كتب - أمين صالح: عن الأكاذيب يواصل كلود ليلوش حديثه فيقول: «الأكاذيب هي للأفراد التعساء، الذين لا يشعرون بالسعادة. الصدق مدخر للأغنياء. إنه ترف. ما الذي يمكن للأفراد التعساء في العالم أن يفعلوه من دون الأكاذيب؟ عندما شرعت في العمل كصانع أفلام بدأت بكذبة: كذبت على نفسي وأوهمتها إني أمتلك موهبة. لكن ما هو رائع بشأن الأكاذيب أنها في آخر الأمر تقربنا من الحقيقة، وهذا ما يمنح الصدق قوته.إذن فيلمي هذا هو عن الأكاذيب، وقصة الحب الخاصة هذه مبنية على الأكاذيب. إنها أقوى. لو التزم الاثنان بالصدق منذ بداية العلاقة، فسوف لن يكون هناك إلا القليل المتروك للاكتشاف. سوف تفتقر العلاقة إلى الإثارة. لقد أردت بالفعل أن أنجز قصيدة غنائية عن الأكاذيب. كل أديان العالم هي ضد الكذب، في حين أن كل الفنانين هم في الواقع كذابون: لأن في الكذب تجد الخلق، الإبداع، الخيال. لكن، في الوقت نفسه، أنا بالطبع مفتون بالصدق، الذي أحاول أن أصوره. أريد من الممثلين أن يكونوا صادقين. هذه مفارقة مثيرة للاهتمام. حين أقول أننا نعيش في عالم مشوش تشوشاً كاملاً، أعني أن أقول أن ذلك ما يجعل العالم فاتناً جداً بالنسبة لي: كل الأشياء التي تفلت مني، كل الأشياء التي لا أستطيع التحكم فيها. الأمر الآخر الذي أحاول أن أوضحه وأجعله مفهوماً في أفلامي هو أن أكثر الأشياء أهمية في الحياة هو الحاضر. على سبيل المثال، لو أخذتك إلى صالة السينما لتشاهد معي فيلماً، وأخبرتك بأننا سوف لن نتمكن من مشاهدة الدقائق العشر الأولى من الفيلم، وأننا سوف نغادر الصالة قبل أن ينتهي الفيلم بعشر دقائق، فحتماً سوف ترفض أن تشاهد معي فيلماً آخر. لكن الحياة هي هكذا. نحن ندخل الصالة بعد دقائق من عرض الفيلم ونغادر قبل النهاية. إذن يتعين علينا أن نكون قانعين بما لدينا من وقت. نحن لن نعرف أبداً من أين جئنا أو إلى أين نحن ذاهبون. لذا من الأفضل أن تكون هناك في الوقت الحاضر. ولهذا السبب أنا أتحدث عن الحب في كل أفلامي، لأن حالما يقع المرء في الحب، يصبح أكثر إثارة للاهتمام. قصة الحب في فيلمي Roman de gare مبنية على كل هذه الأكاذيب. يبدو أن كل رجل وامرأة التقيا خلال فترة الحرب كانا أقوى كزوجين من اللذين التقيا خلال رحلة أو عطلة. الشيء الآخر الذي جذبني في الفيلم أنه فيلم عن المظاهر الخارجية. نحن نعيش في عالم يؤكد على المظهر الجسماني للفرد.. كذلك تفعل السينما.منذ بداية السينما والجمال الجسماني يبدو في بؤرة اهتمام كل شخص، في حين أن الآخرين، ذوي المظهر العادي، الذي لا يبدو جميلاً أو وسيماً، هم الأكثر إثارة للاهتمام. في فيلمي الأخير، البطل ذو مظهر جسماني سيء، وهو ليس وسيماً بالحس التقليدي، المتعارف عليه. وقد أظهرت أن شخصاً كهذا يمكن أن يكون محبوباً». السيارات تلعب دوراً هاماً وأساسياً في أفلام ليلوش وحياته اليومية.. كمثال، سيارات السباق في فيلمه «رجل وامرأة»، وفي Cetait un Rendez-Vous (1976) الذي فيه يقوم سائق غير مرئي (ليلوش نفسه) بعبور شوارع باريس المهجورة فجراً، في تسع دقائق، ملصقاً الكاميرا بداخل السيارة. بعد عرض الفيلم، وبسبب تجاهله لكل إشارات السير، وقيادته السيارة بسرعة غير قانونية، فرضت عليه السلطات غرامة ثقيلة. يقول ليلوش: «السيارة عنصر مهم في حياتي، هي بمثابة المكتب لي، حيث أكتب أفلامي. خلقت Roman de Gare أثناء رحلة بالسيارة من باريس إلى روما، ذهاباً وإياباً. أخذت معي آلة التسجيل الصغيرة، وتركت ورائي بيتي وعائلتي وأصدقائي، فقد كان عليّ أن أبقى وحدي لكي أكتب. وجعلت السيارة تقود نفسها من دون أن أعرف إلى أين أنا ذاهب. من أجل أن أكتب أحتاج أن أنفصل عن الحياة اليومية وما يرافقها من قلق وتوتر وضغوط. في سيارتي أكون قادراً باستمرار على ملاحظة الناس، أو أتوقف قرب حانة صغيرة، أو استمتع بمنظر ما».رداً على هذا السؤال: «هل يشعر كلود ليلوش، في أي وقت، أنه صار سجين كلود ليلوش؟»يقول ليلوش: «هكذا الحال مع وودي ألين أو فرانسوا تروفو. حين تحقق أفلاماً بانتظام، يقول الآخرون الأشياء نفسها. رغم أنهم في الواقع لا يشاهدون الأفلام. صحيح أنك، في لحظة معينة، تكتشف أنك أنتجت الكثير من الأفلام. في هذه المرة أردت أن أوقظ النقاد قليلاً. في مثل عمري، من حقي أن أسلي نفسي. والشيء الممتع هنا، شعوري بأني أحقق فيلمي الأول».