كتب - يوسف شويطر: اليوم أتيت بموضوع أدبي جديد مغاير عن السابق سوف نتحدث فيه عن تجربة شعرية إنسانية وفريدة من نوعها في الساحة الأدبية الخليجية إن لم تكن على الساحة العربية ككل، الاختلاف في الموضوع سيكون محوره عن رمز يوسف في ديوان الشاعر علي الشرقاوي (البحر لا يعتذر للسفن). علاقة الهامش بالمتن:الشرقاوي يقدم ثالث أعماله الشعرية ذات الاختراع النادر التركيبة هنا، وهو كتابة القصيدة على دفعتين جزء بالهامش والآخر بالمتن وعلى القارئ أن يجد العلاقة بينهما، من بعد (كتاب الشين) و(أوراق ابن الحوبة) وجدت الشاعر يتطرق لأمور إنسانية عديدة غزيرة لم يتمكن الوصول إليها أي شاعر آخر كأنه اخترع للشاعرية عالماً مختلفاً.ضحكة يوسف:(بين جرحي وضحكة يوسف ليل تمزق في جانبيه حنان البياض وسنابل قحط وشمس محدبة وقبائل تزرع في رأسها سوسة الانقراض لماذا هنا يتقاتل في رحمها صوت بعضي وبعضي ولماذا هنا تتقاسم أمراضها شفتي؟) هنا لعبة رمزية صعبة أنا وهي يوسف في هيئة رمز شعري قد يحمل دلالات كثيرة لما يقول الشاعر بين جرحي وضحكة يوسف ليل تمزق في جانبيه حنان البياض، هل يوجد إسقاط ذاتي على حياة الشاعر قد تلقاه في فترة معينة في حياته، من صعوبة وعوائق مثل النبي يوسف عليه السلام في صباه؟ و(سنابل قحط وإلى آخر المقطوعة) قد ترمز سنابل القحط عن مرحلة جدباء قد تمر فيها البلد مثلما حكى النبي للملك بخصوص السبع السنابل العجاف ولم لا قد تكون تعبيراً عن مرحلة صعبة من حياة الشاعر.يوسف:(يوسف، كلما شتموا الخطوات، تلك التي ترتديني لأنجز أحلامها، في فضاء اللهب، كلما في الطريق أتتني سهام الجهات شعرت بأن جناحي ينافس ضحك الذهب)هنا قد يدعو الشاعر للعمل على تحقيق الحلم و الإنجاز بأفضل صورة ولم لا يمكن أن يكون (يوسف) مجرد قناع لبسه الشاعر ليفصح عن وجهة نظرة حول تحقيق الأحلام والامنيات بألا شيء يوقفه أو يعطل من مواصلة التحقيق والسعي.فضاء اللهب = قد يكون دلالة على التغلب على الصعوبة أينما كانت. ضحك الذهب = قد يدل على قمة السرور الذي ينافس الضحك نفسه.ريح يوسف (1):(يوسف آه يوسف.. يوسف.. يوسف.. ماذا أشم؟ وأي هسيسٍ يحدق كالشمس في داخل الروح يمنح للعابرين خلايا المرايا حدائق عطرٍ، لها منطق الطير قبل هطول الغناء ريح يوسف قادمة في الطريق أراها مطهمة بصباح الصبا والقناديل ناضجة كثمار التسامح)..هنا الشاعر قد تطرق إلى قضية رمزية تحتاج إلى انتباه وهي ريح يوسف والمعروف بأن ريح يوسف هي الريح التي أرسلها الله إلى نبي الله يعقوب عليه السلام كإشارة لنبوة يوسف ولرجوعه إلى كنفه أيضاً ومن هنا تفاءل يعقوب برجوع ابنه الغائب الذي ذرف الدمع من أجله لكن هنا في اللغة الشعرية هل هو قناع كما ذكرنا سابقاً؟ ويقول (قادمة في الطريق أراها مطهمة بصباح الصبا والقناديل ناضجة كثمار التسامح) هل الشاعر يتنبأ من هذه الريح خبراً سارّاً أو حدثاً مهماً يبث له الفرح أم يدعو إلى قدوم شيء آخر ميتافيزيقي لا يمكن تفسيره القارئ العادي.ريح يوسف (2):(ريح يوسف تحجل أنسى دم الجب أنسى يد الذئب أنسى وأذكره يقرأ سورة رؤياه الشمس تسجد والقمر الدائري المكعب يسجد، كل الكواكب تسجد لي. يا أبي هل تفسر لي غيم رؤياي؟ هل تسبر الضوء هذا الذي يتروض؟هل؟).ما المقصود هنا بالريح هل الدعوة للتسامح؟ لأن الشاعر قال أنسى الجب وأنسى يد الذئب (الذئب والجب قد يعطون دلالات على الغدر والخيانة و كل ما هو مكروه)، قد تكون الدعوة في الهامش دعوةً إنسانية، (كل الكواكب تسجد لي) هل يقصد بأن الإنسان عظيم وكل شي قد يخضع تحت أمره؟.ريح يوسف (3):(ريح يوسف مزحومةٌ بقميص السماء، كل الزمان هنا يلتقي الآن، بين يدي والبصيرة يخرج من غفوة الجب في جبةٍ من كلام العصافير، يدخل في صحوة السجن ثم إلى العرش)، ريح يوسف والقميص عاملان مهمان هنا المعروف بأن الريح قبل أن تذهب ليعقوب اصطدمت بقميص يوسف وذهبت إليه ويقول الشاعر قميص السماء قد يقصد بالريح هنا البشارة أو البرهان على الفرج من رب العالمين، (يدخل في صحوة السجن ثم إلى العرش) قد يكون إسقاط على حياة الشاعر الذاتية بأنه قد تخلصه الريح من مما هو فيه أو يمكن القصد عن حياة الشرقاوي ذاتها في فترة الاعتقال.ومضة:علي الشرقاوي شاعر لديه روح طفل شقي لم يتجاوز الخامسة يلهو ويلعب بكل براءة وجرأة في العوالم والأزمنة لهذا تجد في تجاربه الفصحى روح الطفولة والعفوية والتنقل من مكان إلى مكان وأنا الآن أنتظر إصداراته المسرحية والشعرية الجديدة، شكراً يا أبا فيّ على هذه الألعاب التي من خلالها احتكرت جمهوراً معيناً لقراءة هذه الأشعار وهو الجمهور النخبوي المثقف.اعتقاد:قد يكون ما ذكر في الكتاب عبارة عن سرد مذكرات الشاعر نفسه لاسيما بأن العنوان الفرعي يقول (تداعيات بحار صغير يدعى علي الشرقاوي) لعب الشاعر على قضية موت المؤلف والمعروف بأنه في فترة صباه قد عمل في البحر، مجرد اعتقاد.
البحر لا يعتذر للسفن.. اختراع الشاعرية
18 ديسمبر 2013