام وبناء مؤسساتها وتجذر سياستها وتعميق نتائجها لتصل للجميع، واحتفالها اليوم بعيدها الوطني وتولي جلالة الملك مقاليد الحكم هو احتفاء بذكرى تلك المناسبة والتجربة المجيدة.